أتدرون أننا في هذه الأيام على مَقربة من يوم عاشوراء؟ ولعلكم تسألون دوريًّا: ما فضل صيام يوم عاشوراء؟ وما حكم صيامه؟ وما الداعي لذلك؟ وما علاقة نبي الله موسى وفرعون بهذا اليوم؟.. كل هذه الأسئلة سنُجيبك عليها من خلال مقالنا هذا؛ فتابع القراءة.
سيكون الحديثُ هُنا مشتملا على الأحاديث النبوية والآيات القرآنية والقصة التي ارتبطت بهذا اليوم.
فضل الصوم
إن الصيام من أفضل الأعمال عند الله -سبحانه وتعالى-؛ ولهذا اختصه الله من بين سائر الأعمال لنفسه -جل وعلا- فقال -سبحانه وتعالى- (إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك).
في أحاديث كثيرة تدل على فضل الصيام من بين سائر الأعمال. وقد شرع الله الصيام على جميع الأمم، كما قال -تعالى- في الآية ١٨٣ من سورة البقرة (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
بيَّن -سبحانه وتعالى- في هذه الآية الكريمة أنه فرض الصيام وأنه لم يختص هذه الأُمة به، وإنما شرعه لجميع الأمم. لأنه عبادة عظيمة.
بل إن الله -سبحانه وتعالى- جعل صوم شهر رمضان أحَد أركان الإسلام؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان).
الصيام على قسمين
- صوم فرض: وهو صوم شهر رمضان.
- صوم تطوع: وذلك في أيام مخصصة من السَّنة، منها صوم ستة أيام من شهر شوال، ومنها صوم عشر ذي الحجة، صوم يوم عرفه لغير الحاج، ومنها صوم شهر الله المحرم؛ كما في الحديث (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله التي تدعونه المحرم).
صيام يوم عاشوراء
وآكدُ صيام هذا الشهر صيام العاشر منه، وهو يوم عاشوراء. والنبي -صلى الله عليه وسلم- صام هذا اليوم وأمر بصيامه، لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما قدِم المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم، فسألهم عن ذلك، فقالوا: يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك الله فيه فرعون وقومه، وقد صامه موسى عليه السلام، ونحن نصومه؛ فقال -صلى الله عليه وسلم- (نحن أحق بموسى منكم)، فصامه -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه.
لكنه ﷺ أمر بمخالفة اليهود في كيفية صيام هذا اليوم، فقال (صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع).
حكم صيامه
فصيام هذا اليوم، يوم عاشوراء، وصيام يوم قبله أو يوم بعده معه سُنَّة نبوية، لأنه يوم انتصار المسلمين؛ نصر الله فيه موسى وقومه على فرعون وقومه؛ فهو يوم انتصار، فصامه موسى -عليه الصلاة والسلام- شكرا لله -عز وجل-، وصامه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- شكرًا لله -عز وجل- على نصر دينه ورسوله.
وهكذا فإن النعمة تُقَابَل بالعبادة والشكر لله -عز وجل-؛ فانهزام فرعون وقومه ونُصرَةِ موسى وقومه نعمة عظيمة على المسلمين عموما في سائر الأزمان، فهم يصومونه شكرا لله -عز وجل- على هذه النعمة، وصيامه متأكد؛ سنة مؤكدة، يكفر الله به السنة الماضية كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعلى ذلك؛ فإن صيام يوم عاشوراء سنة مؤكدة، وفيه فضل عظيم وثوابٌ جزيل، فينبغي للمسلمين أن يصوموه اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- واقتداءً بهدي الأنبياء؛ كما قال -جل وعلا- في الآية ٩٠ من سورة الأنعام (أولٰئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).
فينبغي للمسلمين أن يغتنموا صيام هذا اليوم مع صيام يوم قبله أو يومٍ بعده.
وفي ذلك الثواب العظيم من الله -سبحانه وتعالى-، وفيه إحياءُ السنة النبوية، وفيه تذكر نعمة الله على المسلمين، وفيه مصالِح عظيمة.
ولا ينبغي أن يترك صيام هذا اليوم، لأن في ذلك فوات أجرٍ عظيم يمر بالمسلم، فلا ينبغي أن يفرط فيه، وأن يتواصوا بصيامه ويتعاونوا على صيامه، ويُذَكِّروا أنفسهم وإخوانهم بهذا اليوم العظيم، فهو يوم كريم، وصيامه فيه فضل عظيم وإحياء للسنة، ومشاركةٌ للمسلمين في صيام هذا اليوم.
فهذا مِما يحَثُّ عليه ومما يُرَغَّبُ فيه ويُدعى إليه.
قصة موسى وفرعون
هذا اليوم هو اليوم العاشر من شهر المحرم. قال -سبحانه وتعالى- في الآية ٩٠ من سورة يونس (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا).
لما خرج موسى -عليه السلام- ببني إسرائيل، هارِبا بهم من بطش فرعون وقومه وفتنتهم؛ الله -جل وعلا- أوحى إليه (أن أسر بعبادي إنكم متبعون)؛ فخرج موسى وقومه مُمتثلين أمر الله -سبحانه- فغضب بفرعون وخرج في أثرهم لأمرٍ أراده الله -تبارك وتعالى-.
وتوافوا عند البحر في أول النهار. قال أصحاب موسى إنا لمدركون؛ فقال كلا إن معي ربي سيهدين؛ فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم.
فمشى موسى -عليه السلام- وقومه على أرضٍ يابسة حتى خرجوا، تجاوز البحر، لم يدركهم البلل، ولمَّا تكاملوا دخل فرعون وقومه في أثرهم ليبيدهم -بزعمه-، فلما تكاملوا داخلين أمر الله البحر فانطبق عليهم وعاد إلى هيئته الأولى، فأغرقهم الله عن آخرهم، وموسى وقومه ينظرون إليهم.
أصل مشروعية صيام يوم عاشوراء
فهذا يوم نصر وعز للإسلام والمسلمين، ويقابل ذلك بشكر الله -عز وجل- وصيام هذا اليوم، فهذا هو أصل مشروعية صيام يوم عاشوراء.
وهو سُنَّة متوارثة عند المسلمين، جيلا بعد جيل، فينبغي للمسلم إحيائها كلما أدركها، فإنه يصوم هذا اليوم مع يوم قبله أو يوم بعده، طلبا للأجر والثواب، واقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وإحياءً للسنة النبوية وتذكيرًا بنعمة الله -سبحانه وتعالى- على المسلمين.
فهي مناسبة عظيمة تمر بالمسلم، وصيامه مستحبٌ ومتأكد، وهو من جملة صيام التطوع الذي شرعه الله -سبحانه وتعالى- بعد صيام رمضان. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى؛ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.