حادثة الإفك، تلك المحنة القاسية التي القت ظلالها على بيت النبوة أطهر بيوت الخلق قاطبة، وعن المنحة التي أهداها الله لأمَته المحصنة الطاهرة، من فوق سبع سماوات، وعن الدروس المستفادة من ذلك الظلم الذي سجله التاريخ وشهد عليه القرآن الكريم.
حادثة الإفك بإيجاز
معظمنا يعرف حكاية تلك الحادثة المجحفة حيث روج بعض المنافقين اتهامًا باطلًا عن السيدة عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- فرموها بالفاحشة مع صحابي جليل، وتسرب الخبر حتى وصل لبيت النبي ووصل للسيدة عائشة- فأصابها من الهم والحزن ما أصابها، فاستأذنت النبي وذهبت إلى بيت أبيها، قضت فيه فترة من الألم والقهر لا يعلم مدى قسوتها إلا الله عز وجل، فانقطع رجاؤها من الخلق، ولم تجد منهم المعين ولا النصير، فأقبلت على ربها ترجوه وتشكوا إليه همها وحزنها مما ألم بها، وتسأله أن يكشف عنها الضر ويظهر الحق، ومن فضل الله أن استجاب لها وأنزل براءتها من فوق سبع سماوات، في قرآن يتلي إلى يوم القيامة، فقال عز وجل في سورة النور: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
أهم الدروس والعبر المستخلصة من تلك الحادثة
هناك دروسٌ وعبرٌ لا تحصى ولا تعد يمكن أن يستخلصها من يتدبر هذه القصة بتفاصيلها الكثيرة، وهنا سنذكر طرفًا من تلك العبر، ونستعين بها على فهم الحياة وخباياها، ونتعلم كيف يمكن أن يدير المسلم أزماته ويتغلب على أوجاعه، حين يعز النصير ويقل المعين، ومن أهمها ما يلي:
- أن لا أحد يعلم الغيب، ولا النبي -صلى الله عليه وسلم- فلو كان يعلم الغيب لما تحرك بالقافلة وترك السيدة عائشة -رضي الله عنها-.
- أن الإنسان مهما بلغت مكانته وطاعته وصفاء سريرته فكل هذا لا يمنع الناس من الخوض في عرضه والكلام عنه، فلم تسلم عائشة -رضي الله عنها- ولا النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكلام في عرضهم واتهامهم بما لا يليق بهم أبدا، إلا أن يتغمده الله برحمته وينجيه من ظنون الخلق وظلمهم.
- على المسلم أن يفترض حسن الظن بإخوانه، فلا يصدق كل ما يقال، بل يدافع عن عرض أخيه ويحفظ غيبته، وهذا ما فعله بعض الصحابة، فاعترفوا لعائشة بالعفة والطهر ولصفوان بن المعطل الصحابي الجليل كذلك.
- أن الأنسان قد يبلغ به الحزن والوجع مبلغا تجف معه دموعه، فلا يستطيع بكاءً ولا يملك متنفسًا، هذا ما حدث لعائشة -رضي الله عنها-.
- أن تشويه خلق الله أمر عظيم يؤثر على العلاقات ويكدرها مهما كانت قوتها، فقد أخبرت السيدة عائشة في حديثها عن تلك القصة أن النبي لم يذهب إليها ولم يقعد معها منذ سمع عنها ما سمع، حتى أظهر الله براءتها.
- أن المسلم حين يستعصي عليه أمر ويشق عليه تحمل شيء من الألم أو الانكسار فلا يجد من يمد له يد العون، فعليه أن يلجأ إلى الله عز وجل يشكو إليه ويتضرع بين يديه، موقنا أنه سيكشف عنه الضر وينجيه مما هو فيه.
- لما حدث ما حدث من ترديد الشائعات عن السيدة عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- امتنع أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن صدقة كان يعطيها لمسطح بن أثاثة وهو السبب في نشر تلك الفتنة، فعاتبه الله في ذلك وأمره أن لا يقطع الصدقة عن مسطح، وهذا يدل على أن الانسان يبتغي بعبادته وجه الله بغض النظر عن الناس وتقديرهم له أو عدم تقديرهم.
- النهي عن نشر الشائعات وترديد الكلام والأخبار بلا تثبت أو يقين، فهذا من أبشع أنواع ظلم المسلم لأخيه المسلم، أن يخوض في عرضه بلا بينةٍ ولا دليلٍ.
- بعض المحن بقدر قسوتها يكون كرم الله ونصره للإنسان، فبعد ما تعرضت له السيدة عائشة من محنة قاسية، أتاها فضل الله وخلد الله براءتها في كتابه الكريم، فتوجت السيدة عائشة بتاج العفة والطهارة والبراءة من السوء، فما أوسع عطاء الله للصالحين والصابرين.