عندما تَّخذت قرارًا بتفصيل ما ورد من الأحاديث النبوية التي تناولت فضل سورة يس وما تُكسِبه للمسلم من أجر وثواب وفضائِل من قرائتها وحفظها؛ كُنت على يقين أن كثيرًا مما سأكتب لن يكون مُحببًا لقلوب وعقول البعض، وسأُخبركُم لماذا..
هل ثبت فضل سورة يس في السنة النبوية؟
استمعنا إلى كثير من الشيوخ والعلماء على شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصَّات الفيديو؛ عن مدى عِظَم فضل سورة يس وثوابها للمسلم القارئ لها.
الفضل العام
بداية دعونا نتحدَّث عن الفضل العام لقراءة القرآن الكريم، وليس سورًا معينة.
إذ أن نبينا محمد ﷺ في حديث صحيح، ورد في صحيح الترمذي والبيهقي وغيرهما؛ يقول فيه «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف». وهو من رواية الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-.
فهذا الأجر والثواب العظيم الذي نحن كمسلمين في أمَسّ الحاجة إليه؛ ينبغي ألا يفوتنا مطلقًا.
هذا بالطبع جنبًا إلى جنب مع الفضائل التي تثبتت بالفعل لبعض سور القرآن الكريم مثل فضل سورة البقرة وآخر آيتين منها وآية الكرسي، وسورة آل عمران، سورة الفاتحة.. وهكذا.
تجربة واقعية
فهذا الشيخ منير الكمنتر يحكي تجربة واقعية، عن سيدة ترويها بنفسها؛ وهي أنها وزوجها كانوا يعيشون في ظروف صعبة، والأمور والحياة التي يعيشونها في غاية الضيق. ولديها أخ تخرج من كليتين ولكنه لا يعمل، ولم يجد فرصة وظيفة يرتزق منها.
ورغم أن هذه السيدة صغيرة في السن، وتمر بكل هذه المِحَن؛ إلا أن لها أبًا من أهل العِلم،
فبدأت تلك السيدة في قراءة سورة يس طيلة النهار. فكلما وجدت في يومها بعض أوقات الفراغ اتجهت مباشرة إلى كتاب الله وبدأت بقراءة سورة يس. ثم لم تحدد عددًا، فكل هذا على حسب الوقت الذي تجده، ٢٠ – ٣٠ – ٤٠ مرة.. هي ووقتها المتاح.
تقول؛ وفي يوم من الأيام وهي مستلقية على سريرها، لكنها في نفس الوقت مستيقظة وفي غاية والانتباه. إذا بها تجِد رجلا ذو ملابس بيضاء ولحية بيضاء جالسا عند قدميها. فقال لها: لِم تقرأين سورة يس؟
ورغم صعوبة الموقف ورهبته، إلا أنها لم تخف؛ وقالت له: ولِم لا أقرأها؟ أنا عاطلة عن العمل وزوجي متعثر ولي أخ عاطل عن العمل!
فقال لها: أتودين شيئًا آخر؟ قالت: لا.. ثم رحل هذا الرجل.
تُكمل حكيها؛ وما مرَّ سوى أسبوع إلا وكان أخيها في خير عظيم، إذ طلبته كِلتا الكُليَّتين اللاتي تخرَّج منهما كي يعمل لديهما!
وهي وزوجها سافرا إعارة إلى السعودية ومكثا فيها ثمانِ سنوات، وانصَبَّ عليهم الخير صبّا. فأصبح لديهم شقة وسيارتين وأبنائهم أصبحوا أطباء.. وأصبحت عيشتهم رغدا.
تنويه: هذه حكاية وقصة؛ نعم، مجرد حكاية وقِصَّة ولا نقول لكم أنها أثرًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة أو السلف. قد تعدونها أحد أسرار سورة يس الحقيقية المجربة فعلا لكنها لا تخرج عن كونها مجرد قصة وتجربة، وعلى صاحبها يقع مسؤولية صدقها أو كذبها.
الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل سورة يس
الآن، وإذا كنا سنتحدَّث عن العلم والتوثيق والأدلة الصحيحة الواردة من السنة النبوية المطهرة التي سِيق إلينا عبرها فضل سورة يس وثوابها وأثرها على الرزق أو لقضاء الحاجة أو بنيَّة الفرج أو للمريض وغيرها من الأمور.. فالحق يُقال أن الأمر ليس كما يتردد على ألسِنة البعض.
