هل تعلم عزيزي القارئ أن الأخوات يمتلكون صفات جسدية مُتشابهة؛ وذلك لأنهم يمتلكون نفس مصدر الحمض النووي DNA.
وتخيلوا أنه لم يتم اكتشاف الكروموسومات و DNA حتى منتصف القرن العشرين، ومع ذلك لاحظ العديد من الناس أن هناك الكثير من أوجه التشابه ما بين الإخوة.
الوراثة
هي انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء، وكما ذكرنا أن علم الوراثة علم قديم جداً، ولكن معظم المفاهيم التي تحدثت عن انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء كانت خاطئة.
فعلى سبيل المثال؛ استمر الناس لحوالي 2000 سنة بتصدق ما قاله أرسطو وهو أن؛ كل منا هو مزيج من صفات أبويه، فالأب يعطي الجنين الحياة، أما الأم فتزوده بالعناصر الأساسية التي يتكون منها.
كما كان يعتقد أرسطو أن السائل المنوي؛ هو عبارة عن دم حيض نقي جداً، ولهذا السبب يُشار إلى صلة الدم عند الحديث عن الوراثة.
ولعدم توصل أي أحد لأفكار أفضل، ولعدم رغبتهم بمناقضة أقوال أرسطو استمرت هذه المفاهيم المغلوطة لمئات السنين، وبقي الناس يعتقدون أن صفات الأبوين تكون مزدوجة داخل الأبناء.
فمثلاً عند تزاوج سنجاب أسود اللون مع سنجاب أبيض اللون كان الاعتقاد السائد هو أن صغارهما سيكون لونهم رمادي.
أول من بدأ بدراسة الوراثة بأسلوب علمي هو الراهب النمساوي غريغور مندل، وأظهر أن الوراثة تتبع أنماط مُحددة.
وفي منتصف القرن التاسع عشر قضى مندل الكثير من الوقت في حديقته وهو يجري تجارب على نبات البازلاء، ومن خلال سلسلة من التجارب في تلقيح نبات البازلاء تمكن من أخذ الصفات التي انتقلت للجيل الذي تلاه، وتلك التي لم تنتقل، وابتكر إطار لفهم طريقة انتقال الصفات من جيل إلى آخر.
علم الوراثة الكلاسيكية
يشمل علم الوراثة الكلاسيكية أفكار مندل لطريقة انتقال الصفات من الآباء إلى الأبناء.
تحتوي كافة الكائنات الحية على الكروموسومات. والكروموسوم هو التركيب الذي يتخذه الحمض النووي DNA حتى يتمكن من الانتقال من الوالدين إلى الطفل.
ويبلغ عدد الكروموسومات في كل خلية من خلايا جسم الإنسان 46 كروموسوم تكون على صورة 23 زوجاً.
والجين هو جزء من DNA الموجودة في موقع محدد على الكروموسوم، ويحمل الجين المعلومات التي تحدد صفة مُعينة.
الصفة متعددة الجينات
في أغلب الوقت فإن الصفات الجسدية يتم تحديدها من خلال مجموعة من الجينات المختلفة التي تعمل مع بعضها، مما يجعل الأمر مربكاً بعض الشيء. وهذا ما يسمى بـ الصفة متعددة الجينات.
جين متعدد النمط الظاهري
في ذات الوقت قد يكون هناك جين واحد مسؤول عن تحديد عدة صفات، وتسمى هذه الجينات بـ الجينات متعددة النمط الظاهري.
صفات مندلية (الوراثة المندلية)
هناك عدد قليل من الجينات حتى يكون كل جين مسؤول عن تحديد صفة وراثية واحدة مثل؛ الجين المسؤول عن تحديد لون زهرة نبات البازلاء.
وهذا نوع من الجينات هو الذي درسته مندل في تجاربه؛ ولذلك سمي هذا النوع من الصفات بـ “الصفات المندلية” نسبة له.
هناك عدد من الأمثلة الصفات الوراثية المندلية في الإنسان مثل رطوبة أو جفاف شمع الأذن.
فهناك جين واحد مسؤول عن تحديد درجة تماسك شمع الأذن، وهذا الجين موجود في نفس الموقع عند جميع البشر؛ فهو موجود على الكروموسوم 16.
ولكن هناك نسختين ممكنتين لكل جين وتسمى كل منها بـ “الأليل”.
وفي هذه الحالة هناك أليل يحدد أن الشمع سيكون رطباً وآخر يُحدد أنه سيكون جافاً.
