ولا نزال نسعى لتوفير فتاوى دينية إسلامية هامة ومفيدة لكل مسلم في دينه ودنياه وآخرته. هذه الأسئلة اتي قام بالرَّد عليها فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي -رحمة الله عليه- في لقاءاته المتعددة التي أجاب من خلالها على هذه الأسئلة والفتاوى.
والله نسأل أن تعم الفائدة والتفقّه في الدين بهذه المعلومات الإسلامية الرائِعة.
النبي الأمي
السؤال: نعرف أن النبي ﷺ كان أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فلماذا هذا الوضع؟ وكيف كان يرسل كتاباته في مجال نشر الدعوة الإسلامية؟
الجواب: لقد وصف الله ﷻ رسوله الكريم محمدا ﷺ بقوله ﷻ: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) … (من الآية 157 من سورة الأعراف) وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أن من صفات النبي ﷺ أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب ولم يجلس إلى معلم ولا أخذ علما عن أحد، ولكن الله ﷻ أوحي إليه القرآن الكريم عن طريق جبريل- عليه السلام- وأفاض عليه من لدنه علوما نافعة ومبادئ توضح له ما أنزله عليه من القرآن فسبق بذلك الفلاسفة والمشرعين والمؤرخين وأرباب العلوم الكونية والطبيعية.
فأميته مع هذه العلوم التي يصلح عليها أمر الدنيا والآخرة أوضح دليل على أن ما يقوله إنما هو بوحي من الله إليه. قال ﷻ: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)… (الآية 48 من سورة العنكبوت) والمعنى إنك ما كنت أيها الرسول في يوم من الأيام قبل أن ننزل عليك هذا القرآن تاليا لكتاب من الكتب ولا عارفا بالكتابة… ولو كنت ممن يعرف القراءة والكتابة لارتاب المبطلون في شأنك ولقالوا إنك نقلت هذا القرآن بخطك من كتب السابقين.
كما قال ﷻ في الآية 52 من سورة الشورى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا). والمعنى إننا -مثلما أوحينا إلى غيرك من الرسل السابقين- أوحينا إليك أيها الرسول الكريم هذا القرآن الذي هو بمنزلة الأرواح للأجساد، وقد أوحيناه إليك بأمرنا وأنت أيها الرسول الكريم ما كنت تعرف أو تدرك حقيقة هذا الكتاب وما كنت تدري أو تعرف بتفاصيل وشرائع وأحكام هذا الدين الذي أوحيناه إليك بعد النبوة. والمأخوذ من روح هذه الآيات ومن سيرته ﷺ أنه بعث أميا لا يقرأ ولا يكتب وظل هكذا إلى أن لحق بالرفيق الأعلى، ولم يكن هذا نقصا فيه أو عيبا وإنما كان ذلك سر عظمته وعظمة رسالته، وكان يرسل كتبه ورسائله إلى الملوك والأمراء بواسطة كتاب ومترجمين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
هل تجب الزكاة على هذا المبلغ؟
السؤال: أنا شاب أقوم بادخار مبلغ معين لتكاليف الزواج، وهو ينقص عندما أسحب منه ويزيد عندما أضيف إليه… فهل تجب الزكاة على مثل هذا المبلغ؟
الجواب: يقول الله ﷻ: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، ويقول رسول الله ﷺ: بني الإسلام على خمس… وعد منها إيتاء الزكاة من هذا يتبين أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وإنها مفروضة على كل مسلم ومسلمة يملك مالا لأنها حق للفقير في مال الغني لقوله ﷻ: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم.
وقد وضع الفقهاء شروطا لوجوب الزكاة في مال الأغنياء، وهي:
- أن يكون المال قد بلغ النصاب الشرعي وهو ما يعادل قيمة 85 جراما من الذهب عيار 21 فما فوق حسب سعر الجرام وقت إخراج الزكاة.
- أن يمر حول كامل (سنة هجرية كاملة) والعبرة بوقت إخراج الزكاة، أي جملة المبلغ المدخر عند نهاية العام بصرف النظر عما سحب أو أضيف إليه أثناء العام.
- أن يكون هذا المال خاليا من الديون.
- أن يكون فائضا عن حاجة المزكي الأصلية وحاجة من يعول. فإذا تحققت هذه الشروط وجب إخراج الزكاة بواقع ربع العشر.
وعلي ذلك فقد وجب إخراج الزكاة على هذا المبلغ، وليعلم السائل أن الزكاة ما هي إلا نماء للمال لقوله ﷺ: ما نقص مال من صدقة.
هل تجوز هذه الوصية وهذه الهبة؟
السؤال: سيدة ليس لها زوج ولا أولاد ولها شقيقتان على قيد الحياة وأبناء أخ ذكورا وإناثا وأولاد أخت. هذه السيدة وهبت في حياتها مبلغا من المال وكذلك قطعة أرض مبني عليها منزل لابنة أختها لأن بنت أختها هذه كانت تبرها في حياتها… وقد كتبت عقد شراء قطعة أرض المنزل باسم ابنة الأخت، فهل يجوز لابنة الأخت الحصول على هذا المال في حياة هذه السيدة وكذلك المنزل- عن طريق الهبة أو عن طريق الوصية بعد وفاة هذه السيدة؟ أم تحصل على ثلث المال وثلث المنزل فقط؟
الجواب: إذا كان الحال كما ورد بالسؤال، فإن ما كتبته هذه السيدة لابنة أختها- إن كانت الكتابة بيعا وشراء أو هبة- كانت الكتابة صحيحة إذا توافرت شروط البيع الشرعية من الإيجاب والقبول والثمن وقبض الشيء المبيع، وكان المبيع معلوما ومحددا وليس مشاعا لأن البيع أو الهبة لا تتم إلا بالقبض والتحديد النافي للجهالة. فإذا ما توافرت هذه الشروط الشرعية كان من حق المبيع لها أو الموهوب لها الحصول على القدر المبيع أو الموهوب حال حياة البائعة أو الواهبة، أما لو كان هذا التصرف من تلك السيدة عن طريق الوصية، فإن الوصية تجوز للوارث ولغير الوارث وتنفذ في حدود الثلث دون إجازة الورثة، ولا تنفذ فيما زاد على الثلث إلا إذا أجازها الورثة وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه والوصية كما هو مقرر شرعا عبارة عن تمليك مضاف إلى ما بعد الموت.
