استيقظت.. تاني..؟؟؟؟ عندما يأتي اليوم الذي لا أستيقظ فيه سيكون رائعا حتما لجميع الأطراف، يارب أرى الجنة عندها، والناس ح تكسر ورايا قلة.. !!
تتقافز حولي أحزاني.. جدول اليوم من الهموم كما الجدول من الأعمال، يااااارب ليس لي سواك في هذا العالم، والعالم الآخر أيضا.. ياااارب أبواب عبادك في وجهي مؤصدة، فاجعل أبوابك في وجهي مشرعة.
تتقافز حولي الهموم كما يتقافز حولي صغاري: أمي أين حذائي؟ بسرعة الباص سيفوتني، جريا أحضر لها الحذاء الذي يقبع عند المدخل ساكنا.. أمي سرحي لي شعري، تنادي الأخرى: بسرعة الباص الذي يسبق باصي يطلق سرينته، بفمي أمسك لها التوكة وبيدي أرفع لها شعرها وبالأخرى أمشط وأنا أتحرك معها سريعا نحو الباب، أمي المصروف: صياح آخر العنقود، أقابله بصياح آخر ليس معي فكة، عندما تعودين.
بهجة القلب.. وشجونه
أضم، وأقبل، وأمسح الرأس لثلاث فتيات —قرة أعين كل من يعرفهن— وصوتي يصيح بالباقي: عمر فز (قم بسرعة) من السرير إنها السابعة وعشر دقائق، وصوتي يعلو: إسراء مش ممكن دي خامس مرة أصحيكي.. أهرع إلي الشرفة لألحق بالصغار وأرقبهم إشفاقا وظهورهن تنوء بحمل الحقائب، أصيح بإحداهن: نزلي الحقيبة واسحبيها خلفك.. ما فائدة الجرار إذن؟ تجيبني دون أن تلتفت: ليس هناك وقت.. الباص أتى.
أبتسم كالعادة وألقي تحية الصباح على عم خضر البواب وأوصيه خيرا بغسيل سيارتي وأنا أعلم رده مقدما: هل ستغادرين الآن؟ وهو يعلم إجابتي قبل أن أنطق بها، ليس الآن.. فيجيبني: إذن بعد أن أغسل سيارة د. محمد فإنه مغادر قبلك.
ألتفت إلى أسفل حيث شجرات الياسمين ألقي بابتساماتي وقبلاتي اليومية وأهمس لهن: السلام عليكن، بهجة العين والقلب، ما زرعتكن هنا إلا لتبعدن عني.. نعم فهذه الياسمينات كن في هذه الشرفة منذ خمسة وعشرين عاما، عندها بدأت أحزاني في مصاحبتي، ولاحظت على ياسميناتي الذبول عندما أحزن.. وعندما أفرح ألاحظ أنهن بخير.
آه.. نسيت أن أخبركم أني كنت أقيم في الشرفة مع الكاسيت والكتب للمذاكرة بجوارهن، سألت جاري أستاذ الزراعة فقال للورد حالة نفسية مشابهة لحالة من يرعاه، قاومت كثيرا فكرة إنزال الزرع للحديقة أسفل شرفتي، بكيت، تألمت، مرضت، ولكن لا حل، الزرع سيموت بجوارك.. استسلمت كما أستسلم دوما لأقداري.. وفارقت ياسميناتي كما فارقت كل من أحببتهم في حياتي، أبقاك لي الله يا أمي.. فأنت الوحيدة الباقية معي ممن أحب.
فجأة آتاني صوت الجرس النحاسي الصغير الذي ابتدعته هي لندائنا حين وهن صوتها في مرضها الأخير ليقتلعني من مكاني وأهرع إليها، قالت: أنظري عمر مازال نائما.. أخذت أداعبه ليقوم، فهو عنيد جدا ولن تفلح الطرق الهجومية معه في وقت ضيق كهذا.
الحمد لله، قام عمر ببطء السلحفاة، أين ملابسي يا أمي؟ يااااه لقد نسيتها في الشقة الأخرى!! يا عيني.. وماذا ذهب بها إلى هناك؟ أجاب:غيرت هناك لألحق بتدريب الهاند بول.
واقرأ هنا: كيف أربي أولادي على حب الله ﷻ!
أمهات المستحيل
أووووووووه ياااربي أدركني برحمتك.. كالبرق ارتديت ملابسي وهرعت للسيارة- التي لم يغسلها عم خضر- في هذا الجو العجيب لا أعرف لماذا شعرت أني أكتب أحزاني على ورق الشجر، أفزعتني كآبتي وخفت على أوراق الشجر من أحزاني،هي ناقصة هموم، كملت، قلتها لنفسي وأنا أعنفها: مالك وللشجر دعيه يحيا في سلام؟؟
انطلقت بالسيارة كرجل المستحيل أدهم صبري، وأنا أجري اتصالاتي بالباص الخاص بننوس عين أمه لاعب الهاند بول المنتسب للصف الأول الإعدادي بمدرسة على طريق المطااار، يعني سفر على الصبح.. يااااااارب ألحق الباص.
