علم التشريح المقارن
هو العلم الذي يعنى بدراسة أوجه التشابه والاختلاف بين تشريح الحيوانات.
إن الهدف من دراسة علم التشريح المقارن؛ هو معرفة المزيد عن عملية التطور والأسلاف المشتركة بين الكائنات. حيث يمكن معرفة تاريخ تطور الكائنات الحية من خلال ملاحظة بعض السمات المحددة.
فعلى سبيل المثال؛ برأيكم ما هو الكائن الحي الأقرب للإنسان؟ عصفورة الشوشانة، أم نبتة معينة.
إنا لون النباتات أخضر، ويمكنها أن تصنع غذائها بنفسها باستخدام أشعة الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون أيضاً.
وفي المقابل فإن عصفورة الشوشانة لا يمكنها صنع غذائها بنفسها؛ بل عليها أن تنتقل من مكان لآخر لتعثر على الطعام، أو لتهرب من الحيوانات المفترسة ولتعثر على شريك للتزاوج.
وهذا مشابه للإنسان؛ فالإنسان كذلك يحتاج إلى التنقل من مكان لآخر، فمن البديهي أن الإنسان أقرب للعصفور من النباتات.
قد تكون إجابة هذا السؤال واضحة؛ ولكن مع ازدياد العلاقات المشتركة بين الكائنات الحية ستصبح الأسئلة أكثر إثارة للاهتمام.
فما هو الحيوان؟ بالطبع أنتم تعرفون ما هو الحيوان، ولكن عند النظر إلى الإنسان وإلى عصفورة الشوشانة ما هي الدلائل التي أشارت لكم أنهما ينتميان إلى المملكة الحيوانية؟
هناك أمران لإثبات ذلك وهما:
أولاً الحركة
يُمكن لكليهما التنقل من مكان لآخر، فالحركة هي إشارة واضحة على الكائن الحي هو حيوان إلا في حالة الإسفنجيات.
قد تقولون أن الطلائعيات والبكتيريا والعتائق جميعها قادرة على الحركة من خلال السياط والأهداب، ولكن هذه الكائنات تتألف من خلية واحدة فقط.
إن حركة الكائنات متعددة الخلايا تعتبر سمة خاصة بالحيوانات.
ثانياً الحيوانات كائنات غيرية التغذية
وهي السمة التي تشترك فيها الحيوانات، لهذا فإنها تحتاج للحركة.
تحصل الحيوانات على طاقة من خلال تناولها لكائنات حية أخرى.
فالقدرة على الحركة تساعد الحيوانات في تجنب الافتراس والبحث عن أزواج للتكاثر.
أما النباتات فيمكنها التزاوج عن طريق إطلاق بذورها في الرياح، أو من خلال الاعتماد على مساعدة الحشرات في عملية التلقيح.
ولكن لا يحدث التزاوج بهذه الطريقة بالنسبة للحيوانات البرية، ولكن بعض الحيوانات المائية تقوم بإطلاق خلاياها الجنسية في محيطها وتأمل أن يتم تخصيب الجنس الآخر.
واقرأ أيضًا عن: الانقسام المتساوي – نظرة علمية فاحصة على مراحل تطوره.. ومعلومات أخرى
التطور المتقارب
بما أن الحيوانات تحتاج أن تتحرك وتأكل فبالتالي؛ تتطور لديها بنية تشريحية تساعدها في تحقيق ذلك.
وبالطبع فإن هذه البنية التشريحية تختلف من حيوان لآخر، فعلى سبيل المثال؛ لكي نتمكن من الحركة يجب علينا وعلي العصفور أن نكون قادرين على استخدام القوة لدفع أنفسنا عن الأرض أو الهواء.
وهنا يمكنكم رؤية عصفورة تستخدم القوة لتدفع نفسها في الهواء بواسطة جناحيها مما يبقيها محلقة في الهواء.
أما في حالة سمك القرش؛ فهو يستخدم القوة لدفع نفسه إلى الأمام في الماء بواسطة الزعانف، ولكن تجدر الإشارة؛ إلى أنه على الرغم من وجود تشابه في البنية الجسدية لبعض الحيوانات مثل الزعانف أو الأجنحة أو القدمين قد يُشير إلى تشاركها في بعض الأسلاف.
ولكن يمكن أن يعني ذلك أن هذه الحيوانات قد تطورت بهذه الطريقة؛ لأن هذه البنية الجسدية هي الأنسب للوظيفة المطلوب تحقيقها.
