اتفق الجد عرفان مع الجدة زينب على اصطحاب حفيديهما مرام وحسام لزيارة مزرعة ابن عمهما الحاج نبيل، وفي هذا اليوم استيقظوا جميعًا في الصباح الباكر، وأخذوا معهم بعض الهدايا، وانطلقوا بالسيارة حتى وصلوا إلى مزرعة كبيرة على حدود الصحراء، رحب الحاج نبيل بهم، واصطحبهم في جولة داخل المزرعة، انبهر حسام ومرام بالخير الوفير والمحاصيل المتنوعة وأشجار الفاكهة.
أوضح الحاج نبيل أن هذه الأرض كانت عبارة عن صحراء جرداء، وقد استطاع استصلاحها وزراعتها بعد جهد وتعب.
أشارت مرام إلى ركن به صناديق مرصوصة بدقة، ويصدر منها صوت طنين نحل، وسألت: وهل هذه خلية للنحل ؟ أجاب الحاج نبيل: نعم، ولكن لا تقتربي منها حتى تلبسين الزي الواقي من السعات النحل.
وعلى الفور ارتدى الجميع الأزياء الواقية، واقتربوا من خلايا النحل، سحب الحاج نبيل إطارا خشبيا به خلايا سداسية الأشكال، رأى بها حسام مئات النحل يعملن بهمة ونشاط في وضع العسل.
قال الجد عرفان: سبحان الله إن موضوعنا اليوم عن النحل.
فرد الحاج نبيل: يوجد نحو أربعين نوعًا وسلالة من نحل العسل تنتشر في جميع قارات العالم ماعدا القطب الجنوبي.
اليوم العالمي للنحل
وأضاف الجد عرفان: النحلة حشرة اقتصادية ومفيدة للإنسان؛ نظرًا لمساهمتها في تلقيح الزهور، وإنتاج العسل.
واستطرد الحاج نبيل ولا تنسى أنها تصنع غذاءها بنفسها، وتنظف الخلية، وتعتني بالبيض؛ ولذلك اهتمت الأمم المتحدة بالنحل، وخصصت له يوم (20) من مايو من كل عام يوما عالميا للاحتفال به.
هنا أيضًا نجد: بحث حول مجتمع النحل «كامل» بالعناصر
تربية النحل
وهنا تدخلت الجدة زينب في الحديث قائلة: ولا ننسى أن أجدادنا المصريين القدماء أول من قاموا بتربية النحل؛ حيث وجدت بعض النقوش في المعابد الفرعونية تعود إلى عام (2600) قبل الميلاد، تبين طريقة تربية النحل عند الفراعنة.
ابتسم الحاج نبيل وقال: معك حق، وإلى الآن يهتم الفلاح المصري بتربية النحل الذي يدر عليه الخير والربح هيا حتى نخلع الزي الواقي من لسعات النحل، ونتذوق العسل اللذيذ.
جسم النحلة
جلس حسام ومرام يتأملان نحلة تطير حول أغصان الأشجار، تعجب حسام قائلا: إنها صغيرة جدا!
ردت مرام صحيح يا حسام ومع هذا فجسم النحلة مثل بقية الحشرات مقسم لثلاثة أجزاء (الرأس والصدر والبطن، ولدى النحلة خمس أعين، ولجميع أنواع النحل تقريبا قرنا استشعار، ولجميع أنواعها زوجان من الأجنحة، والأجنحة الخلفية أصغر من الأمامية.
وأكمل حسام تقوم الشغالات بجمع الرحيق من خلال خرطومها الشافط والذي يُمكنها من الوصول إلى داخل الزهرة، بينما تجمع حبوب اللقاح على سلال خاصة في أرجلها الخلفية.
كذلك؛ هنا نقرأ: معلومات عن خلية النحل ومراحل تكوينها
العلاج بعسل النحل
جاء الحاج نبيل يحمل صينية عليها أطباق عسل النحل اللذيذ، ومعها الفطير المشلتت الشهي، صاحت الجدة زينب ما شاء الله وجبة مكتملة، إذا أضفنا لها الجبن القريش الذي أحضرناه والخس الطازج.
