مواطن وجد طابورا طويلا أمام سوبر ماركت شهير فوقف فيه.. وبعد نصف ساعة وصل إلى الموظف وسأله إذا كانت عندهم فراخ.. نظر اليه الموظف مبتسما وقال: الفراخ في الطابق الثاني، فصعد المواطن ليجد طابورا آخر أطول من الطابور الأول.. فوقف فيه، ولما وصل إلى البائع وبعد نصف ساعة آخر قال له: عايز فراخ.. فابتسم البائع قائلا: مفيش فراخ بس ايه رأيك في النظام؟!
ولو تأملنا مجتمعنا فسنجد أن الطوابير أصبحت اسلوب حياة بداية من الوقوف لشراء لقمة العيش ومرورا بالمستشفيات والمصالح الحكومية وطلبات الوظائف.. وهذه نتيجة طبيعية للروتين والكثافة السكانية إلى جانب العشوائية وعدم الاستعانة بالتكنولوجيا في أحيان كثيرة.. ولكن، هل يتعامل الناس مع الطابور في حد ذاته باحترام أم أنه أصبح ــ حتى ولو كان منظما ـ عنوانا للفوضي؟
تجولنا بين عدد من الطوابير المختلفة والتي يقف فيها الملايين يوميا.. وهذه هي الصورة كما رصدناها تماما..
تشهد طوابير العيش زحاما شديدا من الصباح الباكر لدرجة أن بعض المواطنين يقفون على باب المخابز بعد صلاة الفجر ليحجزوا دورهم في المقدمة، والمشكلة أن هذه الطوابير لا تعرف النظام بل تسودها الفوضي والعشوائية وعدم الاحترام لدرجة أنها تتحول لما يشبه السوق الصغيرة.. وفي طابور طويل دخل مجموعة من الأشخاص الفرن وقاموا بشراء العيش بدون الانتظار في طابور مثل بقية خلق الله، فثار أحد المنتظرين في الطابور احتجاجا على مايحدث قائلا الله يخرب بيت الكوسة والمحسوبية، فين الضمير والاحترام ياناس وعندما اشتد غيظه راح يكلم المعلم صاحب الفرن وقال له أيه يامعلم هو إحنا مش زي بقية الناس دي ولا أيه ـ فرد عليه قائلا : الناس دي حبايبنا أقاربنا وعيب لما يقفوا في طابور ! بعدها حاول صاحب الفرن أن يسترضيه وأمر البائع بأن يعطيه مايريده وأقسم عليه ألا يقف في الطابور، ولم يتردد الثائر
لحظة واحدة ونسي كل كلامه وتجاوز الطابور بكل الواقفين فيه!
وفي أيام العطلات تقوم بعض الأسر بارسال أطفالها الصغار ليشتروا لهم العيش، فيقف الطفل الصغير في الطابور وبالتالي يحدث نوع من صراع الأجيال بين كبار السن والأطفال، وكثيرا ماتحدث خناقات بين طفل في سن عشر سنوات ورجل على المعاش على أحقية التقدم في الطابور.. وفي أثناء وقوفنا في أحد طوابير العيش شاهدنا موقفا طريفا.. أراد رجل على المعاش أن يتقدم على طفل واقف أمامه فمنعه الطفل فقال له الرجل ياولد لازم يكون فيه احترام وأنا رجل كبير.. فرد الولد في تحد وهو ده حق ياعم !، أما الخناقات التي تحدث بين النساء والرجال في الطابور فهي كثيرة، وفي أحد الطوابير دارت خنافة بين رجل وامرأة لعدم التزام المرأة بالطابور وقال الرجل بأعلي صوته مش كفاية متحملين الستات في البيوت.. مش ناقص كمان غير الشوارع يعني !!
ومن خلال حديثنا مع الكثيرين في طوابير العيش تباينت الآراء حول سبب تكدس هذه الطوابير بشكل دائم.. يقول عبد القادر حسين موظف : المفروض أن يكون هناك توزيع عادل للعيش بمعني أن كل واحد يأخذ بجنيه فقط، ولكن للأسف تجد من يأخذ بـ 2 جنيه أو حتى بـ 5 جنيهات مما يسبب التزاحم على المخابز.
