عام الفيل هو العام الذي ولد فيه رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وكان ولا يزال من الأعوام الخالدة في تاريخ العرب لأنه يقترن في نفوسهم بذلك الحادث العجيب الذي نصرهم الله فيه على أعدائهم من الأحباش الظالمين الذين كانوا يدينون بالمسيحية وأرادوا أن ينشروا هذا الدين في جزيرة العرب بعد أن استولوا على اليمن.
كذلك فقد رأوا تقديس العرب للكعبة وسيرهم إليها في إجلال وطاعة حاملين الهدايا والهبات إلى سكانها فبدأ القائد الحبشي في بلاد اليمن – ويسمي أبرهة الأشرم – في بناء كنيسة ضخمة فخمة وبذل لها ما استطاعه من العناية حتى إنه نقل لها من قصر بلقيس أعمدة من الرخام المجزع وحجارة منقوشة بالذهب والفضة ومنابر من العاج والأبنوس ودعا الناس إلى الحج إليها فغضب العرب من ذلك وقام رجل منهم بالعبث في أثاث تلك الكنيسة.
فلما علم أبرهة بذلك أقسم ليهدمن الكعبة وجهز لذلك جيشا عظيما مزودا بفيلة ضخمة ليستعينوا بها على هدم الكعبة وإذلال أهل مكة.
أرسل أبرهة رسولا إلى سيد قريش وشريفها – وهو عبد المطلب جد الرسول ﷺ فقال له إن إبرهة لم يأت لحربكم وإنما جاء لهدم هذا البيت، فإن لم تتعرضوا له فلا حاجة له في دمائكم. فرد عبد المطلب قائلا: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة.. هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم -عليه السلام-، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه. وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه.
ثم توجه هو وأهل مكة إلى البيت الحرام وطاف به ثم تعلق بأستار الكعبة المشرفة وأخذ يدعو ومعه القوم لأن يحفظ الله بيته المحرم ثم خرجوا من مكة وتحرزوا بالجبال والشعاب ينتظرون عدل الله مع هؤلاء الطغاة الظالمين.
تحرك جيش أبرهة نحو الكعبة تتقدمه الفيلة بشكلها المهيب المخيف الذي لم تألفه العرب في حروبها، فيما عدا الفيل الأكبر – فيل أبرهة – الذي كان إذا وجهوه جهة اليمن أسرع وهرول، وإذا وجهوه جهة الكعبة وقف جامدا في مكانه لا يبرحه، وكأن الله قد ألهم هذا الحيوان الأعجم بما يخبئه له الله من خسف ونكال وهوان.
وما كان هذا الجيش القوي ليغلب أو يتراجع لولا قدرة القوي القاهر التي تجلت في هذه الآية الكبرى، إذ أرسل الله عليهم جماعات عظيمة من الطير أتتهم من كل جانب في تتابع فكانت ترميهم بحجارة من طين يابس مستحجر محرق لا تصيب منهم أحدا إلا هلك. وذعر الأحباش واستولي عليهم الرعب والذهول فحاولوا الهروب ولكنهم ظلوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك، وفي هذا قال الله ﷻ في سورة الفيل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ | أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ | وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ | تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ | فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ).
وهكذا نري أن الله ﷻ قد حمي بيته الحرام من عدوان الظالمين لأنه البيت العتيق الذي كان مصدر الهدي والنور منذ رفع إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- قواعده، وأنزل هذه السورة لتذكير أهل مكة بفضله عليهم حيث منع كيد أعدائهم عنهم وعن البيت الحرام، ولبيان مكانة هذا البيت السامية عنده ﷻ، وإنه كفيل برعايته ونصره على أعدائه كما نصر أهل مكة على أبرهة وجيشه وتثبيت المؤمنين على الحق لكي يزدادوا إيمانا مع إيمانهم وبيان أن الله سبحانه غالب على أمره.