يعود اقتداء الأبناء بالوالدين أو أحدهما بالدرجة الأولى لهما أو لأحدهما، فكيفما يكون الغرس يأتي الحصاد، وهي قضية تتعلق بالجوانب التربوية وتقديم صورة نموذجية لما يحب أن يجده الأبناء من مثل وقيم في والديهما اللذين ينبغي أن يكونا حذرين في تصرفاتهما وسلوكياتهما بصورة عامة حتى يسير أبناؤهما على ذات النهج الذي يرغبانه.
وهناك العديد من الشباب والفتيات لا يحبون أن يكون ولي أمره قدوة له، ويجد أحدهم حرجا كبيرا في ذلك. بحثنا هذه القضية مع هؤلاء الشباب والمختصين للوقوف على الأسباب الرئيسية، وعلاقة ذلك بما يمكن أن يكون عقوقا وعصيانا.
قدوة نسبية
“فهد. خ” طالب هندسة بإحدى الجامعات رفض فكرة أن يكون والده قدوة له، قائلا: “للأسف العديد من الشباب والفتيات يتحرج من ذلك الموضوع كثيرا، وأنا أحدهم بسبب نظر البعض إلى ذلك بأنه عقوق، وبأن النار مصير من يخالف، وبأننا أناس مجحفون، وأن التعليم والعولمة أثرت فينا كثيرا، وغيرها من حجج وبراهين ما لها موقع من الإعراب”.
وأضاف: “لا أنكر أن والدي هو من كان له الفضل بعد الله ﷻ في الوصول إلى تلك المرحلة الجامعية، وكذلك الوالدة التي سهرت الليالي ولا شيء يشغل بالها سوى أملها في حصولي على المراتب العليا حتى تتفاخر بابنها، وأنا لا أقصد أن والديّ أميان وأني متعلم، ولم أنظر من هذه الجهة في يوم من الأيام قط، ولكن عندما تعلم أن والدك قضى من عمره 15 عاما عازف “أورج” في إحدى الفرق الشعبية هل تنظر له على أنه قدوة؟ وهل تتمنى أن تصبح عازفا مثله؟ لا أبدا، ولكن لا يمنع أن تقتدي به في إحدي الخصال الطيبة إن وجد، فأنا أكتفي من والدي بصلة رحمه لأهله”.
وتقرأ هنا كذلك: أثر صلاح الوالدين في صلاح الأبناء
جرح المشاعر
ولم يخف أحمد العطاس أن مسألة القدوة حرجة جدا، ومن الصعب الحديث عنها بشكل مباشر ولكنه قدم في الوقت نفسه الوصفة المناسبة لمثل تلك الأمور، حيث قال: “من الصعب جدا أن يتقبل الوالدان فكرة أنهما ليسا بقدوة لأحدنا كشاب أو فتاة”.
وبالنسبة إلى ما يردده بعض الشباب والفتيات الذين يتحججون بكون أولياء الأمور لديهم بعض التصرفات من الصعب الاقتداء بها قال: “بالفعل هذه الحقيقة، يوجد لدى بعض أولياء الأمور تصرفات يتحرج العديد من الأبناء القيام بها، ولكن في الوقت نفسه يوجد لديهم بعض الخصال الطيبة ولو كانت خصلة واحدة فحاول أن تبين لوالديك تفاخرك بتلك الخصلة الطيبة فيهم، على سبيل المثال والدك يحب الصدقة فبيّن له أن أجرها عظيم وأنك كنت تتهاون فيها، ولكن بسببك يا والدي أصبحت أحبها كثيرا، وأبشرك تفتحت لي كثير من أبواب الخير بسببها، وكذلك من خلال الجلوس مع الوالدين ذكرهما بالماضي، ومن خلال هذا الطريق تستطيع أن تبين لوالديك وجود أشخاص تقتدي بهم وتتمنى أن تصل إلى مرتبتهم دون أن تجرح مشاعرهما”.