فكما يحكي العلماء أن جميع ما ورد من أحاديث نبوية [أو هكذا يدَّعي مرددوها] في فضل سورة يس جميعها لا يصح وضعيف ولا أصل له [كما سنبينه تفصيلا أدناه]؛ ولا يرتقي إلى درجة مُحَسَّنة منها إلا حديث واحد؛ وهو حديث «اقرؤوا يس على موتاكم»؛ فهذا حديث صحيح للصحابي معقل بن يسار -رضي الله عنه-؛ وورد في شرح كتاب الشهاب في الحكم والمواعظ والآداب للإمام القضاعي.
ورغم هذا فإن بعض العلماء أيضًا لا يرون أنه من الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل سورة يس؛ بل صعَّفوه هو أيضًا. لكِن بالنهاية نقول أن على فرض كون الجميع أجمع على صحته، فهو أيضًا لا يعدو كونه حديثًا واحِدًا ولم يشمل كل تلك الفضائِل التي ترِد وُتردد حول فضل سورة يس وأثر عدية يس وغيرها.
وللعلم، لم يرِد فضل سورة يس في صحيح البخاري في أي حديث.
أحاديث ضعيفة وباطلة وموضوعة في فضائل يس
الآن جِئنا إلى المشور عند كثير من الناس، والذي هو رائِج بالفعل في فضل سورة يس، والتي يُعتمد فيه على أحاديث ضعيفة وباطلة وموضوعة؛ وسنبينها أدناه:
- ضعيف — لفظه: سورة يس تدعى في التوراة الحديث.
- إسناده ضعيف — لفظه: من قرأ سورة يس في ليلة الجمعة غفر له.
- ضعيف — لفظه: دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعدد من فيها حسنات.
- ضعيف — لفظه: من قرأ سورة يس في ليلة أصبح مغفورا له . ومن قرأ الدخان ليلة الجمعة أصبح مغفورا له.
- منكر — لفظه: سورة ﴿يس﴾ تدعى في التوراة: المعمة. قيل: وما المعمة؟ قال: تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة، وتكابد عنه بلوى الدنيا، وتدفع عنه أهاويل الآخرة.
- موضوع — لفظه: إن لكل شيء قلبا، وإن قلب القرآن يس، ومن قرأ يس وهو يريد بها الله عز وجل؛ غفر الله له، وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة، وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس؛ نزل بكل حرف من سورة يس عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا ويستغفرون له، ويشهدون غسله، ويشيعون جنازته، ويصلون عليه، ويشهدون دفنه . وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت…
- باطل لا أصل له — لفظه: من سمع سورة ﴿يس﴾ عدلت له عشرين دينارا في سبيل الله، ومن قرأها، عدلت عشرين حجة، ومن كتبها وشربها أدخلت جوفه ألف يقين، وألف نور وألف بركة، وألف رحمة، وألف رزق، ونزعت منه كل غل وداء.
- موضوع — لفظه: ما من ميت يموت، فيقرأ عنده سورة ﴿يس﴾، إلا هون الله عز وجل عليه.
- ضعيف — لفظه: ضع إصبعك السبابة على ضرسك ثم اقرأ آخر يس.
- موضوع — لفظه: من قرأ ﴿يس﴾ مرة فكأنما قرأ القرآن مرتين.
- موضوع — لفظه: من قرأ ﴿يس﴾ مرة فكأنما قرأ القرآن عشر مرات.
- ضعيف — لفظه: من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله؛ غفر له.
- ضعيف — لفظه: قلب القرآن ﴿يس﴾، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة؛ إلا غفر الله له، اقرؤوها على موتاكم.
- لا يصح — لفظه: من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة فقرأ يس غفر له.
- لا يصح — لفظه: ﴿يس} لما قرئت له.
وهكذا هناك الكثير مما قيل في فضل سورة يس وهو غير صحيح وموضوع ولا أصل له ومنكَر.
هديَّة: استمع إلى سورة يس للشيخ ماهر المعيقلي:
البدائِل متوفرة
نعم؛ هناك الكثير من الأحاديث الصحيحة، بل والآيات القرآنية من كتاب الله -عز وجل- التي تُبشر المؤمن بتفريج الهموم والكروب وجلب الرزق وقضاء الحاجة، وغيرها من الفضائِل والأجور والثواب.
والسؤال: لِم نشر مثل هذا ولدينا ما هو صحيح بالفعل؟
فعلينا أن ننهل ما نشاء من الصحيح الموثوق وأن نبتعِد عن المكذوب والضعيف والموضوع؛ وليكُن الدعاء منهجًا لنا في التقرُّب إلى الله -سبحانه- والتضرع له ليعطينا من فضله ويُكرمنا بعظيم عطائه.