كل شخص يستطيع الوصول إلى مرحلة النضج عمرياً وربما في الحياة بشكل عام، ولكن قلة من يعرفون النضج العاطفي أو ما يُعرف بالذكاء العاطفي.
هذا النضج يتطلب نضجاً عقلياً في المقام الأول، وتصل النساء إلى حد النضج العاطفي قبل الرجال بـ١١ عاماً كما أشارت احدى الدراسات الحديثة، ومن ثم فلا عجب في أن نرى امرأة تتحمل أخطاء زوجها المتكررة، أو أن نرى صغير السن يتحمل مسئوليات لا يتحملها كبار.
النضج العاطفي
يقول الأستاذ حسين الجهوري “مستشار تنمية بشرية وتطوير مؤسسي” أن النضج العاطفي هو أن يتقبل الشخص غيره كما هو، ويتعامل معه كما هو ليس كما يريد الشخص، لأن طبائع الناس مختلفة.
للنضج العاطفي أيضاً معنى آخر وهو أن يتكيف الإنسان مع الواقع كما هو لأن الإنسان لا يستطيع أن يجعل الواقع الذي يعيش فيه كما يريد هو مشاعرياً، لذلك فإن النضج العاطفي هو قدرة الإنسان على التكيف مع الآخرين والتعامل مع المشكلات ومع الواقع كما هو، ويتعامل بما يرضي نفسه عاطفياً.
هذا النضج العاطفي مرتبط دائماَ بالنضج العقلي، فكلما نضج الإنسان عقلياً كلما زاد نضجه العاطفي والعكس. والمقصود بالنضج العقلي هو قدرة الإنسان على أن يتوسع في مداركه وأن يطلع وتصبح له ثقافات متنوعة، وتكون له اطلاعات واسعة، ومن ثم يزداد نضجه العاطفي.
أوجُه الشّبه بين النضج العاطفي والذكاء الاجتماعي
هناك ٣ مسميات متشابهة إلى حد ما وهي:
- الذكاء الاجتماعي.
- النضج الاجتماعي.
- النضج العقلي.
أما الذكاء العاطفي فهو إطار أضيق من النضج الاجتماعي، لأنه مرتبط بالموقف الذي يمس الشّخص ذاته ولا يمس الآخرين، أي أنه يقيس مدى قدرة الشخص على التعامل مع الناس.
أما النضج الاجتماعي فهو عبارة عن المظلة الكبيرة التي تظلل الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي، لذلك فإن النضج العاطفي له ٣ مجالات أساسية هي أنه:
- يرتبط النضج العاطفي بأفكار الإنسان.
- مرتبط كذلك بقيمه.
- مرتبط بسلوكه.
إن الذكاء العاطفي مرتبط بالشخص نفسه وعلاقته الوحيدة مع الموقف الذي يتعرض له، ولكن الذكاء الاجتماعي هو قدرة الشخص على التعامل مع الآخرين ولكن قد يتكيف حينئذ الشخص مع الآخرين رغم أنه متضايق من داخله.
على الجانب الآخر، فيما يخص النضج الاجتماعي، فإن الشخص يمكنه التكيُّف مع الآخرين بقناعة داخلية من ذاته، لذلك يمكننا القول أن لكل مرحلة عمرية للإنسان لها إطار محدد من النضج العاطفي، والإطار العام لهذا النضج لعاطفي هو أن يتوافق مشاعر الإنسان وأحاسيسه وكل ما يملك مع المرحلة السنية التي يعيشها الإنسان، فكلما زاد هذا التوافق، كلما صار الإنسان أكثر نضجاً من الناحية العاطفية.
وتعرّف هنا على معنى الابتزاز العاطفي
كيف يمكن لصغار السن التمتُّع بالنضج أو بالذكاء العاطفي؟
إن أي صفة في الإنسان تكون مكتسبة بنسبة ٩٨٪، بينما ال٢٪ المتبقية هي فطرية من الله عز وجل، لذلك فإن النضح العاطفي عند الإنسان حتماً سيكون مكتسباً من البيئة التي يعيش فيها الإنسان ومن التنشئة الاجتماعية التي يمر بها في صغره.
