شهر رمضان شهر العطايا من رب العباد كل لياليه وأيامه بل ساعاته ودقائقه هي هدايا من رب السماء لأهل الأرض ممن أسلموا وجوههم وقلوبهم لله عز وجل ورضوا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، يغتنمها ويحرص عليها من يعرف قيمتها ويقدرها حق قدرها، ويغفل عنها التعساء والأشقياء، لذا يجب أن نذكر أنفسنا وإياكم أن أيام رمضان هي فرص ذهبية لجبر تقصيرنا ومغفرة ذنوبنا وتفريطنا في جنب الله، ويجب أن نتذكر جيدًا أنها هدايا غالية لا نضمن بأي حال من الأحوال أن تهدى إلينا ثانية، فقد تذهب بلا عودة فلنحسن اغتنامها.
لصوص الوقت في رمضان
التليفزيون: من أعجب الأمور التي ارتبطت بشهر رمضان أن اتخذ منه صناع السنيما والدراما والفن موسما للعروض الجديدة، فتجد التليفزيون على مدار الساعة تتنافس قنواته في العروض الفنية الجذابة التي تجذب المشاهدين بل وتأسر اهتمامهم وتثير فضولهم، فتجد الواحد منا لو سلم بعض وقته للتسلية بمشاهدة مسلسل أو برنامج يصبح كالأسير يسلمه مسلسل لأخر وبرنامج لبرنامج وقناة إلى قناة فينفرط منه عقد الشهر دون أن يدري، ويفوته الثواب العظيم الذي أعده الله للمجتهدين والعاملين في رمضان، من قارئي القرآن ومقيمي الصلوات في جوف الليل، والذاكرين الله.
النوم: بعض الناس يستعين على العبادة براحة الجسد والنوم لبضع ساعات، فتجده بعد فطره يتأهب لصلاة العشاء ومن بعدها صلاة القيام، ثم يحرص على النوم ساعتان أو ثلاث ليستيقظ قبل الفجر فيتناول وجبة السحور ثم يصلي الفجر وينام ومنهم من يظل يذكر الله حتى يحين الضحى ثم يخلد للنوم، وهذا أفضل ما يفعله المسلم في رمضان أن يأخذ قسطًا كافيًا من النوم ليتقوى به على العبادة، ولكن من المؤسف أن بعض الناس وخاصة الشباب يقلب الليل نهار وينام نهاره ويضيع صلواته وفرائضه، ويفوت على نفسه الأجر المترتب على المشقة في الصيام، ومن الناس من يؤجل أعماله ويسوف ما وراءه من التزامات ليقضي شهر رمضان كله في ما يشبه البيات الشتوي، فتسرق منه بركة الشهر وتسرق منه نفحاته وخيراته، وقد يستفيق في أخر الأيام فتنهش الحسرة قلبه على ما فرط في ساعات الشهر المبارك، وتخور عزيمته وتعجز إرادته عن التعويض، لذا يجب أن ننتبه جميعًا إلى تلك النقطة ولا نترك النوم يسرق منا أيام لا تعوض.
المطبخ وأعمال المنزل: ومن بين اللصوص التي تسرق منا أجمل ساعات رمضان وأكثرها بركة لص يتربص بالمرأة خاصة، لص فرضه الفكر الشرقي والمصري الغريب عن الصيام والطعام، فربة المنزل سواءً كانت أمًا أو زوجةً أو أختًا كبيرة مطالبةً طوال الوقت بإعداد أصناف الطعام المختلفة، وأنواع الحلوى الشهية، بصورة مبالغ فيها جدًا، وإن لم تفعل تتهم بالتقصير، ويلقى عليها اللوم، الكل ينسى أو يتناسى أن هذه الامور تستغرق وقتًا طويلً جدًا من ساعات النهار، وترهق قواها فتعجز عن المقاومة أو قراءة القرآن أو تعويض ما فاتها بالليل، هذا فكر سقيم يجرد الشهر من كرامته وجوهر تميزه الحقيقي.
هذا فضلًا عن أعمال المنزل الأخرى من الترتيب والتزيين وخاصة قبيل العيد وفي العشر الأواخر من رمضان، حيث يتنافس المتنافسون في تحصيل ما بقي من خير وبركة الشهر الكريم ويسعى الساعي إلى إدراك ليلة القدر والاستمتاع ببركتها، نجد ربات البيوت مكبلات بأعمال مكدسة من التنظيف والإعداد للعيد وغيره، وهذه ليس دعوة للتخلي عن واجبات المرأة نحو بيتها ولكنها تذكير بالاعتدال، وعدم المبالغة التي تضيع الفرص وتفوت تحصيل الأجر.
وأخيرًا: إننا نوجه دعوة من القلب للتحقيق معاني التوازن وإن كان لا بد من الميل لشيء على حساب الآخر فليكن ميلنا لتحقيق أقصى منفعة من الشهر الكريم، ولنتعرض لنفحاته وكراماته قدر المستطاع، فالعام كله يتسع للتسلية ولمشاهدة التليفزيون وبرامجه، كما يتسع للنوم والراحة، ويتسع كذلك للفن في إعداد أشهى الأطعمة وترتيب المنزل وابتكار أجمل الأعمال الخاصة به، العام يتسع لكل ذلك، ولكن الثلاثون يومًا الذين أهداهم الله لنا في كل عام مرة واحدة في مجموعها شهر خاص، خاص بالعبادة والقرب من الله والذكر وتلاوة القرآن والصيام والقيام والصدقة وصلات الأرحام،، فلنتعلم أن نعطي كل ذي حق حقه، وحق رمضان أن يستغل فيما شرع له.