ليلة شريفة، عظيمة، لها فضل. ثبتت آيات وأحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان. وأحاديث فضيلة ليلة النصف من شعبان منها الصحيح ومنها الحسن ومنها الضعيف ومنها شديد الضعف مما لا يؤخذ به. أما ثبوت فضيلة ليلة النصف من شعبان فمجزوم به. لأن البعض الآن يكتب في وسائل التواصل يقول: لا، ليلة النصف من شعبان لا يصح فيها حديث. لكن أهل العلم يقولون: لا، الذي لم يصح فيه حديث بعينه هو تخصيص الليلة بنوع من العبادات… انتبه للفرق. أما الليلة ففضيلتها ثابتة في الكتاب والسنة.
ماذا حدث في ليلة النصف من شعبان؟
بداية؛ يقول الشيخ الحبيب علي الجفري أن هذه الليلة هي التي نزل فيها قوله ﷻ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. اللهم صل وسلم عليه.
وذَكر عدد من أهل التفسير أن الليلة التي ﴿يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ هي ليلة النصف من شعبان.
فضل ليلة النصف من شعبان
ووردت أحاديث عديدة في فضيلة الليلة. فذكر سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- أن هناك أن أربع ليالي في السنة تستجاب فيها الدعوة. وأنه كان يحيي أربع ليالي في السنة، ما ينام فيها، ويقضيها في العبادة. ما هم؟
- أول ليلة من شهر رجب.
- ليلة النصف من شعبان.
- وليلتي العيد [عيد الفطر وعيد الأضحى].
والإمام الشافعي ثبت أنه ذكر أن خمس ليالي تستجاب فيها الدعوة: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتي العيد، وليلة الجمعة. الأربع في كل سنة، والخامسة في كل أسبوع.
يقول الإمام الشافعي أنها من الليالي التي يستجاب فيها الدعوة.
فإذا ثبت فضلها ثبت استحباب أن يزيد الإنسان من الطاعة فيها. فالبعض يقول ما ثبت حديث صحيح في تخصيص تلك الليلة بعبادات بعينها. نعم، لكن إن ثبت فيها زيادة فضل فقد ثبت استحباب زيادة الطاعة فيها. فهي ليلة ينبغي الإنسان يحرص فيها على فعل الطاعات، وعلى الذكر وعلى تلاوة القرآن الكريم، صلة الأرحام، إدخال السرور على الصبيان.
أيضا التواصل بين الجيران. فاليوم نجد الجيران أصبحت العلائِق بينهم تكاد تكون مقطوعة، وحق الجار عظيم عند الله ﷻ. فيحيون معنى من الصلة بين الجيران انقطعت بسبب انشغال الناس بدنياهم في مثل هذا الزمان.
فعلى كُلٍ فهي ليلة فضيلة لها شرف عند الله ﷻ. ينبغي أن نحرص عليها.
صحة حديث يطلع الله ليلة النصف من شعبان
ذهب بعض المحققين إلى تصحيحه. وهو حديث فضل ليلة النصف من شعبان.
العلامة الألباني -رحمه الله- بذل جهدا كبيرا في تقصي روايات هذا الحديث. فوصل -رحمه الله- إلى الحُكم بصحة الحديث بلا ريب. وهو حديث «إن الله يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان؛ فيغفر لعباده، إلا لمشرك أو مشاحن».
فهذا الحديث صَحَّ بمجموع طرقه. وجزم بصحته وقال: والحديث صحيح بلا شك ولا ريب. ووافقه كثير من متأخر أهل الصناعة الحديثية كما قال بصحته من سبق الألباني من أهل الصناعة الحديثية.
وربما وُجِد عبر تاريخ الأمة المجيد علماء إجلاء لا ينكر فضلهم ولا إلمامهم بالصناعة الحديثية رأوا ضعف هذا الحديث وأضرابه. لكن؛ من علِم حُجة على من لم يعلم. ومن بذل الجهد أوسَع وأكثر ووصل إلى أمر يُطمئن سامعه وقائله لا يجوز لنا أن نرده لأن الأولين لم يقولوا به.
وصعب على الإنسان أن يدعي إجماعا بعد انقضاء الكثير من القرون المفضلة.
صحيح ما ورد في ليلة النصف من شعبان
يقول الشيخ صالح المغامسي: المقصود أن ليلة النصف من شعبان جاء فيها حديث نؤمن بصحته، وبفضل ما جاء فيه. لكن ينبغي للإنسان أن ينظر للأمر نظرة شرعية تتفق مع كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
تأملات في الحديث
الحديث يقول «يطَّلعُ الله ليلة النصف من شعبان». الله -عز وجل- مُحيطٌ بعباده، عالم بما يكون منهم، لا تخفى عليه من عباده خافية. يقول الله -عز وجل- ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. ويقول -جل وعلا- ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ | هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾.
والمعنى: معكم بعِلمه -جل وعلا-. وإنا نحن مؤمنون أن الله -عز وجل- مستوٍ على عرشه، بائنٌ عن خلقه، وأنه لا تخفى عليه من عباده خافية. يجيء القرآن، وتجيء السَّنَّة بالإخبار عن عِلم الله بمفردات من الألفاظ كثيرة كلها تؤدي معنىً عظيما، وهو إحاطة الله -عز وجل- بخلقه. منها قوله -صلى الله عليه وسلم- هنا «يطَّلعُ».
وهذا يكون من باب أن يتعرَّض الناس لنفحات ربهم لفضل الله -عز وجل-، لخيره، لجوده، لكرمه تبارك اسمه وجل ثناؤه. «فيغفر». فغفران الذنوب مطلب عظيم. فما من أحدٍ إلا ويتمنى غفران ذنوبه.
وهذا قول الخليل إبراهيم -عليه السلام- ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾. فما من نبي إلا وسأل ربه المغفرة. نوح يقول ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾. وكذلك الأنبياء بعده.
فليلة النصف من شعبان مظنَّة غفران الذنوب.
ويُكمل الحبيب ﷺ «فيغفِرُ لجميعِ خلقِهِ إلا لمشرِكٍ أو مشاحنٍ».
المستثنان:
- المشرك: لأن الله -عز وجل- لا يقبل دعاء ولا عمل أحد إذا كان متلبسا بالشرك. ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
- المشاحن: وعلى الصحيح، فإن المشاحن من في قلبه بغضاء، شحناء، عداوة؛ سببها -غالبا- الحسد لغيره والحقد عليه. كما أن إبليس حَسَدَ أبانا آدم، فكان ما كان من ضغينة في قلبه على أبينا جعلته يقسم بين يدي الله أن يضل بني آدم.