ما زال صوته يتردد في أُذني أمام إحدى بوابات الوصول في مطار الملك عبدالعزيز قائلاً: «مشوار يالحبيب». كانت ملامحه تشير إلى أنه وصل الـ 20 لتوه، شاب نحيل حنطي البشرة متوسط الطول، تشرق من ملامحه ابتسامة تكتسي ببعض التعب.
وفي الوقت الذي أرسل فيه نداءه، كانت سيارات الليموزين تصطف خلف بعضها في الخارج، يقف أمامها أصحابها الذين ينتمون إلى مناطق آسيوية مختلفة، ويحاول كل شخص منهم اقتطاع جزء من هنا وإرساله إلى وطنه.
إنه ابن الشمس نفسها، التي طالما قلبتنا ذات اليمين وذات الشمال. إنه ابن التراب نفسه الذي طالما اختلط بملامحنا مرات كثيرة. ولطالما هبت علينا رياح الشتاء القارسة نفسها! لا أبا لي إن لم أركب معه! هكذا حدثت نفسي وأنا أتجه إليه.
ذهبنا سويا إلى سيارته التي كان «يركنها» في مواقف المطار، اتجه إلى البوابة ودفع قيمة ساعات انتظاره أثناء بحثه عن رزقه.
بادرته بالحديث وأخبرني أنه طالب يدرس في سنته الثالثة في الجامعة، ولد في أحد مستشفيات البلد دون ملعقة ذهب في فمه، حيث يوزع المواليد بنظام «إكس أو». ولأنه ولد دون ملعقة توجّب عليه صناعتها بنفسه لكي يستطيع تحريك الحياة، لذلك يمتطي سيارته كل مساء، يتجه إلى المطار مزاحما كل السحنات الآسيوية، وخالقا لنفسه «بارت تايم» لم تفلح لجان وخطط «السعودة» في التوصل إليه طوال سنوات الزحمة.
هذه اللجان التي دائما ما تكرر بأن السعودي الذي يقف تحت لهيب الشمس في أسواق الخضار، وحارسا على أبواب المحال والمتاجر، وسائقا يبحث عن ركاب يوصلهم بثمن بخس على متن سيارته الخاصة، لا يزال مدللا ويبحث عن وظيفة بمكتب ومكيف ودوام ست ساعات!
هذا الطالب الذي يغالب لقمة عيشه، ويحاول خلق ملعقة ما تُحرك حياته، يُجمع الكثيرون على أنه يشوه واجهة المدينة ويخدش جمالها.. تخيلوا! أي مدينة هذه التي لا يكتمل جمالها إلا إذا جاع ابنها بعيدا عن وجهها؟!
بقلم: أيمن الجعفري
المزيد في المقترحات أدناه:
- فتقرأ هنا: كيف تؤجل ألمك؟
- يليه: إعجاب بقوانين الآخرين
- مرورًا بـ: التطوع.. بحاجة إلى تأصيل وتنظيم
- وختامًا؛ مع: فخر الصناعة الوطنية