لا إله إلا الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، حبيبنا ومصطفانا ومعلمنا وشفيعنا يوم الموقف العظيم، يوم لا ينفع المرء مال ولا بنون لا أن يأتي الله بقلب سليم، ويقدم لنفسه من الخير ما يشفع له ويقيه ويلات يوم طويل عظيم على الكافرين والظالمين غير يسير، فيارب في هذا اليوم ارزقنا الشفاعة واجعلنا ممن يدخلون الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب، ثم أما بعد:
عزيزي القاري نحن اليوم بصدد الحديث عن فضل يوم من خير أيام الله، يوم تتنزل فيه الرحمات، والنفحات، والبركات على عباد الله من كل حدب وصوب، يوم يجتمع فيه العباد موحدين لله تاركين خلفهم الدنيا بما فيها من متاع وصراع وصخب، متوجهين إلى الله بأرواحهم وأجسادهم متجردين من أحقادهم وأمانيهم ومشاكلهم وزينتهم، يقبلون على الله كما خلقهم الله، إنه يوم عرفة الذي يشرق بشمسه الساطعة على وجه الأرض مرة واحدة كل عام ليشهد أن الدنيا بخير وأن عباد الله الطيبين المخلصين المتقين بخير، يوم عرفة كنز من كنوز المؤمن التي يجب أن يعرف قيمتها ويستوعب فضلها وأهميتها ويحسن اغتنامها لتكن إضافة إلى رصيد أعماله التي يقدمها بين يدي ربه، وهنا سنذكر فضائل هذا اليوم وما ميزه الله به من مزايا وما يجب على المؤمن أن يفعله لكي يغتنمه ويحسن فيه إلى نفسه.
فضائل يوم عرفة
فضائل يوم عرفة كثيرة ومتعددة ومن أهمها ما يلي:
يوم يباهي الله ملائكته بعباده: من أوقع ما قرأت في فضائل هذا اليوم العظيم قول النبي –صلى الله عليه سلم-: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ)، فهنيئا لمن كان مع هذا الجمع الذي يباهي به ربه أهل السماء.
يوم عرفة يوم العتق من النار: ويدل على هذا المعنى عدة أحاديث منها الحديث المتقدم، (فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة).
يوم يدحر فيه الشيطان: من أفضل فضائل هذا اليوم المبارك أن عباد الله يقبلون على الله في طاعة ومحبة وإخلاص وتجرد من كل مظاهر الدنيا وزينتها، فيكافئهم الله بتكفير سيئاتهم وقبول أعمالهم وتتنزل عليهم بركاته فيكون فيه الشيطان مدحورا صاغرا متضررا أشد الضرر من هذه الحالة التي عليها عباد الله وفي هذا يقول –صلى الله عليه وسلم:- (مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ).
يوم تمام الدين واكتماله: في هذا اليوم العظيم وفي حجة الوداع نزل على النبي قول الله عز وجل ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾.
كيف يغتنم المسلمون يوم عرفة؟
يجب على المسلمين أن يكونوا حريصين على اغتنام تلك النفحات المباركة، والأيام التي يضاعف الله فيها الأجر ويقبل الأعمال ويكفر الذنب فيتقربوا إلى الله بكل ما يحبه الله من الطاعات والقربات، ومن السنن المستحبة في هذا اليوم:
صيام يوم عرفة، وقد ورد في فضله أنه يكفر سنة قبله وسنة بعده.
وكثرة التهليل والتكبير وذكر الله في هذا اليوم المبارك.
على المسلم أن يكثر من الدعاء بخيري الدنيا والآخرة فهو من الأيام التي يستجاب فيه الدعاء ومما يدل على ذلك قول –النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).