لقد فضل الله بعض الشهور على بعض وفضل بعض الأيام على بعض، كذلك فضل بعض الليالي على بعض فخص ليلة القدر بالفضائل عن سائر الليالي، وميزها بمزايا لم يجعلها لغيرها، وجعلها في الفضل تكافئ ألف شهر بل خير من ألف شهر، ولعل الاحتفاء بتلك الليلة المباركة وانتظارها من كل عام يعد سمة من سمات مجتمعنا الإسلامي، حيث أخبرنا الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة بفضل تلك الليلة وخصوصيتها كيف أن الله أعد فيها للعابدين والمتقين من الخير ما لا تصورون.
لأجل ذلك فإن العالم الإسلامي بأسره يترقب قدوم ليلة القدر ويتحراها في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم كل عام، ومن ثم فإن معرفة ما ورد من علامات تلك الليلة والأمارات التي تدل عليها يعين المسلمين على معرفتها ومن ثم احيائها بالطاعة والصلاة والقيام وقراءة القرآن والدعاء والذكر وفعل الخير.
وهنا سوف يدور حديثنا حول علامات ليلة القدر وما ورد فيها من الأثار النبوية التي تؤكد تلك العلامات ودلالتها على ليلة القدر، وما يتعلق بهذا المحور الهام، فتابعو مقالنا، عسى الله أن يوفقنا ويوفقكم أعزاءنا القراء إلى تلك الليلة المباركة فيصيبنا ويصيبكم خيرها فنكون بإذنه من السعداء.
علامات ليلة القدر
يبدوا أن حرص المسلمين على ليلة القدر وتعلقهم بها وتعليق آمالهم عليها وانتظارها بلهفة، دفع البعض إلى المغالاة والمبالغة في الحديث عنها والتكهن بعلاماتها، فبات العالم يتداول بعض العلامات غير الصحيحة والتي لم يثبت منها شيء بالقرآن الكريم ولا بالسنة النبوية المطهرة، وما أكثرها.
بعض ما يتداوله الناس من العلامات غير الصحيحة لليلية القدر
يردد الناس بعض العلامات والتي لم تثبت صحتها ولم ترد أحاديث نبوية في حقيقة حدوثها أو ارتباطه بليلة القدر ومنها مثلا الادعاء بأنه في ليلة القدر تصبح مياه البحار المالحة عذبة، أو أن الملائكة تنزل وتسير في الطرقات وتصافح المؤمنون، أو أنه لا يسمع فيها أصوات الحمير ولا نباح الكلاب أو غيره.
وحتى لو توافق حدوث شيء من ذلك في ليلة ما من ليالي القدر في عام من الأعوام، فلا يعد دليلا ولا علامة عليها ما لم تؤيد ذلك السنة النبوية أو تؤكده.
علامات ليلة القدر الثابتة بالسنة النبوية
هناك عدد من العلامات أخبرنا بها النبي “صلى الله عليها وسلم” في أحاديثه الشريفة، ويجب أن نتعرف عليها ونذكر أنفسنا بها، وهي كما يلي:
اعتدال جوها
لعل من أهم علامات ليلة القدر والتي يلمسها الكثير من الناس أن ليلتها تتميز بجوها المعتدل فلا يكون حارا مزعجاً ولا بارداً قارساً، بل يكون وسطاً بين هذا وذاك، ومما أشار إلى هذا المعنى حديث ذكره الألباني في صحيحه عن رواية أبو خزيمة حيث يقول: قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” عن ليلة القدر: (ليلة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة).
خروج الشمس في صباحها بلا شعاع
من علاماتها المؤكدة أيضاً تنزل الملائكة فيها من كل أمر ومعهم جبريل عليه السلام وذلك بدليل قول الله تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)، فتحجب أجسامهم اللطيفة أشعة الشمس فتبدوا الشمس بلا أشعة في هذا الصباح، والأشعة هي خيوط الضوء التي تبدأ من عند الشمس تصل إلى الناظر إليها، ومما يدل على ذلك قول النبي “صلى الله عليه وسلم “: (صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع).
ظهور القمر فيها مثل شق جفنة
يقال أن القمر يظهر في ليلة القدر كشق جفنة ومعناه كنصف قصعة، وهذه العلامة عرفناها من حديث أبي هريرة “رضي الله عنه” الذي يرويه مسلم في صحيحه حيث يقول: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله “صلى الله عليه وسلم” فقال (أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة) رواه مسلم.
لا يرمى فيها بنجم
من الأمور التي قدرها الله في كونه أن يرمي الشياطين في الليل بالنجوم ومن ذلك ترى الشهب التي ترسل عليهم، غير أنه في ليلة القدر بالذات لا يرمى فيا بنجم، والدليل على ذلك ما رواه الطبري بإسناد حسن من حديث واثلة بن الأسقع الذي يقول فيه: قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (إنها ليلة بلجة “أي: منيرة” مضيئة، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم}، فسبحان الله العظيم وما أعظم رحماته في تلك الليلة فحتى الشياطين لا ترمى فيها!
علامات يشعر بها المؤمن
من فضله الله عز وجل أنه يؤتي المؤمن الصادق بصيرة قوية واحساس راق يتشعر ما لا يستشعره غيره، فتجد المؤمن يستدل على ليلة القدر بنفسه ودون الحاجة إلى علامات أو دلائل، حيث يشعر فيها بالسلام والسكينة والطمأنينة والإقبال على الطاعة والتوفيق إليها، فضلاً عن استشعار لذة الطاعة وحلاوتها والرغبة في الإكثار منها والتوفيق إلى الدعاء والشعور بالقبول وزيادة الرجاء والثقة فيما عند لله من الفضل، وانشراح الصدر والشعور بالراحة والسعادة.
ما رأيك بهذه المُختارات!
اللهم بلغنا ليلة القدر وارزقنا قيامها
من الرائع أن نتعرف على علامات ليلة القدر ونتحراها ولكن الأروع أن نركز على احياء ليالي رمضان جميعها، وخاصة العشر الأواخر منها، فليلة القدر لا تخرج من بينها أبدا، ومن ثم فمن أدام الصلاة والقيام وفق إليها وكان محظوظا بها بإذن لله عز وجل.