هل سفر الطائرة يبيح الإفطار؟
السؤال: هل السفر بالطائرة أو السفينة أو العربة -برغم أنه مريح- يجيز الإفطار في رمضان؟
الجواب: المشقة والتعب من لوازم السفر سواء أكان بالعربة أو القطار أو الطائرة أو السفينة أو أية وسيلة أخرى حديثة، وما دام السفر لمسافة تقصر فيها الصلاة (لا تقل عن 81 كيلو مترا) فإن الفطر جائز حتى ولو لم تكن هناك مشقة أو تعب شديد، لأن العلة في رخصة الإفطار هي السفر وليست المشقة.
وعلي كل حال، فللمسافر أن يواصل صومه أو يترخص ويفطر، فعن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل على جناح؟ فقال رسول الله ﷺ: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه.
وقد كان أصحاب النبي ﷺ يسافرون معه في رمضان فيفطر بعضهم ويصوم بعضهم دون أي اعتراض من أحد الفريقين على الآخر ودون اعتراض من النبي ﷺ على أي من الفريقين. ولكن إذا تعرض المسافر لمشقة بالغة أو تعب شديد فإنه يجب عليه الفطر، بل ربما يحرم عليه الصيام حسب درجة المشقة وتحمله لها.
هل يجوز السحور في هذا الوقت؟
السؤال: هل يجوز السحور بين وقت الإمساك والفجر؟
الجواب: نعم يجوز السحور بين وقت الإمساك والفجر بشرط أن ينتهي الإنسان من سحوره قبل أذان الفجر حتى لا يدركه الفجر وهو يأكل أو يشرب…
من هي امرأة العزيز؟
السؤال: ما اسم امرأة العزيز التي راودت سيدنا يوسف عن نفسه؟
الجواب: لم يذكر القرآن الكريم اسما لامرأة العزيز، بل جاء ذكرها دائما بهذه الصفة في سورة يوسف، قال الله ﷻ: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ) ~ (من الآية 30) وأيضا: ( قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ ) … (من الآية رقم 51). وجاء في مواضع أخرى إشارات إليها: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ)… (من الآية 22)، وكذلك: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ )… (من الآية 23).
إذن فالقرآن الكريم لم يذكر اسمها قط، ولكن قيل ومن مصادر أخرى: إن اسمها كان زليخا أو راعيل، والله أعلم.
ماذا أفعل في هذا اليوم من رمضان؟
السؤال: في إحدى السنين نمت ولم يكن قد أعلن بعد عن ثبوت هلال رمضان، ولم أكن قد بيت النية على الصيام فأصبحت مفطرا، ثم علمت بعد تناول الإفطار أن اليوم أول أيام رمضان، فماذا أفعل؟ وما حكم هذا اليوم؟
الجواب: إذا كان الحال كما ورد بالسؤال من أن السائل قد نام قبل أن يعلن عن ثبوت هلال رمضان فأصبح مفطرا ثم علم بعد ذلك أن اليوم أول أيام رمضان، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يمسك عن الطعام والشراب بقية اليوم، ثم بعد رمضان يقضي هذا اليوم ولا كفارة عليه لإفطاره من غير قصد ولا عمد لقوله ﷻ: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ~ (الآية 185 من سورة البقرة) وللسائل ثواب نية الصوم لإمساكه عن الطعام والشراب ذلك اليوم حتى يفطر مع الصائمين.
صلاة التراويح بعد وقتها
السؤال: هل يجوز قضاء صلاة التراويح منفردا بعد خروج وقتها؟
الجواب: مما اختص به شهر رمضان عن سائر شهور العام أن جعل الله فيه صلاة التراويح، وقد سنها رسول الله ﷺ. وقد روي أبو هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: كان رسول الله ﷺ يرغب في قيام رمضان فيقول: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وصلاة التراويح يكون أداؤها في جماعة أفضل من صلاتها منفردا، ولكن لا مانع من صلاتها منفردا… وإذا فات وقتها فلا يجب قضاؤها لأنها من النوافل وليست من الفروض.
سلوكيات المسلم في رمضان
السؤال: كيف تكون سلوكيات المسلم في رمضان؟
الجواب: يجب على المسلم أن تكون سلوكياته متناسقة مع الحكمة من صيام رمضان، فيلزم نفسه الطريق المستقيم الذي ينتهي به إلى إرضاء الله ﷻ لينال من الله الثواب العظيم وأن يكون صومه مقبولا. وهنا يلزم المسلم أن يوجه سلوكه إلى فعل الخير والبعد عن الشر، بمعنى أن تكون أقواله وأفعاله تتفق مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية من الأدب والتواضع وحب الخير لكل الناس، والعطف على ذوي الحاجات، وإمساك اللسان عن البذاءات، وغض البصر عن المحرمات، وكف الأذى عن الناس، والإكثار من ذكر الله ﷻ وقراءة القرآن.
وبالجملة فإن سلوكيات المسلم يجب أن تكون تبعا لما جاء به كتاب الله وسنة رسوله الكريم (ﷺ) وذلك اقتداء به لقوله ﷻ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) ~ (الآية 21 من سورة الأحزاب).