محمد صلى الله عليه وسلم
إن الله فضل بعض الأيام على بعض، وبعض الشهور على بعض، وبعض الأماكن على بعض وكذلك رسل الله وعباده الذين اصطفاهم على خلقه، وخصهم برسالته، فضلهم جميعا على سائر خلقه، وجعل بعضهم فوق بعض درجات وفاضل بينهم بفضله، فهو القائل: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)، وآتى كلًا منهم معجزة واصطفاه بوحيه، ولكن جعل محمد بن عبدالله خاتم النبين وإمام المرسلين، بوأه أفضل مكانة بين الأنبياء، وخصه بخصائص لم يخص به نبي من قبل، وهنا سيدور الحديث عن فضل النبي محمد على سائر الأنبياء وما منحه الله من الخصائص والمزايا.
بما فضل النبي على سائر الأنبياء؟
إن السنة النبوية تضمنت جوابا شافيا وبيانا وافيا عن هذا السؤل، ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُوراً وَمَسْجِداً، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ» ~ أخرجه مسلم.
جوامع الكلم تعبير يعنى القدرة على توصيل معنى عميق واسع بألفاظ قليلة وموجزة، وقد اختلف العلماء في المقصود بقول النبي-صلى الله عليه وسلم- (أعطيت جوامع الكلم)، فمنهم من يرى أن معناه قدرة النبي -صل الله عليه وسلم- على الكلام الموجز في مبناه ولفظه الكثير في معناه ومقاصده، بينما يرى البعض أن المقصود من ذلك هو القرآن الكريم فهو الذي يتسم بإيجاز اللفظ مع سعة وشمول المعنى، والمعنى الأول هو الأقرب.
أما قوله نصرت بالرعب فمعناه ذلك الرعب الذي يسلطه الله على قلوب أعدائه على مسيرة شهر كامل، وحين يقترب منهم يصبح ذلك الرعب في ذروته، فيكون سببا في هزيمتهم وتراجعهم في معاركهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وسبب انتصاره عليهم.
معنى (جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده أمته خصهم الله بجواز الصلاة في أي مكان، وجواز التطهر بالتراب فيما يعرف بالتيمم، وهو رخصة للمسلمين عند افتقاد الماء، ولم يكن هذا جائزا لأي من الأمم السابقة، بل كانوا مقيدين في الصلاة بالمعابد والكنائس، وما يدل على هذا المعنى أيضا حديث رِبْعِىٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ حيث قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ » صحيح مسلم.
أما قوله صل الله عليه وسلم- (ارسلت إلى الناس كافة) فهذا تقرير لحقيقة معروفة وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى الناس كافة بينما أرسل كل نبي قبله لقومه خاصة، وقد أرسل النبي رحمة للعالمين، وشملت كلمة العالمين الثقلين الإنس والجن.
(وختم بي النبيون)، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو ختام النبيين والمرسلين، فلا نبي بعده، حتى قيام الساعة، ونبينا هو سيد الأنبياء وإمامهم، بل هو سيد ولد آدم أجمعين، فهو القائل: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع )، وفي هذا الحديث بيان لبعض ما ميز به النبي عن باقي الخلق وعن سائر الأنبياء، فهو المخصوص بأنه أول من ينشق عنه قبره ويبعث، وأول شافع يشفع لأمته بين يدي الله عز وجل، فكما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكل نبي دعوة وقد ادخر النبي دعوته إلى يوم القيامة.
ومما خص به النبي دون غيره أنه أمان لأمته؛ فقال: “النجوم أَمَنَة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعد، وأنا أَمَنَة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أَمَنَة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون” رواه مسلم.
ومن فضله أيضا أن رزق بمعجزة خالدة وهي معجزة القرآن الكريم، فكل نبي له معجزة انتهت بانتهاء حياته إلا القرآن الكريم فهو الخالد الباقي ببقاء الدنيا.