ما هو تثبيت الفقرات؟
قال “د. طارق حمدي” استشاري جراحة المخ والأعصاب عن تثبيت الفقرات الأصل في الفقرات هو الحركة، نتيجة لارتباط نشاط الإنسان عموما كالمشي والجري والنوم والوقوف والجلوس بحركة في العمود الفقري، فخلق الله العمود الفقري وما يحتويه من عضلات وغضاريف وخلافه لسهولة الحركة، فهو الجزء العَظمي الديناميكي الوحيد في الجسم المختلف عن باقي العظام.
فالعمود الفقري ليس عظمة واحدة ترتبط مع عظام أخرى، بل هو جهاز كامل يتكون من فقرات، ترتبط هذه الفقرات فيما بينها بغضاريف ومفاصل وأربطة، بل ويمكن اعتبار المسافة بين الفقرة والأخرى بما تشمله من عناصر جهاز كامل مستقل بذاته، مما سبق يتبين أن الأصل في هذا الجهاز ومكوناته هو الحركة.
أما تثبيت الفقرات فهو منع تام لحركتها تحت وطأة الضرورة، حيث تحولت حركتها الطبيعية من الإفادة إلى الضرر والتعب والألم والضغط على الأعصاب، حيث يُتخذ القرار بتثبيت الفقرات فور تفاقم الألم نتيجة حركتها أو أن هذه الحركة يصاحبها ضغط على الأعصاب.
ما هي حالات تثبيت الفقرات؟
أصعب حالات التثبيت هي حالة كسور أو اختلال في الفقرتين الأولى والثانية نظرا لارتباطهما بالمخ والنخاع الشوكي وما شابه، وهما الفقرتين المحمول عليهما الدماغ بالكلية، وقد نلجأ إلى تثبيت الدماغ نفسها في العمود الفقري ومنع صور دورانها يمينا ويسارا ولأسفل ولأعلى وبالتالي منع الحركة تماما ونهائيا. لتحقيق وحدة العمود الفقري.
فديناميكية عملية التثبيت هي إلغاء الوظائف الحركية للفقرة صاحبة المشكلة، فعلى سبيل المثال حال حدوث كسر في الفقرة الثالثة نقوم بتثبيت الفقرة الثانية في الفقرة الرابعة وعليه تتوقف الفقرة الثالثة عن أداء وظيفتها تماما كأنها غير موجودة من الأساس وذلك لمنع تفكك وحدة العمود الفقري فلا يصبح منقسم إلى وحدتين الفقرة الأولى والثانية وحدة مستقلة ومن الرابعة إلى آخر الفقرات وحدة أخرى.
من هنا كانت عمليات تثبيت الحركة هي الخيار الأخير للمرضى الذين قد تحدث لهم مضاعفات وتدهورات صحية أكبر حال استمرار حركة العمود الفقري على سابق عهدها.
من حالات التثبيت في العمود الفقري أيضا الغضروف العنقي، خاصة عند وجود كسور بهذه الفقرات العنقية نتيجة السقوط من أعلى أو حمل أوزان على الرأس، فتصميم عظام العمود الفقري تختلف عن باقي عظام الجسم، فهي ليست عظام طويلة ثابتة، بل هي أشبه بصندوق صغير يحتوي على الإسفنج، فعند حمل أوزان ثقييلة على الرأس يحدث ما يسمى الكسر الإنضغاطي، والناتج عن الضغط الشديد على عظام العمود للدرجة التي انضغطت معه الفقرة وأصبحت أصغر حجما وارتفاعا.
وهو الحاصل بشكل مُلاحظ عند كبار السن نظرا لهشاشة العظام، فتُمثل الحركات المفاجئة لهم ولو كانت بسيطة ضغطا على عظام العمود الفقري قد يصل للكسر. وقد يتم التثبيت من الأمام أو من الخلف، وقد يتم بمسامير وشرائح وأسلاك وعظام على حسب طبيعة الحالة المرضية، ونلجأ للتثبيت هنا لإزالة الألم وتخفيف الضغط على النخاع الشوكي.
من حالات التثبيت كذلك التزحلق الفقاري، وهو مختلف تماما عن الإنزلاق الغضروفي، ويُعرف بانفصال فقرة عن أختها بالكلية نتيجة لحدوث شرخ عند مفصل الفقرة فتبدأ معها في الإنفصال عن التي تليها.
وبالرغم من سلامة جسم الفقرة نفسه إلا أن الشرخ الحاصل في الجزء الرابط بينها وبين المفصل الخاص بها يؤدي إلى زحزحتها من مكانها وتفاقم المشاكل. وتشبه أعراض التزحلق الفقاري إلى حد بعيد أعراض الغضروف، والمتمثل في آلام الظهر والأرجل، ويرجع ذلك إلى أن إزاحة الفقرة من مكانها الطبيعي يحدث معه الاحتكاكات المسببة للألم، ليبدأ مع هذه الإحتكاكات الضغط على الأعصاب، وتتناسب شدة الضغط على الأعصاب مع مسافة التزحلق، فالتزحلق الفقاري على أربعة درجات يزداد بزيادتها الضغط على الأعصاب ويقل بقلتها، هذه الدرجات مقسمة كالتالي:
• الدرجة الأولى: وهي تخطي ربع جسم الفقرة.