وقد تتساءلون ما هو الفرق بين هاتين النسختين؟
يتألف هذا الجين من العديد من الأحماض الأمينية، ولكن هناك اختلاف في موضع محدد لكل من الأليلين، فإذا وجد الحمض الأميني جلايسين في هذا الموضع سيمتلك الفرد شمع أذن رطب.
أما إذا كان الحمض الأميني هو الأرجنين فيكون الشمع جافاً.
واقرأ هنا أيضًا عن الجزيئات الحيوية: بحث شامل وتفصيلي
طريقة توارث الصفات المختلفة من الآباء
في معظم الحيوانات فإن جميع الخلايا باستثناء الحيوان المنوي والبويضة تسمى “خلايا جسدية” وتكون هذه الخلايا مزدوجة الكروموسومات؛ أي أنها تحتوي على زوجين من الكروموسومات، كل زوج من هذه الأزواج موروث من أحد الأبوين.
إذاً يكون للفرد أليل يحدد نوع شمع الأذن الموروث من الأم والثاني من الأب، ويعود ذلك إلى أن الأمشاج أو الخلايا الجنسية مثل الحيوانات المنوية والبويضات هي خلايا أحادية الكروموسومات.
وللتأكيد سنكرر أن الخلايا غير الجنسية تسمى خلايا جسدية؛ وهي متزوجة الكروموسومات.
أما الخلايا الجنسية فهي؛ أحادية الكروموسومات، وهذا أمر منطقي، فالهدف الرئيسي للحيوان المنوي أو البويضة هو الاندماج مع بعضهما، وبالتالي؛ ستتضاعف الخلايا أحادية الكروموسومات، ويحصل كل منهما علي الزوج الإضافي من الكروموسومات اللازمة في تكوين إنسان جديد، أو بقرة جديدة أو أياً كان.
ولمجرد العلم؛ تمتلك بعض النباتات على خلايا متعادلة الكروموسومات، مما يعني أنها تتألف من أكثر من زوجين من الكروموسومات في كل خلية.
وهذا لا يعني أنها أفضل أو أسوأ فهو مجرد اختلاف في التركيب.
وعلى أية حال؛ فقد ذكرنا أن الفرد يرث كل نسخة من جين شمع الأذن من أحد الأبوين، وبالعودة إلى صفة شمع الأذن تخيلوا أن أليل شمع الأذن الرطب جاء الأم في حين أليل شمع الأذن الجاف جاء من الأب.
ومع العلم أن كلا الأبوين يمتلكان أليلين وكل أليل من هاتين الأليلين تم توارثهما من والديهما، بالتالي؛ فإن الأليل الذي يصل للفرد سيكون عشوائي بعض الشيء.
السيادة الوراثية
واكتشف مندل أنه عند وجود أليلين يُحددان صفة واحدة، فإن أحد هذين الأليلين سيكون سائداً والثاني سيكون متنحياً.
والسيادة في علم الوراثة هي العلاقة بين الأليلين، حيث يطغى أحد الأليلين على الآخر، فتظهر صفة الأليل السائد.
وسنوضح ذلك بالنسبة لصفة شمع الأذن؛ يكون أليل شمع الأذن الرطب القادم من الأم هو السائد، لذلك سنعبر عنه بحرف W الكبير أما شمع الأذن الجاف القادم من الأب فهو متنحٍ وبالتالي سنعبر عنه بحرف w الصغير.
الطراز الجيني
بما أن أليل الأم هو السائد فذلك يعني إن الأخوات ببساطة سيمتلكون شمع أذن رطب.
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، وعلى الرغم من كون أليل ما متنحي لا يعني ذلك أنه أقل انتشارا من الأليل السائد في المادة الوراثية، مما يقودنا لافتراض وجود عوامل أخرى تؤثر على هذه العملية.
حيث يعتمد الأمر على والدي الأبوين، فالجميع يرث أليلين من كل من أبويه فالأم حصلت على واحد من الجدة وآخر من الجد.
وسنفترض أنها حصلت على أليل شمع الأذن الجاف من والدتها أي حرف w صغير وأليل شمع الأذن الرطب من والدها أي حرف W كبير.
هذا يعني أن الطراز الجيني أو التركيب الجني للأم بالنسبة إلى هذه الصفة يكون غير متماثل الكروموسومات.
مما يُشير إلى أنها ورثت نسختين مختلفتين من نفس الجين من كل من الأبوين.