لذلك لا نستغرب أن نرى طفلاً صغيراً يمتلك مقومات ومهارات الكبار في كيفية تعامله مع الغير بنضج أو بذكاء عاطفي حتى وإن كان هذا الذكاء أو النضج محدوداً، ونرى ذلك جلياً في الأشخاص الذين يعلمون التجارة أو من يقومون ببعض المهام الخاصة بكبار السن، وهذا دليل واضح على نضج هؤلاء الأطفال عاطفياً، وبالتالي فإن النضج الاجتماعي يتولد من خلال التنشئة الاجتماعية والحياة التي نعيشها.
سابقاً في الإمارات وقبل البترول، كان آباؤنا يذهبون بأبنائنا إلى البحر للعمل وهم صغار على عمر ١٤ و١٥ سنة، ولكن الآن يخشى الآباء من خروج أبنائهم في هذا العمر الصغير للعمل، وبالتالي قلت مراحل النضج العاطفي عند هذا الجيل الحالي الذي لم يتدرب على المواقف الصعبة التي تزيد من قوة النضج العاطفي عند الأطفال أو الشباب أو من هم أكبر منهم سناً.
الفرق بين النضج العاطفي بين المرأة والرجل
إن أحدث الدراسات التي ذكرها رجل يُسمى “جونسون” تقول أن المرأة تنضج عاطفياً قبل الرجل ب١١ سنة، وذكرت الدراسة أن المرأة يبدأ نضجها العاطفي في سن ٣٢ سنة تحديداً، والرجل يبدأ نضجه العاطفي في عمر ٤٣.
قد تكون هذه الدراسة صحيحة لأن تكوين المرأة ومشاهداتها وتعاملها مع الغير من الواقع، فإننا نتوقع أن تكون المرأة ناضجة عاطفياً قبل الرجل لأنها تتحلى بصفة الصبر بدرجة أكبر من الرجل، والصبر هو أهم عنصر من عناصر النضج العاطفي، كما أن تنازل المرأة لخاطر أحد الأشخاص في مواقفها اليومية هو أكثر من الرجل، وهذا نوع واضح من النضج العاطفي عند المرأة، ومن ثم لا نجد غرابة في نضج المرأة قبل الرجل بـ١١ سنة كما ذكرت الدراسة.
الجدير بالذكر أيضاً أن دلالة صحة هذه الدراسة هو أن أوامر التكليف كلها أتت للأعمار فوق الأربعين للأنبياء والرسل منهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن الإنسان قد يتخذ بعض القرارات في الثلاثينات، ولكنه حين يصل الإنسان إلى عمر الأربعين فإنه قد يندم على هذه القرارات التي أخذها في هذه المرحلة العمرية السابقة.
إلى جانب ذلك، يعتبر البُعد العاطفي للمرأة عال بدرجة كبيرة في عمر ١٨ سنة أو ٢٠ سنة سواء تعلقت بإنسان أو تعلقت بشيء ما، ولكن بعد الثلاثين حين تخاطب المرأة فإنك تجد نظرتها تغيرت عاطفياً وتشعر أنها نضجت في مسألة العواطف والحب وما إلى ذلك، بعكس الرجل الذي يصل إلى عمر الثلاثين ولكنه يظل بعد هذا العمر مرتبط عاطفياً بشخص ما أو بشيء ما محدد، بل وتشعر أنك تحاور شخص في عمر العشرين عندما تتحدث مع صاحب الثلاثين عاماً أو فما فوق حتى يصل إلى سن الأربعين ويبدأ في النضج العاطفي.
