في طفولته، كان كائنا غريبا في مشيته. في العالم الجاف من حوله ليس سوى قصص رعاة فانين عن الماء. ما الماء؟ ما صفته؟ من أين يأتي؟ ولماذا؟. هذه أسئلته الكونية. قد يعتقد من رآه خلسة أن في جنبيه قلبا كسائر الأطفال، أو أنه يتنفس. كان يخدعهم بتمثيل قصيدة برية لشاعرهم الذي يتحلقون كل ليلة حول روحه ويتلون قصيدته. بعضهم بلغ منه الجهد أن يمارس طقوسا أكثر غموضا من فكرة الماء ذاتها.
شيوخ القرية، وهم يقعون كل ليلة حول النار، يسردون أساطيرهم عن الماء. أبعدهم تطرفا قال إنه رأى رجلا يقسم أنه رأى الماء، وأنه تحدث معه، وأن يديه كانتا كورق أشجار الصبار، مدببة ونافذة. جميع من كانوا حول النار في تلك الليلة شعروا بالوخز. بعضهم لم ينم ليلته، يفكر واحدهم أن الماء سيطرق بابه وسيفوز هو دون سواه بشرف استضافته. جميعهم قضى ليلته يفكر في الماء، حتى من نام منهم كان يحلم بالماء، ورغم أن أي أحد منهم لا يعرف ما يعنيه شجر الصبار إلا أنهم شعروا بالوخز/ الوخز إلى ما لا نهاية.
في طفولته، كان يجد الشمس جالسة في الطرقات. لم تقل له مرة إنها تشرب الماء ثم تبصقه في الغيوم، ولم تخبره أن الماء يشعر بألم أن يتحول في كل مرة كي يولد من جديد. ربما لم تكن الشمس تفكر في حقيقة هذه التحولات، ربما كان الماء سعيدا بها، إنها طريقته كي يهرب من النهر ويستريح في الأعالي. يقول: قد يكون الماء مثلنا يرغب في أن يستريح قليلا.
في قرية تنشب العصافير أجنحتها في الهواء لتخدشه، كان يكبر ببطء. يتأمل الفراغ من حوله. يبحث عن صفة الماء الذي يسردون حكاياتهم عنه، يحلم أن يراه ولو لمرة وحيدة قبل أن يموت. يموت ظله وهو يتشبث بفكرته. لاحقا سيغرق ما حوله لكنه هو وحده من لا يجد الماء، ليس في الأمر أي عطش، القصيدة التي كتبها الفانون من قبله كانت تغريه بأن يغرق أكثر، لكنها ليست كافية لتفسير الماء، ولا حتى لجعله يراه.
في عامه هذا، بلغ درجة حرارة الطبيعة، 37 سنة، أو حتى 37 درجة، كل درجة إضافية ستبعده أكثر عن حلمه. لكنه مؤمن بالمعجزات، يفكر أن ماء في الكرة الأرضية، في زاوية ما منها، وأن قراصنة طيبين يحرسونه، وأنه سيراه حتما.
بقلم: حامد بن عقيل