شهر رمضان المبارك هو شهر الطاعات والخيرات والإقبال على فعل الصالحات، فجميعنا ندرك خصوصية هذا الشهر الكريم وكرامته الخاصة ونعلم مضاعفة الأجر فيه، مما يدفعنا إلى اغتنامه وتجديد الطاقات فيه والإقبال على العبادات والإكثار منها وتكثيفها قدر المستطاع، فتجد المسلم منكبًا على كتاب الله يتلوه ويسابق غيره في ورد القراءة أو الحفظ، وتجده يتفقد الفقراء والمساكين وذوي الحاجة ليقدم لهم الصدقات، ويدخرها لنفسه عند لقاء الله عز وجل، تجده يجد في الصلوات على وقتها ويكثر من النوافل، فرمضان يشكل لمعظمنا دافعًا كبيرًا نحو الطاعة وعمل الخير.
ومن الأسئلة التي تشغل بال كل عابد أو زاهد أو سائر في طريق الله عز جل، هل عمله صحيح أم لا؟ وهل هو مقبول من الله أم مردود عليه؟ وقد مدح الله السائلين عن قبول أعمالهم والذين يخافون من إحباطها أو ضياعها وذهابها هباءً، فقال فيهم: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60).
والجدير بالذكر أن هناك فارق بين صحة العمل وقبوله، أما صحته فأمر واضح يسهل معرفته، فصحة العمل تتأتى مع التزام شروط الصحة ومع اتيانه موافقا لما أمر به الله عز وجل، وبينته لنا سنة رسول الله –صلى الله عليه سلم- واكتمال أركانه، ومن ثم يسهل مقارنة العمل مع الصورة والهيئة التي بينتها الشريعة ومعرفة مدى التوافق بينهما.
أما قبول الأعمال والجزاء الحسن عليها من الله عز وجل فهو امر بيد الله لا يعرفه أحد ولا يطلع عليه الخلق، لأنه مرتبط بالنوايا والإخلاص وغيره من الأمور التي لا يعلمها إلا الله عز جل، ومع ذلك فإن هناك بعض علامات قبول الأعمال ووصولها إلى الله عز وجل والتي بينتها لنا بعض مواضع القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن أهم علامات قبول الأعمال التي يقدمها المسلم بين يدي شهر رمضان المبارك ما يلي:
أهم علامات قبول الأعمال في شهر رمضان
متابعة العمل الصالح واستمراره: من العلامات الدالة على قبول الأعمال أن يوفق العبد بعد الطاعة إلى الطاعة، كما أن من علامات غضب الله عز وجل أن ييسر للعاصي الذنب تلو الذنب، ويستدرجه بالمعصية بعد المعصية، فمن آفات الأعمال الصالحة التي يقبل عليها العبد في رمضان أن يقطعها فجأة بعد انتهاء الشهر المبارك، كأن رب رمضان غير رب باقي العام.
تذوق حلاوة الطاعة ولذتها: إن من أهم المؤشرات التي تدل على توفيق الله عز وجل للعبد تقبل أعماله والرضا عنه، أن يتحول أدائه للعبادات من مجرد التزام بأوامر الله ينطوي على المشقة والكراهة ومخالفة الهوى، إلى أداءها بحب، وقد أصبح هوى المسلم موافقًا لهوى ربه، ومتعته في التزام الطاعة والقرب منه عز وجل.
كراهية المعصية والفرار منها: من اعتاد الطاعة وأخلص فيها النية لله، واستعان على نفسه بالدعاء يصعب عليه جدًا أن يعود إلى الذنوب والمعاصي بعد أن غمرت قلبه لذة العبادة وتذوق حلاوة الطاعة.
يقظة القلب وعدم انخراطه في الغفلة: الأعمال الصالة المقبولة والتي يحالفها التوفيق غالبًا ما تؤتي ثمارها وتؤثر في إصلاح ما فسد من النفس، فالصلاة مثلا متى كانت مقبولة نهت صاحبها عن الفحشاء والبغي، وكذلك قربات رمضان متى كانت مقبولة ورثت القلب يقظة وأنجته من الغفلة وويلات الانخراط فيها.
استصغار الأعمال وعدم الاغترار بها: من علامات صلاح القلب وعمار النفس بحب الله أن يستشعر المؤمن التقصير مهما قدم من العمل الصالح، ويعلم أن عمله لا يليق بجلال الله عزو جل، وإنما يرجوا قبوله بفضل الله وكرمه.
التوفيق إلى الإكثار من الدعاء والاستغفار: من ألف الطاعة وعرف أثرها ووجد ثمارها، ورزقه الله قبولها يوفق إلى كثرة الاستغفار كلما خشي وقوع نقص أو تقصير، ويوفق كذلك إلى الإكثار من الدعاء بالتثبيت على الطاعة والصلاح والتزود من القرب إلى الله عز وجل.
محبة الصالحين والبعد عن العصاة: كلما كان العبد موفقًا في طاعاته ومقبولا عند ربه عز وجل كلما استقر في نفسه الميل إلى الصالحين المتقين والعابدين، والبعد عن العصاة والغافلين، فبقرب الصالحين ينصلح الحال، وتزيد أسباب الطاعة والهداية، وتقل العثرات والزلات.
التوبة والإقلاع عن الذنب: من علامات قبول العمل الصالح، والقربات والطاعات التي يعمر بها المسلم شهر رمضان المبارك أن يوفق إلى توبة نصوحًا وبعدًا عن الذنوب.