أعْلَم أنكم توَّاقُون مُتلهّفون للحصول على خطبة اليوم، والتي تحمِل عنوان: فضائل أصحاب رسول الله ﷺ وحقوقهم رضي الله عنهم. نعم، بالفِعْل، لدينا خطبة جمعة مكتوبة كاملة وجاهزة للإلقاء مباشرةً أو الطباعة؛ نتمنَّى أن تنال رضاكم واستحسانكم وإعجابكم، وأن تسوقوها إلى المسلمين في المساجد ومن على المنابِر، آملين أن ينتفع بها الجميع.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله العظيم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
أما بعد؛ فإن أصدق الكلام كلام الله -عز وجل-. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون؛ حدثوا الناس بسيَر الصحابة كي لا يُنسَى الإسلام. فما كان عليه أصحاب رسول الله هو الإسلام المُصفى.
بيان فضل الصحابة -رضي الله عنهم- بالأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة
عباد الله؛ أسلافنا هم أصحاب رسول الله ﷺ. ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه﴾. خير جيلٍ مشى على وجه البسيطة. خير من صَحِب الأنبياء. مثلوا العِزَّة والكرامة التي أرادها الله لهذه الأمة وغيروا وجه التاريخ. أبَرّ الأولياء قلوبا وأعمقهم إيمانا واصدقهم قولا وعملا.
كافيهم في الشَّرف أن الله اختارهم لحمل رسالة الإسلام. وصُحبة نبيه عليه الصلاة والسلام.
النار والعار والشنار والبوار على من شكك في أمانتهم، أو طعن في أفرادهم أو جماعتهم. يقول حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- كما في الصحيحين: لما خرجنا للحديبية، كنا ألفا وأربعمائة رجل، فالتفت إلينا النبي ﷺ، وقال «أنتم اليوم خير أهل الأرض».
اشتروا أنفسهم من الله في عقدٍ أُبرِم في أكرم كتابٍ نزل من السماء. المشتري هو الله. الثمن جنة النعيم، ومرضاة الرب الكريم. أُجري العقد على يد أكرم الرسل -صلى الله عليه وآله وسلم-. وشهد على ذلك أكرم الملائِكة جبريل -عليه السلام-. «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة».
كلا وربي؛ يقول رسول الله ﷺ «ما خالط قلب امرِئ مسلم رهج في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار».
ولا لواعِج الشوق بين حين وآخر تهوي بالقلوب الحية لسماع أخبارهم -رضي الله تعالى عنهم-. ولقد والله صدق هلال بن يسار -كما روى عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق- صدق حين قال: كلما سمعت خبرا عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، زاد حب الإسلام في قلبي.
وكان عبد الله بن المبارك -كما في ترجمته- يقول: حدثوا الناس بسيرة أصحاب رسول الله كي لا يُنسى الإسلام.
وكذلك في تاريخ دمشق لابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، كان كلما التقى بعبد الله بن شداد يقول له: يا أخي حدثني بسير القوم. فكم من حديث أحييت به قلبي. حدثني عن أصحاب رسول الله. حدثني عن نصرتهم للنبي ﷺ يوم غزوة بدر. يوم أن خرج الناس لغير قتال، ويأبى الله إلا أن يكون قتالا. ويمتحن بذلك إيمان الناس. ويقف النبي ﷺ ويحرض ويستشير.
سعد بن معاذ
يكلمه أبو بكر وعمر، ولا يزال يتكلم. يريد جمهور جيشه؛ الأنصار. ففطِن لذلك سعد بن معاذ -رضي الله عنه-. وقف بين الناس، قال: يا رسول الله، كأنك تعرض بنا! والله يا رسول الله لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحِد. والله ما نكره أن نلقى عدونا غدا ونحن معك. وإنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء. وليرينك الله منا ما تقر به عينك. والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾. بل نقول لك: اذهب فقاتل، فإنا معك نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك. يا رسول الله لو سرت بنا إلى البرق من الغماد لسرنا معك واتبعناك، فسر على بركة الله.
فأبرقت أسارير وجهه ﷺ فرحًا بمناصرته.
أسعد بن زرارة
حدثني عن أسعد بن زرارة. أول من أدخل الإسلام إلى المدينة. يقِف -رضي الله عنه- يوم العقبة محفزا الناس، آخذا بيد رسول الله ﷺ. مناديا: يا أيها الناس، أتدرون من ستبايعون غدا؟ أتدرون على ما تبايعون محمدا؟ تبايعونه على أن تحاربوا أهل الأرض قاطبة. تحاربون العجم والعرب والجن والإنس مجلبة. فاسمعوني قولا.