وقد تتحول الطوابير لفسحة يومية عند كبار السن.. يقول السيد مصطفي ـ موظف سابق في وزارة التربية والتعليم : طابور العيش من أهم الطقوس اليومية التي أمارسها وأجد فيه تسلية وضياعا لوقتي كما استغل الفرصة فيه لإجراء مناقشات وحوارات مع الناس ولذلك هو عندي أفضل من الجلوس على المقاهي!
بيزنس الطوابير
طوابير العاطلين على الأرصفة والمقاهي لا تنتهي أبدا، فكل عام تتضاعف أعداد الخريجين ولضيق سوق العمل عن استيعابهم، تتحول اعلانات الوظائف الخالية لشعاع ضوء لهؤلاء العاطلين من الشباب للحصول على وظيفة مناسبة وتبدأ رحلة البحث عن وظيفة فور قراءة الإعلان والانتقال مباشرة إلى العنوان المذكور في الاعلان والذي يشهد زحاما شديدا، والمؤسف بعض الشركات تقوم باستغلال هذه الطوابير للحصول على الأموال عن طريق ملء استمارات طلب عمل بمبلغ معين وعن ذلك يحكي محمد عبد السلام ـ 27 سنة ـ قائلا : قرأت إعلانا عن طلب إحدي الجمعيات لمدرس خصوصي بمرتب 150 جنيها فقط، فتوجهت للجمعية ووجدت مئات من الشباب وكل واحد منهم يقوم بملء طلب عمل بـ 20 جنيها لحساب الجمعية، وبعد عدة أشهر لا نعلم هل تم قبول أحدنا أم أن الموضوع كله عبارة عن نصب، ولم استسلم لتجربتي الفاشلة في الاعلان الأول ولذلك خضت
تجربة الحصول على وظيفة مراقب جوي في مطار القاهرة عندما ذهبت وجدت ملف الوظيفة مقابل 75 جنيها.. وعندما سحبت الملف تعرفت على باقي الشروط وهي أنه سيتم قبول اثنين أو ثلاثة فقط وعلي المقبولين دفع مبلغ 4 آلاف جنيه تقسيطا أو كاش للحصول على تدريب مدته 9 شهور ومن لم يقبل ليس لـــه الحق في استــرداد قيمــة الملف !
هذا بخلاف الطوابير الطويلة أمام السفارات والقنصليات التي يرغب الواقفون فيها في الحصول على تأشيرة.
أما عمرو عبد الفضيل فيقول : ذهبت للتقدم لوظيفة ملحق دبلوماسي بوزارة الخارجية فوجدت خريجين من كل الجامعات المصرية والكل واقف في طابور بالتزام شديد لسحب ملف قيمته 100 جنيه.. على ألا يرد هذا المبلغ في حالة عدم القبول فجلست أحسب قيمة المبالغ المحصلة في يوم واحد فوصلت إلى 30 ألف جنيه!.
يا فرحة ما تمت!
لحظات سعيدة يشعر بها الموظف في أثناء وقوفه في الطابور للحصول على المرتب الشهري ولكن.. كم من الوقت تستغرقه هذه السعادة بالفعل؟!
يقول عبد الرحمن علي.. موظف بإحدي شركات القطاع الخاص: الشيء الوحيد الذي يشغل بالي وأنا واقف على شباك الخزينة هو كم سيتبقي في جيبي بعد دفع فاتورة الكهرباء والتليفون والمياه والدروس الخصوصية والتموين، ثم استغرق في أحلامي الصعبة والتي تتلخص في أن يكفي راتبي لاحتياجات الشهر من طعام ومواصلات وأحيانا شراء قميص جديد أو حذاء بدلا من الممزق الذي دابت خيوطه من كثرة اصلاحها!
