حينما أمسكت تلك النواة بين يدي.. طفقت أتأملها.. يا ألله، كم هي ميتة جامدة.. وكم هو مدهش أن تنبثق الحياة من خلالها حين تحقن الأرض بتلك النواة فتتشقق أجزاؤها وتتحول قشورها وعناصرها إلى مادة نابضة بالحياة صارخة بالنمو.
«فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميتِ من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون». هذه النواة الميتة الصلبة في أجزائها الجامدة المليئة بالسكون يشاء الله لها أن تنفلق فيخرج منها الزرع والنبات الذي يخرج منه الثمر.
فالنوى يخرج منه النبات، والنبات يخرج منه النوى.. وكذا الأشجار النابتة من الحَب حين تبدأ حبوبها الجامدة وأصولها بالحياة فتخرج منها الأشجار التي تحمل الحبوب الجامدة مرة أخرى. تماما كما يفعل الله بالإنسان المنشأ من العدم «الميت» ثم يشاء الله له الحياة «الحي» فيعود للموت «الميت».. فيخبر الله ﷻ أن الدورة لم تنته بعد.. فثمة بعد تلك الموتة حياة وحساب.
هذه إحدى طرق القرآن الكريم في إجراء القياس العملي على قضية الحياة بعد الموت؛ حيث يكون قانون الناس في النبات الذي يعرفونه ويشهدونه في الزروع أن هناك حياة كاملة تامة يشاء الله لها أن تقوم على أصول موات تام، كما يقوم الشجر والنبات على النوى والحب الجامد. فإن الله الذي يشاء للنبات أن يموت ويحيا.. هو الذي يشاء سبحانه للإنسان أن يبعث بعد الموت: «انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون».
والله سبحانه الذي قدر للحياة أن تنشأ من تلك النوى والحبوب والذي قدر للإنسان أن ينشأ من العدم «الموت» بتعبير القرآن.. هو سبحانه الذي قدر للإنسان أن يبعث بعد موته تماما كما تنشأ الحياة غضة بضة من النواة والحبة الساكنة.
إن النبات حين يثمر يقذف بيانا طبيعيا متفجرا كالثمر المتدلي من تلك الأشجار بحقيقة «البعث» النباتي و«البعث» الإنساني الذي يتحدث عنه القرآن.
تلك الزروع المتشابهة في الأصول والنوى المختلفة في البذور والثمر.. هي تماما كالإنسان المتفق في الأصول والمنشأ المختلف في أعماله وإيمانه. ومع كل ذلك، ثمة نوع إنساني يكفر بهذا البعث ويصرف عنه إلى حيث الجحود والظلم.
بقلم: عبدالله العودة