زواج الفريند أو زواج الأصدقاء فكرة أطلقها أحد رجال الدين العرب على الإنترنت في موقع إسلامي شهير يزوره يوميا آلاف الشباب من كافة بلدان العالم في محاولة للتغلب على مشكلة الزواج العرفي الذي ينتشر بين الشباب في ظل أزمات البطالة وعدم توافر المسكن اللازم لقيام أسرة جديدة ويتلخص المشروع في قبول الأسر بمبدأ زواج الأبناء في أثناء الدراسة بعقد زواج شرعي على أن يظل الشاب والفتاة في بيت أسرته ويسمح لهما بالخلوة الشرعية لحين إنتهاء الدراسة والعثور على عمل وتأثيث عش الزوجية!
وقد لاقت هذه الفتوى ردود فعل كبيرة بين الشباب وأولياء الأمور وأيضا رجال الدين في مصر.
فكيف يرون هذا الزواج؟ وهل يمكن أن يكون أساسا لتكوين أسرة على أسس سليمة؟
ترجع قصة هذا الزواج إلى الشيخ عبدالحميد الزنداني رجل الدين اليمني الذي أقتبس إسم زواج الفريند من تعبير البوي فريند والجيرل فريند تلك العلاقة التي تربط بين الشباب والفتيات في الغرب، فحاول إيجاد فكرة وسط تفي بالإلتزام الديني في الشرق، وتتمتع بالتحرر الموجود في الغرب، ويري أن زواج الفريند هو مدخل الحل الواقعي الذي يجب أن يقبله الآباء والأمهات لكي يرتبط أبناؤهم وبناتهم وهم في الجامعة بعقد زواج شرعي على أن يظل الشاب والفتاة في بيوت أسرهم، ويسمح لهم بالخلوة الشرعية فيها بطريقة منتظمة، ويشترط في العقد عدم الإنجاب إلا بعد فترة أدناها فترة الدراسة، وأقصاها يتفق عليها الطرفان حسب الظروف
ويضيف الشيخ الزنداني أن الهدف من هذا الزواج هو أنه يتعلم الشباب تحمل مسئولية أنفسهم، وأن يجتهد الشاب في العمل المبكر لكي يتم زواجه بسرعة وتجتهد الفتاة لتقلل من مطالبها وترضي بشقة صغيرة بأثاث بسيط، ويقبل المجتمع هذه الصورة، وينهض بمسئولياته فتتشكل جمعيات ومؤسسات لتوجيه الشباب وتفهم طبيعة الحياة الزوجية، وعلي رجال الأعمال مساعدة الشباب وإنشاء صندوق تمويلي من زكاة المال للإسراع بمساعدة الشباب.
هذه هي الفكرة التي تم طرحها لمواجهة إنتشار الزواج العرفي والذي تؤكده الدراسات العلمية، ففي دراسة أعدها مركز الإستشارات النفسية والإجتماعية بالأسكندرية على عينه من 500 طالب وطالبة في إحدي الكليات، كانت النتيجة وجود20 حالة زواج عرفي بين هؤلاء الطلبة وتفسير ذلك هو أن الطلبة والطالبات ينتمون لأسر مفككة لاتعيش في مناخ دافيء يشجعها على الإلتزام والإستقرار، فهؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم في أسر تفتقد إلى الحنان والحب والرعاية والدفء والتوجيه فحاول كل منهم أن يوجد لنفسه بديلا يجد عنده الإهتمام والرعاية والحب وغيرها من المتطلبات التي أفتقدها في أسرته ووجدها في الزواج العرفي.
ولكن ما هو رأي الشباب؟
يقول أحمد سعيد أحمد حامد (طالب بمعهد سياحة وفنادق): زواج الفريند لايصلح أن يكون زواجا بالمعني المتداول والمعروف، ومن غير المقبول أن أتزوج وأنا طالب أحصل على مصروفي من أسرتي، فهذه فكرة غير مقبولة من الوجهة الدينية وأيضا على الجانب الإجتماعي.
