يُعدّ المشي أثناء النوم من الاضطرابات الغريبة التي قد تصيب بعض الأشخاص خلال نومهم، وتحديدًا أثناء مرحلة النوم العميق. وتكمن غرابة هذه الحالة في أن الشخص النائم يقوم بأفعال تتطلب في العادة يقظة كاملة، مثل المشي، التحدث، الجلوس على السرير، التوجه إلى الحمام، بل وفي بعض الأحيان قد يقود السيارة أو يتناول الطعام، دون أن يكون مدركًا لما يفعله.
والمثير للدهشة أن من يشاهد هذا الشخص من بعيد قد يظنه مستيقظًا، إذ تبدو تحركاته طبيعية، فيغير ملابسه، يجلس ويقوم، ويتعامل بتلقائية شديدة، وقد يتحدث بصوت عالٍ كما لو كان يخوض نقاشًا مع أشخاص غير موجودين. وفي معظم الحالات، تكون عيون الشخص مفتوحة وحدقة العين متسعة، مما يعطي انطباعًا بأنه في كامل وعيه، ولكن في الحقيقة، هو غائب تمامًا عن الإدراك.
وعلى الرغم من أن عينيه تكون مفتوحتين، فإن الشخص لا يرى من حوله بوعي حقيقي، ولا يشعر بوجود الآخرين، ولا يستطيع تمييز ملامحهم. ومن اللافت أيضًا أن بعض الأشخاص يتمكنون من تجاوز العقبات في طريقهم دون الاصطدام بها، وكأن أجسادهم تحتفظ بذاكرة حركية خفية، إلا أن حديثهم – رغم ارتفاع الصوت – يكون عادة غير مرتب وخاليًا من المعنى.
فقدان الذاكرة بعد الاستيقاظ
ما يزيد من غموض هذه الظاهرة أن الشخص لا يتذكر شيئًا مما قام به عند استيقاظه. فقد يخلد إلى النوم في سريره، ليستيقظ بعدها فوق سطح المنزل، أو في منتصف الطريق، أو داخل خزانة الملابس، دون أن يعرف كيف وصل إلى هناك. ومع مرور الوقت، يبدأ في استيعاب الموقف ويخمن أنه قد مشى أثناء نومه.
مواقف حقيقية تكشف خطورة الظاهرة
ورغم أن أغلب حالات المشي أثناء النوم تتسم بالسلوكيات البسيطة، فإن الأمر لا يخلو من خطورة. فهناك تقارير وإحصائيات تشير إلى أن كثيرًا من المصابين بهذا الاضطراب تعرضوا لإصابات خطيرة خلال تحركهم الليلي. والمفاجئ أن الشخص لا يشعر بالألم أثناء النوم، حتى وإن تعرض لجروح أو كدمات، لكنه يبدأ في الإحساس بالألم فور استيقاظه، مما يزيد من خطورة الحالة.
أحد الأمثلة الصادمة على خطورة هذه الظاهرة هو ما حدث للممثل الأمريكي مايك بيجليا، الذي حلم ذات مرة أثناء نومه في أحد فنادق واشنطن بأن صاروخًا يقترب من غرفته، فقام من فراشه – وهو نائم – وبدأ يتحرك داخل الغرفة، ثم حاول القفز من النافذة لإنقاذ نفسه. ولحسن الحظ، كانت النافذة مغلقة، وإلا لكان ذلك الحلم قد كلّفه حياته.
في حادثة أخرى، روى أحد الأشخاص تجربته قائلاً إنه غادر منزله الساعة الثانية بعد منتصف الليل وهو نائم، وخرج دون أن يشعر أحد، ثم مشى لمسافة 400 متر في شارع مزدحم بالسيارات المسرعة، ليستيقظ فجأة على صوت سيارة تزمّر له بقوة، ويجد نفسه مرتديًا ملابس المنزل وواقفًا في منتصف الطريق وقد أصيب بجروح في ساقه.
وتتعدد القصص الغريبة حول هذه الظاهرة، فهناك من يرسم أثناء نومه، وآخر يتوجه نحو البحر، وآخرون يقومون بتصرفات عجيبة دون وعي، مما يؤكد أن ما يحدث ليس خيالًا علميًا، بل واقع نابع من أسباب واضحة.
