“الفقر هو إن مدرستي ما يكونش فيها حوش (فناء) ألعب فيه.. أن تكون الدراسة خالية من حصص الموسيقى والكرة والألعاب.. أن أذهب للمدرسة بهدوم مقطعة (ملابس قديمة)، من غير مصروف، ولا ساندويتشات، إني أروح (أذهب) لمدرسة وحشة (سيئة) والمدرس بيضربني فيها.. إن أبويا ما يلاقيش (لا يجد) فلوس يعالجنا بها، أو إننا ما نلاقيش غطا يكفينا أنا واخواتي”.
بهذه الآراء عبر 168 طفلا مصريا، تراوحت أعمارهم بين 10 و18 عاما، عن مفهومهم للفقر، قامت بعرضها د. عالية المهدي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، من خلال فيديو تم تسجيله من 6 محافظات مصرية في إطار إطلاق أول دراسة ميدانية عن فقر الأطفال في مصر، أعدها مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بالتعاون مع اليونيسيف ووزارة الدولة للأسرة والسكان.
تناولت الدراسة قضية الفقر في مصر من محوري الفقر المادي والحرمان المعنوي، وكشفت أن أكثر من 7 ملايين طفل مصري يعيشون محرومين من حق واحد أو أكثر من حقوق الطفل، ونحو 1.2 يعيشون في فقر مطلق، و 1.4 يعيشون على أقل من دولار في اليوم الواحد.
كما أوضحت أنه بالرغم من النمو الاقتصادي المرتفع الذي بلغ حوالي 7.2% عام 2008، وارتفاع مخصصات الموازنة للجهات التي تفيد الطفل بمقدار 3 مرات عن مخصصات الموازنة للجهات الأخرى، فإن 10% من أطفال مصر ما زالوا يعانون من نوعين أو أكثر من الحرمان، وأن معدلات الفقر في المناطق الريفية بلغت 30.5% مقارنة ب12.6% في الحضر.
وهنا تقرأ عن: تأثير الفقر على الصحة والاحتياجات الأساسية للإنسان
صوت الصغار
تعليقا على آراء الأطفال ومفهومهم عن الفقر أوضحت د. عالية المهدي أن عباراتهم أبلغ وأدق من العبارات المنشورة في الكتب العلمية، وأنها أظهرت أن مفهوم الفقر يختلف من مستوى اجتماعي لآخر لدى الأطفال، وأيضا من الريف إلى الحضر، ولكنها جميعا تدور في إطار الحرمان من التعليم واللعب والطعام والشراب وأيضا عمالة الأطفال، وأنه نتيجة لذلك يجب أن ننظر إلى قضيه تغذية الأطفال وتوافر الزي المدرسي ومراقبة المدرسين في أداء أدوارهم التربوية بشكل أكثر حزماً.
وفي تصريح لها بمؤتمر مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية الذي عقد الأسبوع الماضي بمقر كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، نبهت مشيرة خطاب وزيرة الدولة للأسرة والسكان إلى أننا دائما ما نغفل صوت الأطفال في القضايا المتعلقة بهم، لافتة إلى أن شهاداتهم في هذه الدراسة جاءت كتعبير واضح عن قضية الفقر الذي يعانون منه.
ودعت الوزيرة إلى أهمية الاستثمار في الأطفال لأن هذا النوع من الاستثمار كما يضمن الإصلاح في جميع المجالات فهو أيضا لا يكلف كثيراً، وشددت على أن قضايا سوء تغذية الأطفال والمدارس لم تأخذ حقها في مصر خلال الفترة السابقة (طبقا للدراسة)، وأن أكثر من 21% من أطفالها يعانون الفقر والحرمان، الأمر الذي تعتبره إشارة مدمرة للمستقبل واستمرارا لحلقة البؤس الذي سيتوارثه الأجيال.
وعن السياسات التي ستتخذها الدولة لحل هذه القضية أشارت الوزيرة إلى قيام وزارة السكان بإرساء السياسات الاجتماعية المتكاملة للقضاء على هذه الأزمة، وأنه تم افتتاح مرصد لحقوق الطفل بالمجلس القومي للأمومة والطفولة العام الماضي وتم تفعيله هذا العام ليقوم برصد جميع الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مصر، إضافة إلى مبادرة الإنذار المبكر ولجان حماية حقوق الطفل.
وتقرأ هنا عن: أنواع الفقر
الحل في التمكين
وأوضحت د. سحر الطويل، مدير مركز العقد الاجتماعي بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أن الدارسة استخدمت إطارا قائما على الحقوق في تحليل الظاهرة لا يقتصر في تعريفه للفقر على الحرمان من الدخل أو الاستهلاك المنخفض، بل والحرمان من موارد أخرى (الدخل – المأوى – الغذاء – التعليم – المعلومات – الصحة – الصرف الصحي – المياه)، وعلى ذلك شددت على ضرورة أن تقوم برامج الحلول على تمكين الأسرة ماديًّاً.
وأبدت الطويل اعتراضها على اعتبار التعليم وجودته من مؤشرات الفقر، لافتة للأطفال المتسربين من التعليم والآخرين الذين حرموا منه تماما، وتساءلت: كيف نجعل الطفل الذي لديه قدر من التعليم مساويا لنظيره الذي لم يحصل على أي قدر منه؟.
وكانت الدراسة قد أوصت بضرورة وضع سياسات عامة قائمة على التحليل المنظم للأدلة والشواهد، وأيضا تطوير المفهوم المصري لفقر الأطفال بحيث لا يقتصر تعريفه على عدم وجود دخل، بل يتضمن عدم حصول الطفل على تعليم جيد، ومدى توافر زي مدرسي وغذاء جيد داخل المدارس، وأن ترتكز جميع السياسات والبرامج القومية لحقوق الطفل على أساس قانون الطفل المصري الذي تم تعديله مؤخرا.
كما أوصت الدراسة أيضا بوضع خطة عمل متكاملة للأطفال بالتنسيق بين القطاعات المعنية بالدولة مع زيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية الموجهة للأسر الفقيرة، بالإضافة إلى رفع قدرة الاختصاصيين الاجتماعيين وزيادة مكافآتهم، وأخيرا أكدت على الحاجة إلى إطلاق برنامج إصلاح إداري يشمل وضع معايير للاستحقاق تكون واضحة.
كتبت: آيات الحبال