أما بالنسبة للأب فلديه طراز جيني متماثل الكروموسومات، وهذا يعني أن لديه أليلين متطابقين، إما من نوع حرف W كبير أو حرف w صغير حيث ورث كل منهما من الجد والجدة.
وفي حالة أن الطفل يرث من كلا أبوية صفة من نوع حرف w صغير ففي هذه الحالة تكون هذه الصفة متنحية ذات طراز جيني متماثل الكروموسومات.
الطراز الظاهري
سنوضح الطراز الظاهري لصفات شمع الأذن التي ورثناها، ويُمثل الطراز الظاهري الصفات الوراثية التي تظهر على الفرد وفي هذه الحالة ما سترونه إذا نظرتم إلى الأذن.
مربع بانيت
ريجينالد كراندال بانيت Reginald Crundall Punnett كان من أشد المعجبين بتجارب غريغور مندل، وابتكر ما يُعرف بمربع بانيت، لتسهيل التعبير عن عمليات التزاوج، وتحديد الطرز الجينية الناتجة.
ومن خلال مربع بانيت ستلاحظون أن نسبة احتمالية ظهور أي من هاتين الصفتين على الطفل هي 50%، فإما أن يكون الطراز الجيني للطفل متماثل أو غير متماثل الكروموسومات.
وهذا ينطبق على الطراز الظاهري أي أن احتمالية أن يرث الأخوين صفة شمع الأذن الرطب 50% أما صفة شمع الأذن الجاف فاحتماليتها 50% كذلك.
وهذه نتيجة منطقية، فالطُرز الجينية للوالدين متماثلة وغير متماثلة الكروموسومات.
وهذا يُفسر الرائحة التي تنتشر في البيت عند امتلاك طفلان صغيران شمع أذن رطب، حيث أن هناك علاقة بين صفة شمع الأذن الرطب وصفة رائحة الجسم.
ويعود ذلك إلى شمع الأذن والعرق يتم إفرازهما من نفس النوع من الغدد. ولأن هذا الجين يؤثر على عدة صفات ظاهرية فهو مثال على جين متعدد النمط الظاهري.
فهذا الجين يؤثر على درجة رطوبة شمع الأذن وعلى رائحة العرق.
الوراثة المرتبطة بالجنس
يمتلك كل جسم الانسان 23 زوج من الكروموسومات 22 زوج منها يكون من الكروموسومات الجسمية، أو غير الجنسية، وزوج احد منها وبالتحديد الزوج الـ 23 هون هو من الكروموسومات الجنسية.
وعند الإناث يكون زوج الكروموسومات الـ 23 متماثلاً ويُرمز له بـ XX أما بالنسبة للذكور فيرثون كروموسوم X من الأم و كروموسوم Y من الأب ويكون الكروموسوم Y قصيراً مقارنة بـ كروموسوم X ويُرمز للكروموسومات الجنسية للذكور بـ XY وترتبط بعض الصفات الوراثية بنفس الفرد، ويتم نقلها عبر الكروموسومات الجنسية.
وبما أن أحد كروموسومات الزوج الـ 23 هو أكثر من الآخر عند الذكور فيؤدي ذلك إلى ظهور بعض الصفات الأليلة المتنحية التي ورثها الفرد من الأم. وذلك لعدم وجود أليل سائد مقابل له على كروموسوم Y وبالتالي؛ لن يتمكن الأليل السائد من أن يطغى عليه.
فعلى سبيل المثال؛ صفة الصلع، فمن النادر أن تُصاب الإناث بالصلع في سن الشباب على عكس الذكور، ويعود ذلك لأن هذه الصفة ناتجة عن أليل متنحٍ موجود على كروموسوم X.
ومن النادر أن تمتلك الإناث أليلين متنحيين بهذه الصفة، أما بالنسبة للذكور فيُصابون بالصلع لمجرد أمتلاكهم لأليل واحدٍ متنحٍ على كروموسوم X الذي ورثوه من الأم.
وهذا لا يعني أن الأم كانت تُعاني من الصلع، لكن كيف حصلت الأم على هذا الأليل على كروموسوم X؟
حصلت عليه إما من والدها أو والدتها، وإذا كنتم تعانون من الصلع فربما ورثتموه من جدتكم من جهة الأم أو جدكم لأم أمكم، أو جد جدكم لأم أمكم الذي أصيب بالصلع وهو في الثلاثين من عمره. فكما تلاحظون لا جدوى من مقاومة الجينات.