يُطلق على هذا النوع من التطور “التطور المتقارب“.
على سبيل المثال؛ سمكة التونة والبطريق والفخمة كلها حيوانات تقضي معظم أو كل وقتها في الماء.
أحد هذه الحيوانات تنتمي إلى الأسماك والثاني إلى الطيور والثالث إلى الثدييات.
ولكن جميعها تتشارك بمجموعة من السمات المتشابهة وأبرزها هي أجسامهم الملساء المغزلية التي تسمح لها بالحركة عبر الماء بأريحية.
بالإضافة إلى الزعانف التي تدفعها.
بالطبع تمتلك هذه الحيوانات المائية ثلاث أصول تطورية مختلفة، ولكنها تطورت بشكل مستقل، وتقارب شكل أجسامها حتى أصبحت أجسامها متشابهة بهذه الطريقة؛ لأنها تعيش في نفس البيئة مما يعني أن حاجاتها ووظائفها متشابهة.
يمكن لحالات التطور المتقاربة أن تجعل الربط بين البنية الجسدية للحيوان وتاريخه التطوري أمراً صعباً بعض الشيء.
ولهذا السبب لم يهتم الكثير من العلماء في دراسة علم التشريح المقارن على أنه دليل على التطور، وأول من اهتم بهذا العلم هو توماس هنري هكسلي.
توماس هنري هكسلي
يعد توماس هنري هكسلي Thomas Henry Huxley هو أبا علم التشريح المقارن، وأبا علم الأحافير الحديث، وكان أول من توصل إلى أن الطيور تطورت من ديناصورات صغيرة آكلة لحوم، وليس ذلك مذهلاً.
ولد هكسلي في إنجلترا عام 1825 وعلى الرغم من إنه بدأ حياته المهنية كطبيب حيث عمل كجراح على سفينة في رحلة بحرية إلى أستراليا وهو في العشرينيات من عمره.
إلا أنه اهتم كذلك بدراسة اللافقاريات البحرية، وخلال رحلته كان يرسل جميع أبحاثه إلى إنجلترا، وعندما عاد إلى بلده فوجئ بأنه قد اشتهر لكونه خبيراً في اللافقاريات البحرية، وتم قبوله في الجمعية الملكية.
أقام هكسلي صداقات مع بعض العلماء الوطنيين المعروفين بما فيهم تشارلز داروين، وبعد بضع سنوات عندما أصدر داروين نظرية التطور في كتابه “أصل الأنواع” ذُكر أن هكسلي قد قال: أشعر بالغباء لأن هذه الفكرة لم تخطر ببالي، وأصبح بعد ذلك من أشد المؤيدين لداروين؛ حيث كان يلقب حينها بكلب داروين. لأنه هدد بإيذاء أي شخص يستهزئ من نظرية التطور.
علم الأحافير وعلم الأحياء
بعد ظهور نظرية التطور وبهدف تعزيزها ربط هكسلي علم الأحافير وعلم الأحياء معاً، واهتم في إيجاد أوجه التشابه بين تشريح الكائنات الحية في السجل الأحفوري.
ونتج عن ذلك الكثير من الاكتشافات المثيرة للاهتمام مثل؛ أوجه التشابه الواضحة بين أحافير الخيول التي تعود إلى ما قبل التاريخ والخيول التي تعيش في وقتنا الحاضر.
وبالإضافة إلى أوجه التشابه بين الديناصورات والطيور، ولكن لم يقتنع أحد بأفكاره المتعلقة بالتشابه بين الطيور والديناصورات لمدة مئة سنة. ومن الأدلة على قابلية توريث سمة الذكاء هو أن؛ توماس هيكسلي هو جد الكاتب الشهير ألدوس هكسلي صاحب كتاب “عالم جديد شجاع Brave New World”.
وهو أيضاً جد أندرو هكسلي الذي حاز على جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء في عام 1963.
وبما أن جميع الحيوانات تنحدر من نفس الأصل التطوري، وبما أنها تتشارك كذلك في البنية التشريحية في بعض الأحيان كما أشار هكسلي فهي أيضاً تمتلك نفس مخطط البناء الأولي؛ حيث تعمل خلايا هذه الكائنات بنفس الطريقة مهما اختلف نوع الحيوان.
أتوَد أيضًا الاطلاع على: علم التصنيف – بحث مُدقَّق وواسع المحتوى !