الأسباب الكامنة وراء المشي أثناء النوم
ظاهرة المشي أثناء النوم ليست نادرة، بل تُعد من الاضطرابات الشائعة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن ما بين 1% إلى 15% من سكان العالم يعانون منها، وتزداد نسبة الإصابة بين الأطفال، إذ يُقدّر أن أكثر من 20% منهم معرضون لهذا الاضطراب، إلا أن الأعراض غالبًا ما تتلاشى تدريجيًا مع التقدم في العمر.
وتتعدد أسباب هذه الظاهرة بشكل يصعّب حصرها في سبب واحد، إذ يمكن أن تنتج عن الضغوط النفسية، التعب، الاكتئاب، القلق، أو الحرمان من النوم لفترات طويلة، بالإضافة إلى اضطرابات تنظيم مواعيد النوم. كما قد تكون مرتبطة ببعض الحالات الصحية مثل الحمى، الصداع النصفي، الارتجاع المريئي، أو خلل في الجهاز العصبي المركزي.
ومن الجدير بالذكر أن تعاطي بعض الأدوية مثل المهدئات، أدوية النوم قصيرة المفعول، مضادات الاكتئاب، أو حتى تناول الكحوليات، يمكن أن يزيد من احتمالية حدوث هذه الظاهرة. أضف إلى ذلك، أن العامل الوراثي يلعب دورًا مهمًا، إذ تُظهر الدراسات أن 45% من الأطفال المصابين باضطرابات المشي أثناء النوم لديهم أحد الوالدين يعاني من نفس المشكلة، وترتفع النسبة إلى 60% إذا كان كلا الوالدين مصابين.
إجراءات وقائية للحد من الظاهرة
إذا كنت تعاني من المشي أثناء النوم، فإن أول خطوة للتعامل مع المشكلة هي تجنّب المسبّبات. بمعنى آخر، ينبغي الحصول على قسط كافٍ من الراحة خلال اليوم، وتجنّب التوتر والقلق بقدر الإمكان. كما يُنصح بممارسة أنشطة مريحة قبل النوم مثل قراءة الكتب، التأمل، أو أخذ حمام دافئ. ويجب أيضًا تهيئة غرفة النوم لتكون هادئة ومريحة.
وفي حال شككت في أن دواءً معينًا يسبب لك هذه الحالة، ينبغي التوقف عنه فورًا ومراجعة الطبيب. وإذا اضطررت إلى النوم خارج منزلك، كأن تزور صديقًا أو قريبًا، فمن الأفضل إبلاغهم أنك تعاني من اضطرابات النوم ليتمكنوا من التصرف بحكمة إذا حدث ذلك أثناء الليل.
أما إذا كنت تعيش مع شخص يعاني من هذا الاضطراب، فعليك اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية، مثل إبعاد الأدوات الحادة عن متناول اليد، وتثبيت جرس على باب الغرفة لتنبيه المحيطين إذا حاول الشخص الخروج، ووضع شبك حديدي على النوافذ لحمايته من السقوط. كما يُفضل أن تكون غرفة نومه في الطابق الأرضي، وأن يكون السرير منخفض الارتفاع.
تصحيح مفهوم شائع
وأخيرًا، دعونا نصحح مفهومًا خاطئًا شائعًا بين الناس، وهو أنه لا يجوز إيقاظ الشخص الذي يمشي أثناء نومه، لأن ذلك – كما يقال – يشكل خطرًا عليه. في الواقع، هذا الاعتقاد غير صحيح. إذ إن إيقاظ الشخص النائم خلال هذه الحالة ليس خطرًا كما يُشاع، بل إنه في كثير من الأحيان يُعدّ إنقاذًا له من مواقف قد تكون مهددة للحياة.
لذلك، إذا صادف أن رأيت شخصًا يسير أثناء نومه، يمكنك إما إيقاظه برفق وتنبيهه، أو توجيهه بهدوء نحو سريره دون التحدث معه، وتركه يكمل نومه وكأن شيئًا لم يحدث. وبعد استيقاظه، يمكنك إخباره بما جرى.
في النهاية، يبقى الوعي والمعرفة هما السلاح الأول للتعامل مع هذه الظاهرة، سواء كنت أنت المصاب بها أو أحد أفراد أسرتك، فالتصرف الصحيح يمكن أن يمنع الكثير من الحوادث والمخاطر المحتملة.