الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الأيام دول والحياة متقلبة، نحيا فيها بين الصحة والمرض وبين الراحة والتعب، تبش في وجوهنا أحيانا وتعبث أحيانا أخري، وفي كل الأحوال يظل الإنسان في حاجة ملحة إلى من يتقاسم معه لحظات التعب والألم ، بل ولحظات السعادة أيضا، لأن ديننا الحنيف يأخذ في الاعتبار أهمية المشاركة بين المسلمين وبين الأهل والأقارب في مسيرة هذه الرحلة الوعرة، فقد علمنا أن عيادة المريض من أفضل الفضائل وأفضل القربات، التي يشارك بها المسلم أخيه المسلم في محنته ويتقرب بتلك الصلة الطيبة إلى خالقه.
مفهوم عيادة المريض
عيادة المريض يقصد منها زيارته وتفقد أخباره والاطمئنان عليه مع الدعاء له بالشفاء العاجل.
مكانة عيادة المريض في الإسلام
لقد أولى ديننا الحنيف عيادة المرضى مكانة خاصة جدا وحث عليها بإلحاح كبير، وفي مواضع كثيرة جدا، وهذا إن دل فإنما يدل على عظيم نفعها للمريض ولزائره على السواء، وعظيم الأجر والثواب الذي أعده الله لمن يقوم بتلك العبادة والقربى الطيبة، ولأن الأحاديث في هذا الشأن أكثر من أن تحصى أو تجمع في موضوع واحد، فإننا سوف نذكر قبسا منها، لنرى كيف حضت الشريعة على عيادة المرضى، وحجم الثواب الذي يحصله المسلم من راء هذا العمل الخير.
يقول رسول الله –صلى الله عليه سلم-: (خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَإتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ)، وفي هذا بيان لمنزلة تلك العبادة فهي حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم، وهذا دليل على أهميتها البالغة.
أما فضل زيارة المريض وثوابها الكبير فقد نصت عليه عدة نصوص منها ما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما مَن مُسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يُمسي ، وإن عاده عشية صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة).
ومنه أيضا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًاً لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً).
وفي حديث ثالث عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ , فَإِذَا جَلَسَ إغْتَمَسَ فِيهَا ) صححه الألباني.
وكل هذه الأحاديث التي تختلف في لفظها وروايتها تتفق في عظم الثواب الذي ينتظره كل من عاد مريضا، وامتثل لحث الشريعة الإسلامية وأمرها.
بعض آداب عيادة المريض
عيادة المريض من الأمور التي يقصد منها أصلا التخفيف عن المريض وتهوين معاناته، ومواساته وتحقق أنسه بمن يزوره، لذا يجب أن تراعى بعض الآداب حتى تؤتي الزيارة ثمارها، وتخفف عن المريض ويرجوا صاحبها حسن الثواب من الله عز وجل، ومنها ما يلي:
الاستئذان على المريض واختيار وقت مناسب للزيارة، حتى لا تربك الزيارة أهل المريض ولا المريض نفسه ولا تكون عبئا عليهم، كما ينبغي أن لا يطيل الزيارة حتى لا يشق على المريض وأهله، إلا إن كان ممن يستأنس بهم المريض ويرغب في وجودهم.
حين يذهب المسلم لعيادة أخيه المريض فيجب عليه أن ينتقي كلماته ويكون مبشرا، ولا يقول إلا خيرا فقد علمنا النبي ذلك حيث قال صلى الله عليه وسلم : (اذا حَضرتم المريض فقولوا خيراً، فان الملائكة يؤمنون على ما تقولون) رواه مسلم.
الدعاء للمريض بالشفاء قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : (من عاد مريضا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض) رواه ابو داود والحاكم.
لماذا تعد عيادة المريض من أفضل الأعمال؟
الإنسان في مرضه يستشعر الضعف والوهن والوحدة، وتنتابه المخاوف والقلق، فيحتاج إلى وجود اخوانه حوله يخففون بعض ما يعانيه ويسلون وحدته، وفي هذا مما فيه من جبر الخواطر وعون المسلم لأخيه، لذا تعتبر زيارته من أوجه المشاركة والمواساة وأداء حقوق افترضتها الأخوة في الإسلام.