ويتفق معه في الرأي محمود سيد محمود [خريج الجامعة العمالية] فيقول: إذا جمعتني مع زميلة لي قصة حب فإنني سوف أخطبها فقط وأؤجل الزواج إلى مابعد التخرج والعثور على عمل فزواج الطالب وضع غير طبيعي بهذه الصورة إذ كيف أتزوج وأعيش في بيت أهلي، وزوجتي في بيت أهلها
وبعيدا عن رفض الأسرة لهذه الفكرة فإن المجتمع لن يقبل هذا الوضع لأن هناك تقاليد متعارفا عليها منذ سنوات بعيدة غير قابلة للتغيير أو التعديل، فالطالب له دوره ولن ينجح في أي دور آخر سواه!
ويري أحمد زكي جميل (طالب بالفرقة الأولي بكلية التجارة جامعة الأزهر) خطأ هذا المشروع ويقول: مابني على خطأ فهو خطأ، ويجب أن ننظر إلى الأعراف الإجتماعية بعين الإعتبار ولا نعالج مشكلة بمشكلة أكبر، فالشكل العام لزواج الفريند سييء، لأن الزواج أهم مسألة في حياة الشاب أو الفتاة فكيف يمكن معالجتها بهذا الشكل غير المنطقي كما أن زواج الطالب يربكه ولايساعده على مواصلة تحقيق طموحه.. ثم وكيف تعتمد عليه زوجته وهو مازال يأخذ مصروف جيبه من أسرته ويعتمد على أهله في جميع شئون حياته!.
وتقول فاطمة سعيد (طالبة بالفرقة الأولي بكلية الآداب جامعة عين شمس قسم اللغة الإنجليزية): زواج الفريند غير مقبول دينيا لأن الفتاة الزوجة لها حقوق لا يكفلها هذا العقد، ومن الوجهة الإجتماعية ترفض أغلب الأسر المصرية التي تريد أن تطمأن على بناتها مثل هذا الزواج.
رأي رجال الدين
يقول الشيخ على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوي السابق بالأزهر الشريف هذه الفكرة هي الحل الأمثل لمشكلات9 ملايين شاب وفتاة وصلوا لسن الثلاثين ولم يتزوجوا في مصر، بسبب البطالة وإرتفاع نفقات الزواج، ومادام هناك عقد زواج صحيح وشهود وولي وتم الإعلان عنه فما المانع أن يكون كل منهما في بيت أسرته.. أليس في ذلك حل لمشكلة الصداقات وانحراف الشباب والزواج العرفي، وهل إذا تنازلت الزوجة عن حق السكن فهل يعني ذلك أن الزواج باطل؟!
ويرفض الدكتور نصر فريد واصل [مفتي مصر السابق] هذه الفكرة ويقول: شرع الله الزواج ليكون رباطا وثيقا بين الرجل والمرأة يقوم على المودة والرحمة ويراد به الدوام والاستمرار.
ومن مقاصد الزواج الأساسية السكن والمودة بين الزوجين فإذا لم تتحقق هذه المقاصد فقد الزواج قيمته الأساسية، وأصبح مجرد شهوة يتساوي فيها الإنسان والحيوان، فالشريعة الإسلامية إذن كاملة ومتكاملة في أوامرها وأحكامها، فلا يصح أن يؤخذ من هذه الأحكام الشرعية جانب ويترك آخر وليس فيها استثناء حيث جاءت صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، وقد نظمت الشريعة الإسلامية العلاقة الزوجية نظاما دقيقا، فبينت ما يجب على كل منهما نحو الآخر، فالمرأة متي تزوجت أصبحت شريكة لزوجها في الحياة وصار لزوجها عليها حقوق يجب أن تؤديها ولا تقصر فيها وإلا كانت آثمة ومسئولة عنها شرعا أمام الله، والزواج بهذه الطريقة لا يحقق المقاصد الشرعية من الزواج أو يؤدي إلى الإفساد ومخالفة الشرع وكثير من المفاسد الاجتماعية والأخلاقية.
