نُبشِّرُك أخي الحبيب ونزُفّ إليك فضل تربية البنات في الإسلام؛ فإن الله خلق الأرض وعمرها بخلق آدم عليه السلام، وآنس آدم بخلق زوجه من ضلعه، فكانت حواء الشريك في الرحلة والرفيق في الأرض، وتناسلا وتكاثرا وخلق الله من صلب آدم ذرية تعمر الكون، وجعلهم ذكرانا وإناثا، وسبحانه عز وجل لم يفضل ذكرا على أنثى، ولم يحقر شأن الأنثى أو يدني من كرامتها أبدا، ولكن.
بعض القلوب المريضة والعقول القاصرة أبت إلا أن تجعل بين النوعين فرقا فتعلى أحدهما وتدني الآخر، وتتوارث الأجيال هذا الفكر العقيم، فتظلم المرأة وتمارس العنصرية والاضطهاد ضدها بلا منطق ولا مبرر، ومع كل هذا التقدم السريع الخطى لا تزال بعض المجتمعات تنافس في حمقها وعنصريتها عصور الجاهلية، وتبخس الأنثى حقها وتجور عليه.
ولكن ديننا الحنيف عزز المرأة وكرمها، واحترم الأنثى ودعا إلى الإحسان إليها بنتا وأختا وزوجة وأما، وأكرمها كأحسن ما يكون الإكرام، وهنا سوف ينصب حديثنا على فضل تربية الإناث في الإسلام، وكيف أن الله أعد لمن يتولى تربية البنات ويحسن إليهن الفضل العظيم والثواب الجزيل.
يقول عز وجل في سورة الشورى: (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50))، فالذرية الصالحة هبة من الله ورزق لا حيلة فيه، يرزقه العبد بلا حول منه ولا قوة، لو اجتمع الإنس والجن ليمنحوا إنسانا نعمة الذرية لما استطاعوا، وقد يرزق الله الإنسان ذكورا أو إناثا أو يرزقه من النوعين أو يحرمه الذرية جميعا، كله بحكمته وعلمه وإرادته.
لماذا خص الإسلام تربية البنات بالفضل والثواب؟
تربية الأبناء في الإسلام فريضة وواجب لا يقبل التخاذل ولا التواني، غير أن الإسلام خص تربية البنات بالفضل وحسن الثواب، ربما لما يثار من اتهامات بأن تربية البنات عبء أو أنه شيء يدع للحزن أو غيره من دعاوى الجاهلية، وربما لأن تربية البنت على الوجه المطلوب يكفل للمستقبل أما صالحة واعية وقادرة على تربية نشء صالح، فكما قال الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأعراق.
وربما لأن تربية البنات أهم وأكثر مشقة من تربية الأولاد الذكور، ولأن أثر تلك التربية ممتد ومستمر.
فضل تربية البنات في الإسلام
وردت أثار في فضل تربية البنات والإحسان إليهن ومن ذلك ما جاء عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان له ثلاث بنات، فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته، كن له حجابا من النار يوم القيامة. رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
قيل وأن الأجر أيضا يشمل من عكف على تربية اثنتين أو حتى واحدة، فأحسن إليه فهو مأجور بإذن الله.
وفي حديث آخر عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو ـ وضم أصابعه ـ كهاتين في الجنة) رواه مسلم.
وهذا يدل على قرب منزلة الأب أو الأم أو الأخ أو أي شخص يعول البنات ويقوم على مصالحهن ويعمل على خدمتهن، وتربيتهن من منزلة الحبيب –صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وهذا لعمري شرف عظيم وعطاء جزيل.
البنات رزق ونعمة
إن الله حين يرزق الإنسان ببنت أو اثنين فإنما يرزقه من نعم الدنيا الكثير، فالبنات زينة البيوت وركنها الحاني، وهي التي تؤنس الأهل وتقوم على خدمتهم حين يكتمل نموها وتقوى على المسئولية، وتعني بوالديها حين يبلغا من العمر عتيا، فمعظم الشواهد من حولنا تؤكد أن البنات يتمتعن بعاطفة أكبر من الأبناء الذكور وحنان أكثر منهم، فمن كان له بنت أو أكثر فليحسن إليها وليتق الله في تربيتها ويستعين بالله على إكرامها، فحصاد كل ذلك خير في الدنيا والآخرة.