بلى؛ هي ذكريات الحب؛ فالذكريات كلمة تشمل كل ما مضى من الأحداث، وكل ما مر بالفؤاد من أفراح أو أطراح، وتشمل كل حدث خرج عن حدود اللحظة الحالية وأصبح ماضيًا، والذكريات في حياتنا هي فقط التي يمكن أن نحملها في حقائبنا ونحن ماضين في رحلة الحياة، لأن الحاضر لا نملكه والمستقبل لا نعلمه، فقط الذكرى هي التي وضحت لنا ملامحها وبانت تفاصيلها، وتركت في الروح نقوشها وتعابيرها.
وإذا كانت بعض الذكريات تستمد روعتها من مجرد كونها ذكريات، وربما كانت في حينها أحداثًا عابرةً لم تستوقفنا أو تثير اهتمامنا، لكن بعد انقضاء الزمن ومرور الوقت، تلمع في الماضي وقد نكتشف من أسرار جمالها ما كنا بالأمس نجهله، فذكريات الحب أبقى، وأطول عمرًا، ولا تترك لغيرها مكانًا.
ذكريات الحب الأول
ذكريات الحب الأول واللقاء الأول، وتلك الفرحة الأولى التي ولدت مع النظرة الأولى، وهذا الارتباك والخجل الذي يعلو المحيا كلما التقت العيون وتبادلت النظرات، وتلك الرعشة التي تسري في الجسد من منبت الشعر وحتى أخمص القدم، كلها تفاصيل لا تموت، تخلد في الذاكرة ولا تبهت ملامحها مهما مر من الوقت، بل على العكس تصبح أعمق، وتضرب بجذورها في عمق الذاكرة أكثر، فترى الشيخ الهرم يذكرها وقد يتعذر عليه تذكر أقرب الأحداث.
ولكن.. ذكريات الوجع أطول عمرا.
وكما أن الذكريات الجميلة تبقى وتحمل لنا معها نفس المشاعر التي صاحبت حدوثها، فكذلك الذكريات الموجعة، تقبع في الذاكرة وتظل جاثمة على صدورنا، مهما قاومناها وحاولنا تجاهلها وغض النظر عنها، قد نخفيها عن عين الواقع ونتناسى وجودها، لكنا نظل على علم بها وتظل هي تمارس سطوتها العبثية على حاضرنا، فتكدر صفونا وتتعثر معها خطواتنا، فلحظات الفراق مثلا ووجعها المميت، وتلك الحالة من الانهيار والنزيف الداخلي الرهيب الذي نتج عنها، لا تختفي أبدا، بل أحيانا تطفو على سطح الذاكرة بلا استحياء لتسلبنا فرحة حاضرة أو سعادة نحن في أمس الحاجة إليها.
كيف نخلق لأنفسنا ولحبنا ذكريات لا تنطفئ؟
كل ما في رحلة الحب هو ذكريات تقاوم النسيان، وتعلق بالذاكرة، ولكن التعود يخرج بنا من حالة التركيز والالتفات لتفاصيل رائعة قد تمر بنا كل يوم ونحن في صحبة الأحبة، فحين يتسرب التعود والروتين إلى تفاصيل العلاقة يجعل الرؤية باهتة فلا نلتفت لما يحدث حولنا، وما سقط من نظرنا رؤيته كان جديرا بأن يسقط من ذاكرتنا تفاصيله، فاصنعوا لأنفسكم ذكريات، تستدعونها بعد انقضاء الوقت، ورحيل الصبا، ولكن كيف؟
اعلموا أنه لا يبقى في الذاكرة إلا ما علق بالتركيز ابتداءً، لذا فمن يريد اثراء ذاكرته بالحب وتفاصيله، فقط يجب ان ينتبه لها ويسمح لها أن تنعش روحه وقلبه، ويشكر الله على ما يسعده فيها، لتلحق بالذاكرة وتخلد هناك، وإن خلت القصة من التفاصيل فاصنعوها أنتم بأيديكم، اخرجوا عن حدود العادي والمألوف، وجددوا الحب بلقاء حار، في مكان مختلف أو ظروف مختلفة، برسالة حب صادقة مفعمة بالشوق، أو هدية بسيطة تنعش الحب، وتعيد له الحياة، ومهما بدا ذلك الحدث المصطنع ساذجًا وسطحيًا إلا إنه مع الوقت سوف يرسم نقوشه على جدان القلب، وكلما تذكرتموه سيدق القلب أسرع من المعتاد، وترتسم على الشفاه بسمة رضا وفرح.
كيف نتعامل مع ذكريات الحب؟
ذكريات الحب مثل تفاصيله الساحرة، وطيفه المميز الذي يترك على القلب لونا من الفرحة أو الحزن، فالذكريات السعيدة تسعدنا، وقد نشعر معها بغصة الحنين أو الفقد، والذكريات الحزينة تؤلمنا وتجدد فينا الوجع كما لوكان الحدث لم يزل قائما.
ومن الذكاء أن نستغل تلك الذكريات في خلق السعادة لنا ولأحبتنا، وخلق مساحة من التسامح والامتنان لوجودهم في حياتنا، فمن أسعدنا ذات يوم يستحق منا أن نسعده اليوم بسؤال أو لقاء، ومن انتظرنا بلهفة شقت صدر الحرمان من قبل يجدر بنا أن نحمل له كل معاني الوفاء.
أما ما أوجعنا منها وسلبنا إرادتنا أو فرحتنا ذات يوم، فلننحيه جانبا ولا نتوقف عنده كثيرا، اتركوا الذكريات الموجعة تمر بسلام كمشهد عابر، ولا تسمحوا لها أن تستنزف طاقاتكم أو سعادتكم أبد.
احتفلوا بكل تفاصيل العشق التي تمنحكم الطاقة، وتشرق جوانب نفوسكم وتخلوا عن كل ما يكسر فيكم ريعان الحب أو يجعل زهوره تذبل، أو يجعل ينابيعه تجف!! لا تتركوا أبدا ينابيعه تجف.
أبيات شعر عن ذكريات الحب
أعيدوا لنا ما فات
ونحن سنعيد الذكريات
ما مضى من عمرنا
موجود بشريط الذكريات
الأماكن هي هي
والزمان عمره خد وهات
أعيدوا لنا الأشخاص
لأجل ما ترجع لنا البسمات
ما زلنا فاكرين
الآهات والفرحة والتنهدات
كانت الحياة ماشية
عادى فجأة وقفت الساعات
عقرب الثواني مات
وعاش الحزن من سكات
لو عادت الدقائق
كنا رجعنا شريط الذكريات
الحياة ممكن تعطى
لكن أخذها فيه آلام وشتات
الأمل في التلاقي
نتعانق ونشرب من رضابات
أرجعوها وخذوا
كل عمري الذى كالمر فات
ما بين اول لقاء
وآخر لقاء مرت الأيام فوات
بقلم: إبراهيم محمد قويدر ~ شاعر القرية ~ مصر – البحيرة