كذلك؛ نقرأ هنا: كلمات يجب على الوالدين تجنبها
قدوة مزيفة
عبير، 20 عاما، طالبة في المرحلة النهائية من الثانوية العامة أبدت تخوفها من مسألة القدوة وأنها بسبب العديد من القصص التي تسمعها أخذت عهدا على نفسها أن تكون حريصة في تصرفاتها حتى لو دارت الأيام وأصبحت أما تقتدي بها ابنتها، وهي مقتنعة بذلك حيث قالت: “لا تزال قصة زميلتي “فتون” في مخيلتي ولا أستطيع نسيانها رغم مرور ثلاث سنوات عن تلك القصة، فكثيرا ما كانت تردد تفاخرها بأمها، وبأنها هي من تعبت على تربيتها بسبب وفاة والدها منذ صغرها وتطمح أن تحصل على الشهادات العليا لتقدمها كعربون وفاء لأمها.
ولكن ليس كل ما تتمناه “فتون” تدركه فقد تم القبض على “أم فتون” في قضية تسببت في رميها خلف القضبان، وهاجرت “فتون” محملة بالدموع والهموم للعيش مع جدتها لأبيها حتى تبتعد عن الأنظار وربما تتناسى قدوتها المزيفة”.
الأمر بيد الوالدين
ويرى محمد عبدالرؤوف أن الوالدين هما من يستطيعان أن يجبرا أبناءهما على الاقتداء بهما أيا كانت الفروقات بينهم، فعندما تكون إنسانا محافظا على صلاتك وتسعى دائما للخير، وبارا بوالديك وذا ماضٍ طيب يشهد لك به القاصي والداني فمن المستحيل وقتها أن يتهرب ابنك من الاقتداء بك.
ويضيف: “ينطبق الحديث على الأم، ولكن عندما تقوم ببعض التصرفات المخجلة التي تراها من ناحيتها عادية، فمن المستحيل أن تقتدي بها كولي أمر، على سبيل المثال ما نشاهده من بعض أولياء الأمور من الذهاب بأبنائهم الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة والعاشرة إلى مقاهي الشيشة، هل تتخيل كولي أمر ما قمت به تصرفا حكيما؟ وهل تتوقع بأن الابن سينسى ما كنت تقوم به عندما يكبر؟ وكذلك بعض الأمهات يقمن بالغيبة والنميمة وبكل أريحية وأمام بناتهن فهل تتوقع أن تقتدي بهن بناتهن عندما يكبرن؟
فمن المفترض بأولياء الأمور أن يحسنوا تصرفاتهم قبل أن يطالبوا بالاقتداء بهم ويتحسسوا من أبنائهم.
وهنا نجِد: مزاح النبي مع الصغار «مع الأمثلة».. تعلموا أصول التربية والرفق
البغلي: اضطراب القدوة يوجب الاستشارة
الدكتور حمد البغلي بمجمع الأمل للرعاية النفسية يرى أن الوالدين هما قدوة من الأساس بحكم الفطرة، لأنه عندما يكون الشخص طفلا فمن الطبيعي أن يقلد من هو حوله والقريبين منه، وبالطبع عندما يكبر الشخص ويبدأ التواصل مع المجتمع ويرى تصرفات العديد من معلميه وزملائه وأفراد عائلته تفوق تصرفات والده، وأنهم يستحقون أن يكونوا قدوة أكثر منه، فمن الطبيعي أن يتأثر.
وهذا التأثر يختلف من شخص إلى آخر، فهناك اضطرابات نفسية وأخرى شخصية ومن الصعب شرح الحالة دون النظر إليها، ولكن أنصح من يعاني من تلك الحالات بسبب القدوة أن يتوجه إلى أقرب اختصاصي له، إذ لا بد من الاستشارة خشية من تفاقم الحالة.
الفنيسان: على الوالدين معاملة الأبناء كالأصدقاء
الشيخ الدكتور سعود الفنيسان يقول إنه من الواجب العطف على الوالدين والبر بهما مثلما أمرنا الله ﷻ في كتابه الكريم أيا كان مستواهما العلمي والثقافي؛ لأنهما يعتبران السبب الرئيسي فيما وصل له الأبناء.
والمؤمل من الوالدين أن يكونا من أصحاب المعرفة والتجربة وأن يعاملا أبناءهما كالأصدقاء متى تطلب الأمر ذلك، ولكن عندما يكون الأب أو الأم منحرفين فلا يستحق أن ينظر إليهما على أنهما قدوة له، ولا علاقة لعقوق الوالدين بذلك، مثلما يدعي البعض، ولكن يظل إنسانا عطوفا عليهما ويعاملهما بكل احترام ولطف وتقدير.
تحقيق/بقلم: بلغيث المغربي