فنادى الأنصار: ابشر، نحن أنصار الله وأنصار رسوله. نحن سِلم لمن سلم رسول الله، حربٌ لمن حارب لا يتخلف منا أحد.
فاستنار وجه النبي ﷺ واستبشر.
عقبة بن عامر
من أول المسلمين من الأنصار. بدريٌّ، أُحديٌّ، شهد الخندق والحديبية وسائر المشاهد، وكان يحمل لواء بني سلمة.
يقاتل جنبا إلى جنب مع النبي ﷺ، ويثبت حين يولي الناس. كان يقول: والله لا أفر حتى تفر حجارة الأرض.
عُمَير بن الحُمام
حدثني عن عن عُمَير بن الحُمام. قوم لا تشغلهم تمرات يلوكونها في سوح الجهاد، طمعًا في جنة عرضها السماوات والأرض.
يقول: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة.
عبد الله بن عمرو بن حرام
حدثني عن عبد الله بن عمرو بن حرام. وقع شهيدًا -رضي الله عنه- في غزوة أحد. لا يضره ما فاته من الدنيا. يحامي في يومه ذاك عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-. ويحمل لواء التوحيد.
يقول لولده جابر: يا جابر، إني أرجو أن أكون اليوم أول من يصاب في سبيل الله. فإنني مشتاقٌ للقاء ربي.. فكان أول قتيل سقط يوم أحد، في ذلك اليوم العظيم.
تمُر به أخته فاطمة بنت عمرو؛ تبكيه. فيقول ﷺ «تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه»، والحديث في صحيح البخاري ومسلم.
ويحملونه للدفن؛ فيقول ﷺ «ادفنوا عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبرٍ واحد… ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا، في قبر واحد… زملوهم بجراحهم، فإني أنا الشهيد عليهم».
يقول ابنه جابر: كفّناه في نمرةٍ فوق جراحه. ودفناه مع عمرو لما كان بينهما من الصفاء. وكان قبرهما مما يلي السيل. فلما جرت العين من السيل بعد خمسة وأربعين عامًا، مال السيل حتى دخل على القبور. فصرخ الصارخ: أدركوا قتلاكم من أهل أحد. فانطلقت مع قومي. فوجدت قبر أبي قد انكشف، وجُرحه الذي أصيب في كتفه يوم أحد قد بأن؛. والله ما أكلت الأرض من جسد أبي شيئا. وكان طريا يتثنى. فحملناه وحولناه إلى مقابر البدريين.
عبد الله بن رواح
يعيش تحت ظلال السيوف وبريقها. يوم مؤتة ينادي على نفسه: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنه مالي أراك تكرهين الجنة قد طال ما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنه.
يناديه النبي ﷺ قبل أن يخرج. يلتفت عبد الله، فيقول ﷺ: ثبت الله قلبك يا ابن رواح.
تلك المكارم لا قعبان من لبن — شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
أهل القرآن
حدثني عن أهل القرآن من أصحاب رسول الله. سبعون من القراء يقرءون القرآن في الليل والنهار، آناء الليل وأطراف النهار. يتدارسونه فيما بينهم. يحملون الماء إلى المساجد. ويقومون بيوت الله. يحتطبون ويتعبون ويبيعون ويعطون ذلك لفقراء أهل الصفة.
أهل جهاد وبر وإحسان ومعروف، وكذلك أهل القرآن. قتلوا جميعا في يوم واحد على يد اليهود الغادرين.
أرسلهم النبي ﷺ يعلمون قوما القرآن وشرائع الإسلام في بني لحيان. فلقيهم العدو من اليهود، فغدروا بهم وقتلوهم عن بكرتهم. فلما وقع بهم القتل واستحر، قالوا: اللهم بلغ عنا نبيك أنا فرضيت عنا ورضينا عنك.
فجاء الملك بالخبر إلى النبي ﷺ، فبكاهم ودعا لهم ودعا على قاتلهم.
وعبد الله بن مسعود يقول: من شاء شاء أن يشهد لقوم أنهم من أهل الجنة فليشهد لهؤلاء.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أبو طلحة زيد بن سهل
أسد من أسود الله. يحبه النبي ﷺ جدًا. كان يقول: لصوت أبي طلحة في الجيش عندي خير من ألف رجل.
يوم حنين سمع الرسول ﷺ وهو يقول «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه». قتل عشرين رجلا في ذلك اليوم وحده. وجاء بأسلابهم.
