أصدر كلٌ من “مركز حملة” و”المركز العربي لتطوير العمل الإجتماعي” و”مؤسسة كفينا تلك كفينا” السويدية نتائج بحث حول ظاهرة العنف المبني على النوع الإجتماعي في شبكات التواصل الإجتماعي والإنترنت، ويُذكر أن ظواهر العنف المبني على النوع الإجتماعي انتشرت بكثرة في السنوات الأخيرة في المجتمعات، وتنوعت المظاهر بين اختراق الحسابات ونشر تفاصيل وصور شخصية وإبتزاز وغيرها العديد من الظواهر.
وتُظهر الدراسات أن واحدة من بين أربع نساء تقوم بإغلاق حساباتها والإنسحاب من الإنترنت نتيجة العنف والتحرش، وكذلك واحدة من كل ثلاث شابات وصلتهن صور وفيديوهات ذات محتوى غير لائق وجنسي.
وللحديث أكثر حول أهمية الدراسة ومقاربتها بوضعية النساء في العالم العربي نتوجه بالسؤال إلى الأستاذة “ناهد أبو طعيمة” منسقة وحدة النوع الإجتماعي بمركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت.
هل وسائل التواصل الإجتماعي مرآة تعكس ما يواجهه النساء من عنف على أرض الواقع؟
لا شك أبداً في أن الحيز الإفتراضي أصبح يُشبه إلى حد بعيد الواقع، فما تعانيه المرأة – وخصوصاً المرأة العربية – في العوالم الإفتراضية ما هو إلا إنعكاس وامتداد لما تعانيه في الواقع، فبالنظر إلى حال النساء في العالم الإفتراضي نجد أنه متماثل مع واقعهن من حيث المضايقات والتحرش والإبتزاز وغيرها من الإشكاليات.
ما أهم أسباب انتشار العنف والإبتزاز الإلكتروني؟
أكدت “أ. ناهد” على أن الدراسة المُشار إليها في المقدمة تم جزء منها على ما يعادل 1500 امرأة فلسطينية من مدن مختلفة، وأشارت تلك النسوة إلى أن أبرز أسباب انتشار تلك الظواهر المشينة تتمحور حول:
ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وهو ما يدعوهم لقضاء أوقات أطول على الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، ومع طول المدة يستدرجهم ذلك إلى الإنحراف وانتهاج السلوكيات البذيئة.
ضعف الرقابة والمحاسبة للمبتزين والمتحرشين على الإنترنت، ويرجع ذلك إلى ضعف التشريعات المُجرِّمة لمثل هذه الأفعال.
الإزدواجية التي يعاني منها بعض الشباب العربي والمتمثلة في نشرهم للفضيلة والعفة على مواقع التواصل علانيةً في حين أن نفس الشباب يقوم بالمعاكسة والتحرش والإبتزاز سراً وفي غرف الدردشة السرية.
الحيد عن الفهم الصحيح لطبيعة ودور مواقع التواصل الإجتماعي، فهي مواقع خُصصت بالأساس إلى الإنفتاح على عوالم أخرى والتعرف على ثقافتها وعاداتها، ولكن لابد وأن يتم ذلك وفق حدود فاصلة بين ما هو مقبول وبين ما هو غير مباح.
استخدام هوية مثيرة من الفتاة هي أحد أسباب التحرش، وكذلك نشر صور شخصية بلباس غير محتشم، إلى جانب الإسراف في تواجد الفتاة على المنصة الإلكترونية مع الإسراف في نشر الموضوعات والتعليقات وخلافه.
هل الرقابة التي تفرضها المنصات الإلكترونية على المستخدمين كافية للحد من إنتشار التحرش والعنف؟
قد يكون للرقابة التي تفرضها المنصات الإلكترونية على مستخدميها دور في تقليل انتشار الظاهرة أو الحد مما تعاني منه الفتيات والسيدات من اختراق لحدودهن ومضايقتهن، ولكن الأساس في الحد من الظاهرة هو الرقابة الذاتية مع الرقابة القانونية والمجتمعية.
وأضافت “أ. ناهد” قائلة: ومن خلال الأسباب المذكورة آنفاً والتي جاء ذكرها على لسان النساء اللاتي شاركن في الدراسة نجد أن السبب الأخير عبارة عن جلد للذات من ناحية النساء، حيث اعتقدن أنهن جزء من المشكلة في حين أن التفكير العملي والمنطقي يضحد هذا المعتقد، فالأصل أن الناس مهما كان جنسهم لهم مطلق الحرية بالتصرف في الجزء الخاص بهم على الفضاء الإلكتروني، وأن أي تطفل أو تحرش هو خطأ من الآخرين وإجرام منهم، وبالتالي نجد أن وجود تلك الذهنية بين الفتيات ينبأ بوجود إشكالية خطيرة في مفهوم الرقابة عند المجتمع ككل.
واختتمت “أ. ناهد” حديثها بالتأكيد على أن الحد من العنف والإبتزاز والتحرش الإلكتروني يلزمه الإعتراف بحرية الجنسين في تشارك ونشر ما يحلو لهم طالما أنه متوافق مع معتقداتهم وأفكارهم، ولن تتصحح مفاهيم التعامل بين الناس وبعضها على المنصات الإلكترونية إلا من خلال نشر الوعي عبر الحملات التوعوية وورشات العمل خصوصاً بين فئات الشباب، هذا إلى جانب إقرار التشريعات الحاسمة التي تعاقب كل من يتخطى حدوده التعاملية مع الآخرين، خصوصاً وأن النساء العربيات لا يتعرضن للإبتزاز بإرادة منهن، ولكنه في العادة يُخترق حساباتهن ومن ثَم التهديد بفضحهن، وعليه تلجأ النساء إلى الفرار من منصات التواصل الإجتماعي وهو ما يعتبر إقصاء لهن من إستعمال حقهن في طرح القضايا الخاصة بهن.