تفاصيل الاستشارة: أعاني من سنة أو أكثر من وسواس الإمامة، حيث كنت أقوم بإمامة أصدقائي وزملائي بالعمل بشكل ممتاز قبل ذلك الوسواس، ولكن في الفترة الحالية لا أستطيع ذلك، حيث إنني أشعر بأني سأنسى الفاتحة خلال صلاتي كإمام، إذا أصروا على تقديمي كإمام.
أقرأ الفاتحة بشكل جيد ثم أكرر السورة الصغيرة التي أريد قراءتها خلال فترة قراءة المأمومين، علما بأنني لا أستطيع مجاوزة السور القصار جدا (المسد، النصر، قريش) عند بداية القراءة أتعرق ويأتيني شيء يطمس السورة أمامي وكأني لم أقرأها من قبل.
علما بأنني أكاد أكون شخصا اجتماعيا ومتكلما جيدا، وأعيش حياة نفسية واجتماعية ممتازة والحمد لله. ولكن بدأت أفقد ثقتي بقدرتي على الإمامة، وبما أنني ملتح فغالبا ما يقدمني زملائي في العمل للإمامة وأنا أمتنع بشكل مخجل.
أفرح كثيرا عندما أصلي خلف إمام ويخطئ بالقراءة وتزداد ثقتي بنفسي قائلا كل الناس ممكن أن تخطئ فلماذا أنا أخاف من الخطأ ولكن سرعان ما تعود إليّ الحالة السابقة.
ملاحظة: عندما أقف إماما بعائلتي أو أقربائي يكون الأمر شبه طبيعي.. أرجو المساعدة أو إرشادي للتغلب على ذلك.
⇐ فريق الاستشارات الصحية أجاب الاستشارة؛ فأوضح: أخي العزيز، نرحب بك وبالرد على استشارتك التي يجيب عليها د. محمد المهدي «رئيس قسم الطب النفسي -كلية طب دمياط- جامعة الأزهر» بالآتي:
أخي الحبيب، لقد بدأت معك المشكلة بأفكار تقتحم وعيك رغما عنك، ثم زاد عليها إعادة التأكد من كل شيء ومحاولة استعادة كل التفاصيل بشكل مرهق.
ولا شك أنك عانيت وتعاني من هذا المرض المراوغ العنيد؛ فالوسواس القهري هو أحد الاضطرابات المصنفة تحت قائمة القلق النفسي؛ وذلك لأن القلق يشكل عنصرا أساسيا فيه حيث تقتحم الوعي أفكار غير منطقية وتلح بشكل يثير القلق والاضطراب ويحاول الشخص استبعادها من وعيه ويبذل في سبيل ذلك جهدا شديدا ولكنها لا تكف عن المعاودة.
والوسوسة تحمل معنى الإلحاح الثقيل وأحيانا تؤدي إلى أفعال قهرية (يرغم الشخص على فعلها) تكون وظيفتها تخفيف حدة القلق الذي يشعر به الشخص حيال الأفكار الوسواسية.
وللوسواس القهري أسباب بيولوجية وأخرى نفسية.
أما الأسباب البيولوجية فتتلخص في:
- وجود عوامل جينية تهيئ الشخص للمرض: ففي نسبة من الحالات نجد أن هناك بعض أفراد العائلة لديهم أنماط وسواسية في التفكير والسلوك أو لديهم وسواس قهري فعلا.
- اضطراب على مستوى الناقلات العصبية في المخ وخاصة مادة السيروتونين حيث تنقص هذه المادة في مخ المصابين بالوسواس القهري.
أما الأسباب النفسية فهي (من وجهة نظر التحليل النفسي) تتمثل في التثبيت عند المرحلة الشرجية من مراحل النمو النفسي، وهذا التثبيت يعطي سمات الحرص الشديد لدى الوسواسي وسمات القبض على الأشياء وسمات العناد وسمات التردد وسمات الاجترار، وكل هذه السمات يرى التحليليون أن الطفل يكتسبها من خلال صراعه مع الأم حول السيطرة على عملية الإخراج إبان المرحلة الشرجية من النمو النفسي.
والوسواس القهري يختلف عن وسوسة الشيطان؛ فالأول مرض نفسي معروف ويحتاج لعلاج لأن الإنسان لا يستطيع دفعه عن نفسه بمفرده؛ نظرا لإلحاحه الشديد وتمكنه من الإنسان، أما الثاني فيسهل دفعه بالاستعاذة والاستغفار.
وقد فرق بعض علماء المسلمين الأوائل مثل أبي زيد البلخي بين وسوسة الشيطان والوسواس القهري.
وبما أن الوسواس القهري مرض نفسي معروف وله آلياته المرضية وأسبابه المعروفة؛ لذلك يجب أن يخضع المريض به للعلاج، وأي محاولة للتغلب عليه بدون علاج تؤدي إلى إرهاق المريض وشعوره باليأس؛ لأن الوسواس أشبه بخصم عنيد كلما وجهت إليه لكمة زاد استفزازه وعدوانه، والحل هو أن نضعف قوة هذا الخصم العنيد بالعلاجات المعروفة ثم نطلب من المريض بعد ذلك أن يتبع إستراتيجيات المقاومة اللازمة.
أما إذا تصورنا نحن أو تصور المريض أنه قادر على التغلب على الوسواس وحده دون مساعدة علاجية فنحن واهمون.
والعلاج يتلخص في التالي:
- علاج دوائي: باستخدام مانعات استرداد السيروتونين النوعية (ماسا) SSRIS، وهي مجموعة من الأدوية الحديثة نسبيا والتي تؤدي مع استخدامها بجرعات مناسبة ومتزايدة إلى إضعاف شدة الوسواس بحيث يصبح الشخص قادرًا على مواجهته وهزيمته. وهي بالإضافة لذلك تقلل من أعراض القلق والاكتئاب المصاحبة للوسواس والمدعمة له. ويستخدم العلاج لمدة تتراوح من 6 أشهر إلى سنة وأحيانا أكثر حسب شدة المرض وإزمانه.
- علاج معرفي سلوكي: وهو عبارة عن تصحيح أخطاء معرفية وسيطرة على الأفكار الذاتية التلقائية وبرنامج للسيطرة على الأفعال القهرية، ويتم هذا البرنامج على يد متخصص في العلاج النفسي ويكون ضمن فعالياته واجبات منزلية يقوم بها المريض لتزيد قدرته على المواجهة المنظمة والواقعية للوساوس والأفعال القهرية.
وللمزيد من المعلومات حول هذا المرض أنصحك بقراءة كتاب “الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي” للأخ العزيز الدكتور وائل أبو هندي إصدار عالم المعرفة -يونيو 2003، وهو من أفضل وأشمل ما كتب في العربية عن الوسواس القهري.
وأخيرا ندعو لك ولكل من ابتلي بهذا الوسواس بالشفاء التام، ولحين حدوث الشفاء نسأل الله أن يجعل معاناتك من هذا المرض في ميزان حسناتك.