وتقول الدكتورة سعاد صالح (أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر): لا يوجد في الإسلام ما يسمي بزواج موصوف بصفة خاصة وإنما ورد لفظ الزواج في القرآن الكريم والسنة النبوية غير مقيد بأي صفة، وقد أهتم الإسلام بعقد الزواج أكثر من اهتمامه بأي عقد آخر لأنه أقرب إلى العبادة منه إلى العادة.
وما يطلق عليه زواج الأصدقاء هنا مع وقف آثار الزواج من الانجاب والنفقة والسكن يتعارض مع المقصد الأصلي للزواج وهو بقاء النسل والمحافظة على النفس، ويتعارض مع التشريع الإلهي لعقد الزواج، ويعرض هذا الميثاق للإمتهان والأستهتار وهذه الصور الخاصة بالزواج المستحدثة تشبه نكاح المتعة الذي نهي عنه الرسول ﷺ: حيث لا يوجد فيه مودة ورحمة، وعقد الزواج مفترض فيه الاستمرارية والاستقرار.
رأي علم الاجتماع
تقول الدكتورة هدي زكريا (أستاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة الزقازيق): يحاول صاحب الفتوي أن يجتهد لحل مشاكل الشباب في الزواج بالسماح بعلاقة زوجية مشروعة، أي يحاول تقنين ظاهرة منتشرة في الغرب فيما يخص علاقات الشباب والفتيات وينقلها للشرق، ولأن الغرب يبيح هذه العلاقات ويساندها حتى لو نتج عنها أطفال بينما في الشرق يتم رفضها فإنه يحاول اضفاء صفة الشرعية عليها، وفي هذا تسرب لأفكار تتسم بالتحرر والتساهل والتخلي عن المساءلة الاجتماعية.
لقد حاول أن يرضي جميع الأطراف ومواجهة ظروف الشباب الاقتصادية الصعبة ومشاكلهم بزواج مشروط دون انحلال.. هذا هو ما نراه.
لكن من حق رجال الدين الإنزعاج لأن شرط اقامة أسرة غير موجود فلا وجود للمسكن والموجود هو الخلوة فقط والتي تعني التزاوج كالحيوانات فالمقصود بالمسكن الخصوصية والمودة والرحمة والزواج بهذه الطريقة يفتقد هذا الجانب بالإضافة لعدم وجود الدافع الذي سيحفز الشاب على الانتاج والتفوق.
بإختصار هنا عقد تزاوج وليس زواج دون وجود واجبات الزواج، ثم أن الزواج يفرض علاقات وأدوارا اجتماعية وهي أدوار يساندها المجتمع ويساعد على استقرارها لكنها ستختفي ولن يكون هناك دور لزوج أو زوجة بالمعني الكامل من واجبات ومسئوليات وصلاحيات، وسوف يحدث ارتباك اجتماعي ينجم عن عدم تأدية هذه الأدوار التي أتفق المجتمع عليها منذ زمن بعيد.
الفكرة إذن هي محاولة تعميم مفهوم الفريند الشرعي وهذا غير مقبول دينيا واجتماعيا لأن الزواج مشروع أو نظام اجتماعي محترم وقوي ينتج عنه استمرارية المجتمع واعادة انتاج نفسه، والمفروض أن نبسط الأشياء المعقدة ولا نعقد الأشياء البسيطة بمعني أنه بدلا من ابتكار صور مستحدثة للزواج بأن نضع التيسيرات أمام الشباب إلى أقصي مدي لإتاحة الفرصة أمامهم لزواج طبيعي وعدم المبالغة في الشروط والطلبات.
وليس مقبولا من بعض الأسر أن تبالغ في مطالبها وتحاول تعجيز الشباب، كما أنه مطلوب من مؤسسات المجتمع أن تبتكر مشروعات للشباب وتوفر فرص عمل ومساكن في متناول امكاناتهم، وأقصد هنا الجمعيات والهيئات الرسمية والشعبية في المجتمع.