نتحدَّث في هذا المقال عن فضل دعاء الوالدين للأبناء [الدعاء للأولاد والبنات]، وهذا أصلٌ عظيمٌ في هدايتهم، فقد علمنا في مقال سابق أن الهادي هو الله وان المهتدي من هداه الله. فعلينا أن نُكْثِر من الدعاء وسؤال الله بصلاح الذرية. فكما سلف؛ مهما من جهدٍ ووقتٍ ومن مالٍ لا نستطيع أن نهدي أولادنا ولا بناتنا، بل ولا أنفسنا. فالله قال ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾.
فقلبُك الذي في صدرك أنت لا تملكه. فلزم أن ندعو الله بصلاح أنفسنا، وصلاح أبنائنا وبناتنا.
فضل دعاء الوالدين للأبناء
قد دلَّت على هذا أدلة عِدَّة من كتاب الله ﷻ ومن سُنَّة رسوله الأمين محمد ﷺ.
فذَكر الله عِباد الرحمن وقولهم ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾. يعنون: يا رب هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ما تقر به أعيننا، ما تستقِر به أعيننا ولا تنظر إلى أولاد أقوام آخرين، ولا إلى نساء قوم آخرين ولا بنات قوم آخرين.
فعلينا بمِثل هذا الدعاء وبنحوه.
وقد قال إبراهيم الخليل -عليه السلام- ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾. وقال -عليه الصلاة والسلام- ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾. وقال -عليه الصلاة والسلام- ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. ونحوه كان زكريا -عليه السلام- يدعو به؛ فلم يدعو بمجرد الولد، إنما دعا بالولد الصَّالح؛ فقال ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا | يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾. وقال ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾.
فأهل الصَّلاح كانوا يسألون الله الهداية لأبنائهم والهداية لبناتهم ولأزواجهم وذرياتهم.
دعاء النبي ﷺ للحسن والحسين
ولما نزل قول الله ﷻ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾؛ دعا رسول الله ﷺ عليًّا وفاطِمة، وحسنًا وحُسينًا، وجللهما بالكِساء قائلا «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهِب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».
وأيضا أقبل الحَسَن إلى رسول الله ﷺ -وفي رواية والحسين كذلك- فقال «اللهم إني أحبهما، فأحِبهما». فيدعو ربه لأحفاده أن يحبهما الله ﷻ.
وهنا أيضًا: أجمل 19 دعاء لأولادي وبناتي بكل خير ورق وبركة ونجاح وتيسير للحال
دعاء النبي ﷺ لأطفال المسلمين
ولا يقتصر دعاء رسولنا ﷺ لمن هم ذريته ولمن هم من أحفاده؛ بل يدعو لعموم أبناء المسلمين. فقد دعا لأسامة بن زيد ولحسن بن علي «اللهم أني أحبهما فأحبهما».
وقالت أم سليم لرسول الله ﷺ: يا رسول الله، خويدمك أنس، ادع الله له. فقال «اللهم أكثر ما له وولده، وبارك له فيما أعطيته».
والنبي عليه الصلاة والسلام ذهب إلى بيت جعفر بن أبي طالب بعد مقتله، ذهب يعزي أسماء بنت عُميس، فوجد أبناءها حولها كالأفراخ، ضِعافا. فقال «ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة!» قالت: العين تسرع إليهم يا رسول الله. قال «ارقيهم». ثم دعا قائلا «اللهم بارك لعبد الله في صَفَقَة يمينه»، دعا لهم وبرَّك عليهم.
النهي عن الدعاء على الأولاد
الدعاء له عظيم الأثر في صلاح الأبناء، وفي صلاح البنات. وفي هذا الصَّدد قد نهى النبي ﷺ عن الدعاء على الأولاد، وعن الدعاء على البنات، وعن الدعاء على الأهل. قال رسول الله ﷺ «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم».
فإيَّاك ثم إياك أن تدعو على ولدك أو أن تدعو على ابنتك؛ بل أدع الله لهما أن يصلحهما الله ﷻ. أدع الله لهما أن يستر عليهما، أدع الله لهما أن يكونا من المحافظين على الصلوات والمؤدين للزكوات والصائمين والصائمات.
أدع الله بكل خير لذريتك ولا تدعو عليهم؛ -فكما أسلفت- قد توافق من الله ساعة فيها يستجاب الدعاء فيُستجاب لك.
إحرص أيها المسلم، واحرصي أيتها المسلمة على الدعاء للأبناء وللبنات، لا الدعاء عليهما.