سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى أله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد: فإن من أعظم الذنوب وأقبحها عند الله أكل المال الحرام بكل صورة أو طريقة تخالف ضوابط الشريعة الغراء، وتغاير أحكامها، فقد بينت لنا الشريعة ضوابط واضحة وقواعد وقيود ثابتة لانتقال الأموال وتبادلها بين الناس، وجميعها تنطوي على الشفافية والصدق والأمانة وكذلك التراضي وطيب النفس، أما ما عاداها من الطرق التي لا ترضي الله فهي حتما تفتقر إلى عنصر من تلك العناصر، فقد تفتقد التراضي أو الصدق فتقوم على الإكراه أو المراوغة وعدم الأمانة.
وهنا نخصص السطور القادمة لبيان عقوبة أكل المال الحرام في الإسلام، سواء في الدنيا أو الآخرة.
عقوبة أكل المال الحرام في الدنيا
إن أكل المال الحرام يدمر حياة الإنسان ويترك أثره على كل جوانبها، ويحول دون توفيق الله أو نصره ومن ذلك ما يلي:
- المال الحرام إذا ما خالط الحلال ذهب جميعهم، فقد تحل بالمال كارثة وقد يصاب العبد في صحته فتذهب كل أمواله للأطباء، وقد يتلف أبنائه فيشقى بفسادهم أو سوء خلقهم، وينزع الله من المال بركته فلا ينفع صاحبه ولا يغنيه.
- المال الحرام يحول بين العبد وبين استجابة الدعاء، فنحن نعلم أن من شروط استجابة الدعاء وقبوله أن يتحرى الإنسان مأكله وملبسه فلا يأكل حراماً ولا يلبس حراما، فإن فعل فدعائه مردود عليه، ومما ورد في هذا المعنى ما جاء في حديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ولفظه: تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا) فقام سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: يا سعد، أطب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف بلقمة الحرام في جوفه فلا يقبل منه عمل أربعين يومًا، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا، فالنار أولى به).
- يحرم آكل الحرام من قبول الأعمال لصالحة، فلا يقبل الله منه صدقة ولا زكاة ولا حج فإن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبا، وذلك مما جاء في حديث عن أبي هريرة –رضي الله عنه، ومما يؤخذ من ذلك أن أي عبادة تتضمن انفاقا يجب أن يكون من حلال خالص ولا تخالطه حرمة.
- ومن عقوبة أكل الحرام أنه أحيانا يستوجب إقامة الحد، كالسرقة والحرابة وغصب المال عنوة أو بالإكراه، ومن ذلك قول الله عز وجل: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
عقوبة أكل المال الحرام في الآخرة
أما عن عقوبة أكل المال الحرام في الآخرة فقد أخبرنا الكتاب والسنة أن الله أعد لأهل هذا الجرم عذاباً عظيماً وعقوبة كبيرة، ومن النصوص ما ذكر عقوبة أكل المال الحرام إجمالاً ولم يفصل صوره، ومنها ما ذكر عقوبة لصورة محددة مثل أكل أموال اليتامى، وأكل الربا، وغيره وهنا سنذكر بعض ما ورد من تلك العقوبات.
من الآيات الدالة على التهديد والوعيد لآكل الحرام قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا {سورة النساء: 29-30}.
كذلك منها ما يدل على عقوبة الربا قوله عز وجل: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275).
ومن التهديد الذي منى به آكل أموال اليتامى ما صرح به الله عز وجل في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).
أما ما ورد في السنة النبوية فكثير منه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان). فاتقوا الله وتذكروا يوما ترجعون فيه إلى الله، يوم لا ينفع مال ولا بنن إلا من أتى الله بقلب سليم.