أنا أبو طلحة واسمي زيد — وكلّ يوم في سلاحي صيد
عاصم بن ثابت
عاصم بن ثابت بن قيس أبي محمد البدري. شهد أحدًا وثبت حين ولى الناس. وبايع رسول الله على الموت. وكان من الرماة. قتل مسافع بن الحارث الذي كان يحمل لواء المشركين، فأسقط اللواء. نذرت أمه -واسمها سلافة بنت سعد- نذرت أن تشرب الخمر في قحف رأس عاصم. ونذرت مائة بعير وأكثر لمن جاء برأسه.
فخرج -رضي الله عنه- بعد مدة مع جماعة القراء إلى بني لحيان، فحاصرهم اليهود، وغدروا بهم. اليهود قالوا: استأسروا لنا، فإنا لا نريد قتلكم، نريد بيعكم نصيب منكم ثمنا. فقال عاصم: كلا والله، لا نستأسِر، ولا نرضى جوار مشرِك. وكان قد نذر على نفسه وجعل لله عليه أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك. فقاتلهم -رضي الله عنه- حتى فنيت نبله، وطاعنهم حتى كُسر رمحه، ونزلهم بالسيف فلما ضعف وخشي أن يموت؛ قال: يا رب إني حميت دينك أول النهار، فاحم لي لحمي آخر النهار.
ضعف ووقع وأُشرِعت فيه الأسنة، ووقع شهيدًا -رضي الله عنه-.
وكان المشركون يجردون الموتى، فجاءوا يجردونه ويحتزون رأسه، فجاء الدبر -جماعة النحل والزنابير- فحال بينه وبينهم. والله ما استطاعوا أن يصلوا إليه. فتركوه، وقال قائلهم: إلى الليل يتفرق الدبر عنه. فلما جاء الليل أرسل الله سيلا وديّا، لا يدرون من أين جاء، فأخذه؛ لا يعرفون أين ذهب به؛ وأبَرّ الله قسمه، ولا يعرف أحد إلى هذه الساعة أين ذهب. إنما هو عند الله.
عبد الله بن جحش
بدريٌّ، أُحديٌّ، شهد الخندق والحديبية، واستشهد في أحد. هذا رجلٌ أخلصه الله بخالصة ذكرى الدار.
يقول سعد بن أبي وقاص: قبل غزاة أحد بيوم، قال لي عبد الله بن جحش: تعال ندعو الله قبل القتال. فقلت: اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا حرده، شديدا بأسه، أقاتله فيك فقتله وآخذ سلبه.
فقال عبد الله بن جحش: رجلا شديدا حرده، شديدا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني. ثم يأخذني، فيقتلني. ثم يبقر بطني ويجدع أنفي، ويفقأ عيني ويقطع أذني، فألقاك يا رب بهذه الصورة. فقلت لي: لِم فُعِل بك ذلك؟ فأقول: فيك يا رب، في نصرة دينك. فتقول لي: صدقت، اذهب وادخل له.
قال سعد -وهو يبكي-: وكانت دعوة أخي خيرا من دعوتي. لقيته بعد أحد. قتل جماعة وقتلوه، وبقروا بطنه. وإن أنفه وأذناه لمعلقتان فوق رأسه.
محمد بن مسلمة
والله إنها المفاخر حقًا. يقف بين أولاده، يقول لهم: سلوني عن غزوات رسول الله، وعن سراياه، وعن وقائعه. والله ما غاب عني منها شيء؛ إلا غزاة تبوك، استخلفني النبي ﷺ في المدينة، واستعملني على قوم.
سعد بن معاذ
خرج -رضي الله عنه- في نصرة الله ورسوله يوم الأحزاب. تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كما روى الإمام أحمد، وهذا الخبر أكثره في الصحيحين. تقول: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس. فسمعت وئيد الأرض من ورائي -يعني: حسها- فالتفت، فإذا سعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس. وعلى سعد درع من حديد، قد خرجت منها أطرافه. وكان جسيما، من أعظم الناس وأطولهم. فلما رأيتهم جلست إلى الأرض -وهذا من حيائها رضي الله عنها-. قالت: فمر بي سعد وهو يرتجز -أي: ينشد-:
لبث قليلا يدرك الهيجا حمل — ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت: وطلحة بن عبيد الله يقول: واين الفرار إلا إلى الله -عز وجل-.
فمضوا للقتال. فرمى سعدا رجل من المشركين اسمه ابن العرقة. رماه بسهم فوقع في أكحله. فأصاب عرق الحياة في ذراعه. وقال: خذها مني وأنا ابن العرقة. اسمه حبان بن عبد مناف -لعنه الله-، وكنية ابن العرقة لأمه..