قامت الجدة زينب، وفتحت الحقائب، وأحضرت الجبن والخس المغسول وتحلق الجميع حول الطعام فرحين قال الجد عرفان: هل تعلمون أن جميع المكونات التي ينتجها النحل تستخدم في علاجات الطب البديل؛ حيث إن لمنتجات النحل فوائد واستخدامات وقائية وعلاجية وغذائية لا تعد ولا تحصى.
لا استطرد الحاج نبيل قائلا: العسل الصافي يساعد في عملية التئام الجروح والحروق؛ لأنه يجدد خلايا البشرة، كما يخفف الألم، ويقلل مدة الإسهال، ويمنع حموضة المعدة ويكافح الالتهابات، ويخفف أعراض البرد والسعال، كما يساعد على انخفاض ضغط الدم.
ماذا نتعلم من النحل؟
وهنا سألت الجدة زينب الحفيدين وبعد أن عرفتها الكثير عن النحل، ماذا يمكن أن تتعلما منه؟
ردت مرام بسرعة: الجد والاجتهاد في العمل، فالنحل من الحشرات النشيطة المنظمة، التي لا تهدر وقتها، فهي دائماً تعمل؛ إما في بناء الخلية، أو صنع العسل، أو جلب الرحيق من الأزهار، أو رعاية البيض، أو حراسة الخلية. وأكمل حسام وكذلك لاحظت أن النحلة تقوم بعمل الخير، عندما تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى. قال الجد عرفان عمل الخير يعود دائما بالنفع، إن النحلة تمتص رحيق الزهرة، وهو غذاء لها، وفي نفس الوقت تفيد الزهرة بنقل حبوب اللقاح التي تخصب الزهور، وتضمن وجود براعم صغيرة ستكبر ذات يوم وتصير زهوراً جميلة.
سورة النحل
وهنا ابتسمت الجدة زينب قائلة: ولا تنسوا أن الله كرم النحل بإطلاق اسمه على واحدة من سور القرآن الكريم، وهي السورة رقم 16 بالمصحف الشريف “سورة النحل”، وعدد آياتها 128 آية. وأكملت مرام نعم، وهي سورة مكية.
وشرح الجد عرفان وقد ورد ذكر النحل في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
ومعنى قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ﴾؛ أي: ألهم الله النحل، وأرشدها أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها، ومن الشجر، ومما يعرشون وبيوت النحل سداسية الشكل محكمة في رصها، بحيث لا يكون بينها خلل. ثم أذن الله للنحلة أن (تأكل من كل الثمرات تأكل من أصل كل الثمرات وهى حبوب اللقاح)، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى لها مذللة؛ أي: سهلة عليها حيث شاءت في هذا الفضاء العظيم، والبراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة، ثم تعود كل واحدة منها إلى موضعها وبيتها، لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة.
وقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ ؛ أي: ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوان، على اختلاف مراعيها ومأكلها، وقوله ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ﴾؛ أي: في منتجات النحل (وهي العسل والغذاء الملكي، والشمع، وحتى في لسع النحل) شفاء للناس من بعض الأمراض.
وقد ورد في الحديث الشريف، عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله ﷺ: “عَلَيْكُمْ بِالشَّفَاءَيْنِ: الْعَسَلِ، وَالْقُرْآنِ”. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أي: إن في إلهام الله سبحانه وتعالى لهذه الحشرة الضعيفة سلوكًا معينا في كيفية الحصول على المسكن، والاهتداء إلى مصادر الغذاء، ثم كيفية جمع العسل وإفراز الشمع وحبوب اللقاح، وهو من أطيب الأشياء، والطيران في طرق محددة؛ ﴿لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في عظمة خالقها ومُقَدِّرها ومسخرها وميسرها، فيستدلون بذلك على أنه سبحانه القادر الحكيم العليم، الكريم، الرحيم.
نظر كل من الجد والجدة إلى الحفيدين، ورأيا عيونهما تلمع بالمعرفة والعبرة.
فقالت الجدة: كم أنا فخورة بكما!
وضحك الجد وقال: ولكن هل تذكران اتفاقنا؟!
صاح الحفيدان وقالا في مرح: طبعا يا جدنا.
قال الجد: إذن نلتقي غدًا في الموعد نفسه لنتحدث عن العنكبوت.