قادت الصدفة سيدة من مكة المكرمة إلى التعرف على عملية «غسيل الأبناء» التي أجراها طليقها، لتسمية بناته الثلاث من زوجة أخرى «وافدة»، باسمها.
ولولا مرض سيدة مكة، لبقيت الأمور على ما هي عليه، دون إشعار آخر.
لكن التفاصيل التي أعلنتها الأم المتضررة من تسجيل أبناء ليسوا أبناءها، لم تكن وليدة الفردية، ولم تنحصر في سيدة بعينها، بل ربما كانت عشرات السيدات أمهات لأبناء لم تلدهن أرحامهن، ولم يعرفن بهن، في وقت لم تقدهن الصدفة إلى كشف الحقائق.
وإذا كان الزوج السابق اضطر لهذا الإجراء، فما الذي يجبره على تبني مثل ذلك الخيار؟ وما الذي يخيفه إلى الدرجة التي يضطر ليزور أهم وثيقة تخص بناته ممثلة في أمهن؟
وإذا كانت الأم «غير الحقيقية» للبنات، نجحت في إعلاء صوت الرفض لمثل هذا التزوير والخداع، وأعلنتها على الملأ دعوى ضد الزوج السابق «طليقها»، فهل ترى زوجات أخريات يستطعن إعلاء صوت المعارضة والرفض، وصولا إلى الدعاوى الشرعية، لإحقاق الحق، وإعادة الأمور إلى نصابها، وتسمية الأبناء بأسماء أمهاتهم الحقيقيات أو حتى الآباء الحقيقيين؟
محض الصدفة هو الذي قاد السيدة المكاوية، إلى فضح الأمر.
فالطليق عاش معها عدة أعوام، ثم تحولت العلاقة بينهما لخط النهاية، فاتجها لأبغض الحلال عندالله تعالى.
قررا الافتراق بالمعروف، فنالت صك الطلاق، ونال هو صفة الطليق، ومضى كلاهما لحال سبيله.
وفيما ظنت السيدة أن الأمر انتهى لهذا الحد، وربما ظن الطليق ذلك أيضا، بدأت سيناريوهات العودة، ليست من الباب، بل من النافذة «الطليق عاد إلى طليقته، متقمصا دوره كزوج، وسمح لنفسه بأن يتلاعب بكل الأوراق، فلم يعد نفسه لها، بل وضع في ذمتها أبناء لا علاقة لها من قريب أو من بعيد».
تزوج الرجل من آسيوية وافدة، وبعيدا عن تفاصيل الزيجة، «التي حتما لم تتم بالصيغة النظامية، التي تتيح لأبناء الوافدة الحصول على جنسية والدهم السعودي، ما دام الزواج تم وفق ظروف نظامية، نال على إثرها الموافقة من الجهات المختصة» فإن الزوج فكر في استغلال بطاقة العائلة المتضمن فيه زوجته ليحتال بتحويل الزوجة الثانية لاسم طليقته، ومن ثم تحرير بناتها اللاتي ولدتهن في المستشفى بأسماء الطليقة المكاوية.
وهنا يرى المختصون أنه يجب أن يثور التساؤل «ماذا كان يحدث إذا توفيت الزوجة الثانية الوافدة في المستشفى؟ هل ستسجل الوفاة باسم المكاوية لتبقى مسجلة ميتة، رغم أنها على قيد الحياة؟ وكيف ستقيد الوافدة عندها؟ هل تختفي من السجلات، أم تبقى مجهولة الهوية، وتنتهي القضية، أم أن الاحتمالات قائمة؟».
الصدفة مجددا
السيدة المكاوية التي اكتشفت الأمر في المستشفى التي راجعتها، بغرض العلاج، لم تصدق ما بلغت به «طلبت منهم فتح ملف للعلاج في المستشفى الحكومي بالعاصمة المقدسة، فطلبوا منها الاسم، وبالبحث اتضح أنه لا حاجة لفتح ملف؛ لأن لها ملفا سابقا، خلال عمليات الولادة التي أجريت لها، وعندما سألتهم عن الأمر، تبين أنها أم لثلاث بنات وضعتهن في المستشفى؛ ليتضح لاحقا من تحري الجهات الأمنية أن الطليق أبو البنات».
غسيل الأبناء
يتفق بعض المختصين على أن مثل هذه العمليات والاحتيالات تشابه في مضمونها، عمليات غسيل الأموال «التي فيها يتم غسيل أموال ليست نظامية، وصبغها بالصفة النظامية، بشكل أو بآخر، لتأخذ المشروعية في التعامل في البنوك، سواء تمت العمليات في الداخل أو الخارج، وفي هذه الحالة تم غسل أبناء الوافدة باسم الطليقة السعودية، ليصبغوا بالصبغة الرسمية، ويتم التعامل معهم بصفة رسمية، فهم لهم أب وأم، من المؤكد أنه ليست لها صفة نظامية، وإلا ما استغل الطليق وضع بطاقة العائلة لاستخدامها وتجييرها لصالح زوجته الوافدة، التي وفقا لهذا التحايل حظيت بكامل الحقوق والرعاية، كما تم للبنات الرعاية اللازمة من تطعيم وخلافه».
واعتبر المختصون الاستمرار في التحايل بهذه الطريقة بات سمة بعض الأزواج الذين يستغلون زوجاتهم سواء بعلمهن، أو دونه، وبرضائهن أو عدمه، لتمرير الأبناء من الزوجات غير النظاميات، في بطاقة العائلة.
وشددوا على أن «غسيل الأبناء» سابقة خطيرة تهدد النسيج الاجتماعي «المتضررات يدفعن وحدهن ثمن هذا التحايل، الذي ربما مسكوت عنه في بعض البيوت».
تحقيق بقلم: فواز العبدلي