هل يختلف النضج العاطفي بعد الزواج؟
يزيد أو يقل نضج الإنسان العاطفي بملاحظة مدى قدرة الإنسان على تحمل المسئولية، وبالتالي حين يتزوج الإنسان على عمر ٢٠ أو ٢٢ فإنه ينضج عاطفياً بدرجة أكبر من الشخص الغير متزوج على هذا العمر لأن الأول أصبح لديه مسئولية اجتماعية وزوجية جعلته ينضج عاطفياً واجتماعياً أكثر من غيره.
إلى جانب ذلك، هناك الكثير ممن يرون أن النضج يبدأ متى عرف الإنسان مسئوليته، وبالتالي يراجع قراراته، وهذا يجعلنا نعتمد على بعض الأشخاص الصغار في بعض الأمور الصعبة دون أن نلقي هذه المسئولية على عاتق الكبار لأنهم لا يتحملون المسئولية ولم ينضجوا عاطفياً بعد كما الصغار.
الجدير بالذكر أن الزواج جزء من المسئولية، والارتباط، وتغيير التفكير، والنموّ العاطفي والعقلي، وبالتالي كلما أحسست بمسئولية الزواج كلما زاد نضجك العاطفي، ولكن إن لم يشعر الإنسان بمسئولية الزواج، سيظل النضج العاطفي كما هو.
ترتبط المسئولية بشكل كلي بتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة بناءً على الطبيعة الفسيولوجيّة التي خلقنا الله عز وجل بها، ونرى في بعض الأوقات أن بعض المدراء ليس لديهم نضجاً عاطفياً، لذلك فإنك قد تتضايق في وقت ما قرارات مديرك في العمل لأنه لا يتميز بالنضج العاطفي.
هناك نقطة هامة تخص هذا النضج العاطفي الذي نتحدث عنه وهي مدى تقبل الشخص الناضج عاطفياً للاختلاف مع الغير، لذلك عندما يختلف الزوج مع زوجته واستطاع أن يتقبل هذا الاختلاف، فإنه حينئذ يتسم بالنضج العاطفي.
وفي حالة تقبل المدير للنقد والاختلاف ممن يرأسهم، فهو في ذلك الحين ناضج عاطفياً لأنه تعامل مع الاختلاف في وجهات النظر بشكل راقي، ورأى أن لكل إنسان وجهات نظر مختلفة وآراء وسلوكيات وأفكار مختلفة عن الآخر، لذلك فإن الناضج عاطفياً لا يندم ولا يحزن ولا يغضب من أي شيء أو من أي موقف يتعرض له ويختلف فيه مع غيره.
هل يمكن الاستفادة من المواقف السلبية التي نمر بها لتحقيق النضج العاطفي؟
بالطبع يمكننا الاستفادة من المواقف السلبية التي نمر في حياتنا اليومية ونجعلها عاملاً محفزاً ودرساً نتعلم منه كيفية النّهوض مرة أخرى ومواجهة ظروف الحياة الصعبة والقاسية حتى نصل إلى مرحلة النضج العاطفي.
على الجانب الآخر، هناك الكثير من الناس يستسلمون إلى الأمور السلبية التي تحيط بهم في حياتهم وتجعلهم لا يستطيعون التحرك بعيداً عنها، ومثل هذه المواقف السلبية هي الخطر الأكبر في كيفية تحقيق أهداف النضج العاطفي في حياة الإنسان.
ومن ثم في حالة الاستفادة من تلك المشكلات والمعوقات التي نمر بها في حياتنا دون أن نقع في تلك الأخطاء مرة أخرى، فإننا حينئذ سنصل إلى النضج العاطفي والعقلي سريعاً.
وختاماً، إن الشخص الناضج عاطفياً له بعض المكونات البسيطة هي:
- القدرة على الانسجام العاطفي مع الناس.
- قدرته على فهم عواطف الآخرين.
- يمكنه تنظيم العواطف بكل سهولة.
- له القدرة الكافية على إدارة عواطفه وعواطف الآخرين من حوله.