يقبل شهر رمضان على المسلمين لينشر البهجة والسعادة ويلقي بظلال الطمأنينة على قلوب الناس في كل أرجاء الدنيا، وتهب نسائمه حاملة معها أمالًا عريضة وأمنيات غاليات توشك أن تتحقق في ظل الرجاء الذي يكتنف القلوب والذي تغرينا به فيض الرحمات والخيرات في شهر الصوم والبركات، هذا ما يحدث للنفوس وما يعتمل في القلوب مع اقتراب حلول رمضان.
أما عن الشوارع والمساجد والطرقات فهي تشكل جزءًا هامًا من ملامح الشهر الكريم، فهي جميعا تتحلى بحلة الألوان والضياء التي تكسو جنباتها وتتلألأ متألقة في جو السماء، وتنتشر الزينة في كل الأركان، وتتضاعف الإضاءة كأن الحياة كلها تستعد لاستقبال ضيفا غاليًا جدًا، عزيز الخطى، كريم الأصل، كل حي وكل ركن يتزين بما يناسب ثقافة ومستو ورفاهية قاطنيه، وتكتمل ملامح تلك اللوحة الفنية المبهرة بــ “فانوس رمضان”، ذلك الشيء المصنوع من مزيج من الحب والبهجة والحفاوة ليعطي الحياة في رمضان صبغتها الخاصة جدًا، ومصريتها المتميزة جدًا.
وهنا سوف نخصص المقال التالي وما يحوي من سطور فقط للحديث عن زينة رمضان وأبرز ما فيها “فانوس رمضان” لنتعرف معًا على قصة ونشأة هذا المنتج الرمضاني العزيز، الذي لا يزال محتفظًا بمكانه على عرش المنتجات الرمضانية، والذي لم يفقد بريقه يوما ما.
فانوس رمضان ابداع مصري أصيل
كنت اعتقد قديمًا أن فانوس رمضان أحد الملامح الرمضانية العامة التي يمكن رؤيتها في أي مكان في العالم خلال شهر رمضان، حتى تبين لي بقراءة تاريخ فكرة فانوس رمضان ونشأته أنه ابداع مصري حصري، وأينما حمل الفانوس حمل معه مصريته وأعلن عن ملامح رمضانية مصرية خالصة.
من أين جاءت فكرة فانوس رمضان؟
فانوس رمضان ليس اختراعًا بالغ القدم، ولكنه ينتمي إلى قرون قريبة العهد بعصرنا هذا، فهو ينتمي إلى العصر الفاطمي، ودولة المعز لدين الله الفاطمي، فقد كان استخدام الفانوس بصورته البدائية جدًا والبسيطة في الصنع مجرد وسيلة تستخدم الشموع للإضاءة في عتمة الليل، وقد كان الفانوس يوجد في بعض المساجد لغرض الإضاءة فحسب.
غير أن هناك حدثًا ما خلق رباطًا خاصًا بين الفانوس وبين شهر رمضان تحديدًا، وهناك أكثر من رواية تحكي وتفسر سر هذا الارتباط، ومن ذلك أن النساء في القاهرة لم يكن يمتلكن رفاهية الخروج في أي وقت أو لأي غرض، غير أنه كان هناك استثناءً واحدًا هو في رمضان فكان النساء يخرجن وبرفقة كل امرأة طفل يسير أمامها حاملًا فانوسًا ليضيء لها الطريق ويكون بمثابة تنبيه للرجال أن يفسحوا لها الطريق حتى لا تنزعج من وجودهم.
ويقال أن انتشار الفوانيس مرتبط بالخليفة الفاطمي حيث كان يحرص على تفقد القاهرة وشوارعها ويخرج لرؤية هلال شهر رمضان، فكان أهل القاهرة يفرحون بمقدمه ومقدم الشهر الكريم ويضيئون له الطرقات بالفوانيس، فصار هناك ربط بين قدوم رمضان والفانوس.
أما الرواية الثالثة فتخبر أن أحد خلفاء العصر الفاطمي أراد أن يجعل ليالي رمضان مضيئة طوال الشهر فأصدر أمرًا بتعليق فانوس أمام كل مسجد وإضاءته لتظل الشوارع مضيئة طوال الشهر الكريم.
ويقال أن أول استخدام جماعي للفانوس كان مع قدوم الخليفة الفاطمي إلى مصر والذي تزامن مع اليوم الخامس من شهر رمضان لسنة 538 هجرية، حيث خرج الناس لاستقباله والاحتفاء بقدومه حاملين الفوانيس المختلفة، وتكاد تكون تلك الرواية هي الأقرب للحقيقة.
وأيًا كانت الرواية فيظل فانوس رمضان ملمحًا خاصًا به ويظل ينسب إلى قاهرة المعز لدين الله الفاطمي من جهة أو أخرى، وستظل رؤية الفانوس تثير في القلب ذلك الحنين المزمن إلى رمضان، وتنشر عبيره في جنبات الروح.
تطور صناعة فانوس رمضان
بدأ الفانوس بدائيًا بسيطًا في تكوبنه وتصميمه والخامات المستخدمة فيه، وتطور تطورًا ملحوظًا فأصبح يصنع من خامات عالية الجودة وغالية الثمن وأضيفت إليه الكثير من اللمسات التي تحاكي التطور العلمي الحديث، فأصبحت الإضاءة فيه متقدمة وأضيفت له الكثير من المؤثرات الصوتية، كما أصبح منتجوه يتنافسون في تصميمه بأجمل الطرق الإبداعية والفنية الحديثة المبهرة، وأصبحت صناعته تجارة رائجة وتعد مصر من الدول المصدرة لمنتج الفانوس الذي أصبح له ألاف التصميمات والأحجام والأشكال والإمكانيات أيضاـ، ليرضي رغبة كل راغب في اقتنائه سواء كان بسيطًا أو متوسط الحال أو غنيًا مرفهًا، فالجميع من حقه أن يمتلك فانوس رمضان.