فأصابت أكحله، فصاح سعد بن معاذ، وقال: عرَّق الله وجهك في نار جهنم.
ثم جاء الله -عز وجل-بالريح، وهزم المشركين، ورد كيدهم؛ ونصر جنده وكان الله قويا عزيزا.
وتفرقت قريش، ورجعت قريظة إلى صياصيها. ورجع النبي ﷺ إلى المدينة. وضرب قبة في المسجد لسعد بن معاذ وجعل يتعاهده؛ يسأل عن جرحه.
وبعدها؛ فقال سعد -وكان مستجاب الدعوة-: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من بني قريظة. فرقى الدم من ساعته. فمكث في قبته. فجاء جبريل وعليه النقع. فقال: يا محمد أوضعتم سلاحكم؟ والله ما وضعنا سلاحنا بعد. إن الله يأمرك أن تأتي قريظة فتقاتلهم في ديارهم. فلبس ﷺ لأمة الحرب، وأذَّن في الجهاد. فخرج الناس مع النبي ﷺ. فحاصروا قريظة خمسا وعشرين ليلة. فلما أُسقط في أيديهم، استشاروا، ثم قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ.
فأرسل ﷺ لسعد بن معاذ. فجيء به محمولا، فقال: «احكم». فقال: يا رسول الله إني أخشى ألا أصيب أمر الله. قال «احكم فيهم». فقال: إذًا احكم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن تقسم أموالهم. فقال ﷺ «والذي نفسي بيده. لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله».
حينها رفع سعد يديه وقال: اللهم إن أبقيت على رسولك قتالا لقريش فأبقني. وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك.
مشتاق للقاء ربه، ويرجو الشهادة..
فانفجر دمه بعد أن كان جرحه يكاد يشفى. فقام ﷺ فضمّه، فقال ﷺ «اللهم أن سعدا أنجز ما وعد. فأنجزه ما وعدت. لقد صدق رسولك، وجاهد في سبيلك وقضى الذي عليه. اللهم فتقبل روحه بخير ما تقبلت روحا».
وسعد يبكي ويقول: يا رسول الله، أشهد أنك لرسول من عند الله.
ثم حملوه إلى دار امرأة اسمها رفيدة، يداوى عندها الجرحى. فلما ثقل حملوه إلى ديار قومه. فنام النبي ﷺ تلك الليلة؛ فكان عند الفجر يدعو الله، فجاءه ملك. فقال: يا محمد، قبض الليلة من أمتك رجل استبشرت به ملائكة السماء، وفُتِّحَت له أبواب السماء.
عقيدة أهل السنة والجماعة تجاههم
ومن أصول أهل السُّنَّة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ووالله إن هذا من أشَدّ الأصول.
سلامة قلوبهم وألسنتهم؛ فلا غِل ولا حِقد ولا كراهة ولا بغضا لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. بل قلوبهم مملوءة من محبة الصحابة وإجلالهم وإعظامهم.
كذلك سلامة ألسنتهم؛ فسلامة اللسان تعني ترك القدح في الصحابة، لا يقدحون بأحدٍ من الصحابة. ومن من الصحابة وقع منه ذلَّة يعتذروا عنه، وقالوا إن ذلت هذه محفوفة بصوابٍ كثير، ومنغمرة في جنب محاسنه.
هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة تجاههم؛ لا يحملون الحِقد لأحدٍ من الصحابة أبدًا، ولا الكراهة، ولا البغضاء، ولا يسبونهم. بل يعتذرون عنهم فيما وقع منهم من مخالفة؛ ويقولون: ما وقع منهم من مخالفات فهو مغمور بجانب الحسنات.
كما وصفهم الله -تعالى- في قوله ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
هذه الآية جاءت بعد ذِكر الفيء، ما ورد فيما يليها ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا…﴾ أي: لا يجدون في صدورهم حسدًا للمهاجرين ومما آتاهم الله من الفضل.
حقوق الصحابة -رضي الله عنهم- ومن ذلك محبتهم والدعاء لهم والترضي عنهم
كيف لا وقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على الصحابة -رضوان الله عليهم- فقال ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾.
أثنى الله -تبارك وتعالى- عليهم بقوله ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾.
وقد أثنى عليهم -سبحانه وتعالى- بقوله -في سورة التوبة– ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾.