• الدرجة الثانية: وهي تخطي الربع الثاني والوصول لنصف جسم الفقرة.
• الدرجة الثالثة: وهي تخطي الثلاثة أرباع.
• الدرجة الأخيرة: وهي تخطي مسافة جسم الفقرة بالكامل.
عمليات تثبيت الفقرات في العمود الفقري
من الأمثلة السابقة يتضح لنا أن عمليات تثبيت الحركة ليس منوط بها وضع المسامير والشرائح لوقف الحركة فقط، لكن الأساس الأول هو تسليك الأعصاب وراحتها، فهي جراحة أعصاب بالأساس.
نبدأ أولا بإزالة العظام الضاغطة، والتي نستخدمها فيما بعد في التثبيت.
نقوم بإدخال المسامير، باستخدام جهاز الـ (Image) يبين لنا طريقة دخول المسمار في الفقرة، فنقوم بتحديد مكان دخوله وتهيئته بطريق مفتوح لدخول المسمار من خلال عمود الفقرة الجانبي، حيث يتم دخوله في عظام كاملة للابتعاد عن الأعصاب نهائيا، وعند وضع المسامير نكون قد قمنا بتثبيت كل فقرة بالفقرة السابقة لها واللاحقة.
يتم تجهيز جانبي الفقرات لوضع العظام التي ستقوم بإلتحام الفقرات مع بعضها، فالمسامير تقوم بتثبيت مؤقت للفقرات لحين إلتحام العظام الموضوعة على جانبي الفقرات – وتجدر الإشارة إلى أننا لا نقوم بإزالة المسامير بعد إلتحام العظام -.
هذه الكيفية هي الأكثر استخداما مع مرضى التزحلق الفقاري والكسور.
توجد طريقة ثانية أسرع وأخف تستخدم مع حالات معينة وهي ما يطلق عليها انتفاخ الفقرة، ففي حالة انضغاط الفقرة وقلة حجمها وارتفاعها، ندخل بجهاز خاص لنفخ الفقرة واستعادة حجمها الطبيعي بمادة تشبه الكتلة الأسمنتية للحفاظ وتثبيت حجم الفقرة.
وهذه الطريقة تتم من خلال الجلد دون الحاجة للتدخل الجراحي، حيث يتم تحديد مكان دخول جهاز النفخ والحقن داخل الفقرة طبقا للصورة المعطاه من جهاز الـ (Image)، وبعدها تبدأ عملية الحقن لاستعادة الحجم الطبيعي للفقرة.
ويتوقف اختيار طريقة التثبيت المستخدمة على طبيعة عظام الحالة المرضية والسن وحالة المريض الصحية من حيث الأمراض الأخرى، ففي بعض الحالات لا يصلح معها استخدام المسامير نظرا لهشاشة العظام ورقتها، أو لا نستطيع تخدير المريض لظروف مرضية أخرى. لذلك نلجأ للطريقة الثانية للحصول على نفس النتيجة دون التدخل الجراحي. وإن كانت الطريقة الثانية تحتاج لمجموعة من الاشتراطات الواجب توافرها، كعدم وجود تنفيس بالفقرة نفسها مما يحدث معه خروج المادة المحقونة منه، أن تكون الفقرة منضغطة فعليا، أن يكون الإطار الخارجي للفقرة مازال محتفظ بقوته وتماسكه وسلامته. وآخر طرق التثبيت وهي أحدثهم، هي تثبيت الفقرات بجهاز شبيه بالمنظار، حيث نستغني عن الفتح الجراحي ولا نحتاج إلا إلى ستة فتحات فقط لا تتعدى 1 سم، وعن طريق الفتحات تدخل المسامير بواسطة هذا الجهاز الذي يقوم بتهيئة مكان دخول المسمار أولا ثم يوضع فيه المسمار للدخول في المكان المهيء والمُعد له، لتأتي بعد دخول المسامير المرحلة الأخيرة من التثبيت وهي دخول القضيب المسئول عن ربط المسامير ببعضها البعض. وهذه الطريقة ذات تكلفة مادية عالية نظرا لحداثتها ودقتها.
والفارق الجوهري بين الطريقة الجراحية وطريقة المنظار الحديثة، هي أن الأولى تستخدم مع المرضى الذين يعانون مشكلات في الأعصاب، أما الثانية فنستخدمها مع المصابين بآلام الظهر فقط، حيث أننا لا نحتاج لاستكشاف أو تسليك أو إراحة العصب.
ما هي الحالات التي يُمنع فيها إجراء تثبيت الفقرات؟
مرضى هشاشة العظام لا يتم إجراء تثبيت الفقرات لهم عن طريق المسامير نظرا لضعف العظام ورقتها، الأمر الذي لا يصلح معه التماسك بين المسمار والعظم الذي سيصبح مجوفا. لذلك نلجأ لطرق أخرى كالحقن بالمواد الشبيهة بالكتل الأسمنتية أو أن يكون المسمار نفسه به فتحات تُحقن من خلالها هذه المواد فيتماسك المسمار مع العظم مع المادة المُضخة بالحقن.
الأطفال في مرحلة النمو لا نستخدم تثبيت الفقرات معهم وذلك لعدم توقف النمو.