الأنسجة
على الرغم من اختلاف طرق الحركة وجمع الغذاء عند الحيوانات إلا أنهم بمجرد حصول هذه الحيوانات على الغذاء فإن جميع الحيوانات تقوم بتكسيره وتحويله إلى طاقة مفيدة. كما توزع المواد الغذائية على الجسم وتتخلص من الفضلات بطرق متشابهة إلى حد كبير، إلا في حالة الإسفنجيات.
كل من هذه الوظائف تنفذها مجموعة معينة من الخلايا التي تتجمع معاً في الجسم لتشكيل الأنسجة.
وهناك 4 أنواع أساسية من الأنسجة في جسم الإنسان وهي:
- الأنسجة الطلائية.
- الأنسجة الضامة.
- الأنسجة العضلية.
- الأنسجة العصبية.
النسيج الطلائي
هو عبارة عن مجموعة من الخلايا التي تتحد معاً لتكون طبقة تغطى جميع أعضاء الجسم. كما تبطن هذه الأنسجة القناة الهضمية من الداخل لمنع الأحماض والفضلات والمواد الأخرى من الخروج من المكان المخصص لها.
كما تفرز الأنسجة الطلائية سائلاً لزجاً يسمح لأعضاء الجسم بالانزلاق بجانب بعضها البعض مثل الغشاء الذي يُغلف أضلاع الجسم حتى لا تتأذى الرئة نتيجة لاحتكاكها بالأضلاع عند اتساعها وانقباضها.
الأنسجة الضامة
أما الأنسجة الضامة فتتكون معظمها من خيوط ليفية مصنوعة من بروتين الكولاجين، وهي مسؤوله عن دعم بنية الجسم، بالإضافة إلى؛ ربط الأعضاء ببعضها البعض.
ومن الأمثلة على الأنسجة الضامة؛ الطبقات الداخلية من الجلد، والأوتار والأربطة والغضاريف والعظام.
لا يتم تصنيف النسيج على أنه نسيج ضام بسبب قدرته على الربط فحسب، بل بناء على وجود نسيج بيني خارج الخلية.
بمعنى أنه لا بد من امتداد جزء من النسيج لخارج الخلية؛ ولهذا السبب يعتبر الدم والدهون من الأنسجة الضامة.
النسيج العضلي
يتكون النسيج العضلي في الغالب من نوعين من البروتينات المتخصصة وهما؛ الأكتين والميوسين اللذان يُمكنهما الانزلاق على بعضهم البعض مما يسمح بالحركة.
كما يتضمن هذا النسيج مجموعة من البروتينات الأخرى بما فيها بروتين التايتين الذي ذكرناه سابقاً.
الأنسجة العصبية
وهي مسؤولة عن توليد وتوصيل الإشارات الكهربائية عبر الجسم. يتم التحكم بهذه الرسائل الكهربائية بواسطة الأنسجة العصبية الموجودة في الدماغ.
ثم يتم نقلها عبر النخاع الشوكي إلى باقي أجزاء الجسم.
يتكون النسيج العصبي من نوعين من الخلايا:
- العصبونات: وهي التي تقوم بنقل الرسائل الكهربائية.
- الخلايا الدرقية: التي تقوم بعزل ودعم العصبونات.
تتجمع هذه الأنسجة لتكوين الأعضاء التي تؤدي وظائف مختلفة في الجسم، وتتجمع هذه الأعضاء معاً لتكوين الأجهزة العضوية.
فعلى سبيل المثال؛ تحتوي أجسام معظم الحيوانات على جهاز هضمي يتكون من؛ الفم والمريء والمعدة والامعاء والشرج.
وتمتلك الكثير من الحيوانات هيكلاً عظمياً يتكون من العظام والأوتار والأربطة والغضاريف.
وهذه الأجهزة العضوية بالإضافة إلى العديد من البُنى التشريحية المختلفة موجودة عند العديد من الكائنات الحية إلا في حالة الإسفنجيات؛ فمنذ حوالي 1.6 مليار سنة تطور كائن حي لديه جهاز هضمي وجهاز عضلي، ونتيجة لذلك يعتبر هذا الكائن هو السلف المشترك لجميع الحيوانات الموجودة حالياً، وبهذا نكون قد فسرنا لكم سبب تصنيف الإنسان وعصفورة الشوشانة ضمن المملكة الحيوانية.