ترضّى الله -عز وجل- مطلقا على أصحاب محمد ﷺ، وجعل الرضا على من جاء بعدهم أن اتبع الصحابة -رضوان الله عليهم- بإحسان.
أفضل أصحاب الأنبياء هم أصحاب محمد ﷺ. والله -تبارك وتعالى- نظر إلى أهل الأرض، عربهم وعجمهم؛ ونظر إلى قلوب أصحاب محمد ﷺ فاصطفاهُم من بين الناس، وجعلهم صحابة لرسول الله ﷺ.
في الصحيحين قال ﷺ «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». فأفضل الناس هم الذين كانوا مع رسول الله ﷺ. وأفضل الناس هم الذين جعلهم الله -تبارك وتعالى- من أنصار النبي ﷺ.
أفضلهم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم من أسلم بعد ذلك ممن رأى رسول الله ﷺ. فهم خيارٌ من خيارٍ.
لذلك كان القليل من عمل الصحابة رضوان الله عليهم. لا يداليه شيءٌ عند الله -تعالى-. قال ﷺ «لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
لو أنفق الواحد مِمّن جاء بعد أصحاب رسول الله ﷺ مثل جبل أحد ذهبا -وهذا لا يعرف على مر التاريخ أن أحدا قد أنفق مثل ذلك- وأنفق الواحد من أصحاب النبي ﷺ مدا أو نصف مد؛ فما أنفقه الصحابي خير وأفضل وأجَلّ وأكمل عند الله -عز وجل- ممن أنفق مثل أحد ذهبا ممن جاء بعد الصحابة رضوان الله عليهم.
فالقوم قد رضي الله -تبارك وتعالى- عنهم، وقربهم، وأدناهم، وجعلهم أنصارًا لخير دين. والوقيعة في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم الذنوب، والوقيعة في الصحابة رضوان الله عليهم من كبائر الذنوب. بل من وقع في الصحابة كلهم هو متهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. شاء أم أبى.
إن الروافض شر من وطئ الحصى — من كل إنس ناطق أو جان
مدحوا النبي وخونوا أصحابه — ورموهم بالظلم والعدوان
حبوا قرابته وسبوا صحبه — جدلان عند الله منتقضان
شر الخليقة من تجرأ على الصحابة -رضوان الله عليهم- بانتقاصٍ أو سَبّ أو سلبٍ. فالقوم مكانهم علي، والقوم مكانهم كبير عند الله -عز وجل-.
فاللسان ينبغي أن يلهج بذكر فضائلهم.
والصحابة رضوان الله عليهم كلهم في الجنة. لذلك، إذا وقع من الصحابة أمرٌ ووقع منهم شيءٌ يعتبره الناس نقص، فالسنة أن يكف عما شجر بينهم. ولا يقع المسلم في الصحابة بسوءٍ.
وكذلك من حقوق الصحابة -رضي الله عنهم- المحبة والدعاء لهم والترضي عنهم، والذَّب عن أعراضهم وسيرهم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وقد أثنى عليهم رسول الله ﷺ. فهؤلاء القوم هُم خيرة الخلائق أجمعين.
قل إن خير الأنبياء محمد — وأجل من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد — وكذاك أفضل صحبه العمران
بيان أهمية الاطلاع على سيرهم والسير على منهجهم -رضي الله عنهم-
إن من أجَلّ العبادات التي ينبغي أن ينشغل بها المسلم، أن يعرف قدر أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فقد أثنى الله -تبارك وتعالى- عليهم في كتابه. وأثنى عليهم رسول الله ﷺ. وهم من نقل إلينا هذا الدين.
ففضائلهم لابد من معرفتها، حتى يطمئن المسلم لهذا الدين الذي تعبَّد لله -تبارك وتعالى- به. وحتى يكون المسلم على بينة من أمره. إذا تعرَّض أصحاب النبي ﷺ لسبٍّ أو انتقاص لواحد منهم أو لجميعهم.
لذلك كان الانشغال بمعرفة فضائل أصحاب رسول الله ﷺ من العبادات العظيمة. والسلف رحمة الله عليهم قد انشغلوا بهذا الباب. فتجد الواحد منهم يشتغل بمعرفة فضل الصحابة -رضوان الله عليهم-.
فقد صُنفت المصنفات في فضائل الصحابة -رضوان الله عليهم-، وسارت الركبان بذكر فضائلهم.
هم خِرَة الخلق؛ لذلك، معرفة ما لهم من الفضل، ومعرفة ما لهم من المكانة، ومعرفة ما لهم من الثناء؛ من العبادات العظيمة المقربة إلى الله -تبارك وتعالى-.