يامدام،ياااادكتورة.. أوب.. التفت عسكري المرور لأرقام الجامعة التي تزين سيارتي، خلاص مخالفة على الصبح، رأى الموبايل معلقا في الطرحة فوق أذني وأنا أتحدث لمشرفة الباص أن تنتظر عندما تدخل الجامعة قليلا.
ياااارب.. تعبت، صعدت السلالم القليلة اتنين في واحد لأعطي عمر ملابسه وأنا ألهث:”بسرعة يا ولد”.. نطقتها وأنا أريد أن أبكي، يااارب لماذا دمعي لا يسيل؟ دمعي مخنوق.. نعم أنا أعلم، جراح قلبي هي التي تؤلمني، كل ما أنا فيه لا يعنيني، إنما هي تلك الجراح التي أثخنها الأحبة.
من قال لمن يمتلكون القلب أن من حقهم أن يعبثوا بحجراته ويمزقوا ستائره ويسيروا فوق زهوره المكنونة؟؟؟
استعطفتهم ليكفوا فلم يفعلوا، رشقوا خناجرهم في حجراته، غمدوا سكاكينهم في جوانحي، ومضوا.. بمنتهي البراءة مضوا.. وهم يبتسمون.. صافي يا لبن؟ جراحي بلون الدم.. صافي يا لبن؟؟؟ نعم.. فلبني لونه دماااااء.. يااااااارب.. أين دمعي.. أريد أن أغتسل بدمعي.
وهنا: مواقف وتجارب تساعدك لتكوني قدوة وتزرعي ثمرة طيبة في طفلك
رسالة رحمة
أين عمر؟؟؟؟ انتزعتني الفكرة مما أنا فيه أمام شجرة المانجو العتيقة التي تناطح شرفة غرفة المائدة التي أسكنت رأسي عليها وأنا أعبث بخصلات نفرت من شعري…أين أنت يا عمر؟؟ وقفت مذهولة أمام غرفته وأنا أخشى أن يسمع أنفاسي المتلاحقة.. عمر؟؟
عمر يصلي، يا حبيبي، دون أن أُذكّره، يا قرة عيني، في هذا الوقت المضطرب.. يا لسكونه وخشوعه في صلاته.. يضم يديه فوق صدره، لا بل فوق صدري أنا.. يضم ذراعيه فوق خصره.. لا بل يضمني أنا.. خاشع الجوارح يتمتم:”ولسوف يعطيك ربك فترضى”.. هطلت دموعي، يااااااارب رضيت، والله يارب رضيت بما منحتني من نعم، من أحزان، من محن، من منح خفية، رضيييييييييييييت رضييييييييت رضيييييييييت، ما ودعتني وما قليتني، أعلم.. أنت الذي لا يمكن أن يقول لي إليك عني، لا يمكن أن تدعني، لا يمكن ألا تتواصل معي إذا وصلتك أو هجرتك، يااااااااااارب أنت حبيبي، أنت حبيبي، أنت حبيبي.
عمر يصلي.. رسالة وصلتني من ربي، بل عدة رسائل طمأنت قلبي المخلوع، الوجل، الفزع، في عالم لا يعرف الوفاء لمن أحبوا، وبذلوا أنفسهم فرآها الآخرون سلعة رخيصة لا تستحق الالتفات، وعليها أن تعطي آخر بريقها لهم قبل أن يلقوها على الطرقات.
ونقرأ هنا كذلك: تنمية مهارات التفكير عند الطفل
لا عزاء للمتوادين
عمر يصلي.. فوصل قلبي ربي.. “لم نعد نستطيع أن نتواصل معك”.. سمعتها تخترق قلبي بخناجرهم الذهبية وهم يضحكون، فوصل ربي قلبي.
عمر يصلي.. دون أن أطلب منه، هو في الثالثة عشر، عرف ربه أخيرا.. الحمد لله، في نفس السن التزم أخوه الأكبر بالصلاة.. دون أن أُذكّره.. يا لها من رسالة:”أنا أحميهم لك وأذكرهم بي”.. ياااااارب كم أنت رحيم في عالم افتقدت فيه الرحمة ممن أحبهم، من أقرب الدوائر، كيف هذا؟؟؟ لا.. بل أنت ياااارب أقرب الدوائر.
عمر يصلي.. اطمأن قلبي على أخيه.. رسالة من ربي: حفظنا القريب وسنحفظ البعيد.. يااااارب كم أنت ودود في زمن ضاع فيه الود، وأصبح تغير القلوب فيه أصلا.. ولا عزاء للمتوادين.
عمر يصلي.. أنهى صلاته وانصرف في هدوء إلى مدرسته على غير العادة.. قبلني وانصرف قائلا: ح توحشيني يا أمي.. لم أرد، فأعاد قوله صائحا: أمييييييي السلام عليكم، رددت عليه وأنا أخفي عنه دمعي
وهرعت إلى هناك…
إلي سورة الضحى…
ووقفت.
…أصلي
بقلم: د. نغم نبيل عمر