أما محمود أبو فاضل ـ موظف في وزارة الري ـ فيقول: أتقاضي شهريا مبلغ 85 جنيها فقط لا غير، والله أنا أشعر بالكسوف وأنا واقف في طابور الانتظار وبعد أن أتقاضي هذا المبلغ المحترم أسأل نفسي: هي الفلوس دي هتكفي ايه ولا ايه..!.
تحت الأرض!
طوابير الميكروباصات والأتوبيسات مشهد معتاد لدينا أما طوابير المترو فهي تدعو للتساؤل: فإذا كان أي شخص يركب هذه الوسيلة في الأساس فذلك لتوفير دقيقة أو اثنتين حتى لا يتأخر عن العمل خاصة في الصباح ولكي يجد وسيلة أكثر راحة واحتراما، ولكن غالبا ما يحدث العكس فقد يكون ركوب الاتوبيس أسرع وأسهل وأرخص من المترو وذلك لأن بعض المحطات تشهد ازدحاما على شبابيك التذاكر لأسباب يرويها بعض المواطنين بصراحة..
تقول أميمة مصطفي: في المحطة منافذ تذاكر كثيرة ومتعددة ولكن أغلبها مغلق، فقد تجد موظفا يتحدث مع آخر منشغلا عن المواطنين، وموظفا آخر يتناول وجبة الغداء ويشرب كوبا من الشاي في اثناء أوقات عمله الرسمية وهو متجاهل تماما لأي تقدير أو احترام لمشاعرالناس.
أما محمد المالحي فيقول: وقفت في طوابير كثيرة ولكن لم أجد طابورا أكثر نظاما من طابور المترو، فالكل يلتزم بمكانه في هدوء واحترام ولعل ذلك يرجع لفخامة المكان نفسه الذي يدفعنا لاحترامه.. فالمشكلة اذن ليست في طابور المترو ولكن في عدم احترام الناس لظروف الزحام وهذا ما يتضح عند فتح باب المترو فبدلا من الدخول بنظام وفي طابور تجد حربا ضارية يخوضها الرجال والنساء معا للدخول في الوقت الذي يستعد فيه مواطنون آخرون للخروج منه.
فوت علينا بكرة!
روتين وطلبات ودمغات وأختام وإمضاءات كلها من أسباب الطوابير التي تشهدها المصالح الحكومية المختلفة، ولكن.. ماذا عن الأبواب الخلفية لهذه الطوابير؟!
يقول كريم عبد الله: المعارف والحبايب داخل الهيئات يسهلون كثيرا من الاجراءات الرسمية، بمجرد علبة سجائر أو كام جنيه أريح نفسي من الانتظار لساعتين في طابور طويل. ونحن مضطرون للقيام بمثل هذه الأساليب حتى لا تتعطل مصالحنا ونعيش عمرنا كله من طابور إلى طابور آخر!
وتقول الحاجة زينات ـ ربة منزل: آتي من منزلي لأتقاضي معاش زوجي المتوفي وأعاني أشد المعاناة فأنا سيدة كبيرة تجاوزت الخامسة والستين.. وفي يوم 10 من كل شهر أخرج من البيت من الصباح الباكر ولا أعود قبل الرابعة مساء بسبب ازدحام طوابير المعاشات.
طوابير على نفقة الدولة
في شارع مجلس الشعب وبالتحديد مكتب الصحة والعلاج على نفقة الدولة يتجمع مواطنون من كل مكان في مصر للحصول على دعم مالي لعلاجهم.. ولذلك فمن الطبيعي أن نجد طوابير لا حصر لها على منافذ تسلم الطلبات والدمغات وتقارير اللجان المختصة وغيرها، المدهش هو حالة هؤلاء المرضي أنفسهم، يقول السيد محمود عنتر: أتيت من سوهاج للحصول على تقرير من اللجنة الطبية يفيد بوجود بتر في أحد أصابعي ولكنه لا يعوقني عن القيادة. وكان من الممكن أن أحصل على هذا التقرير من المحافظة ولكن لا أعلم سر هذا الروتين كما أن التقرير نفسه ليس له أي ضرورة.
أما السيد أحمد عثمان فيقول: أتيت من بني سويف للحصول على علاج على نفقة الدولة قيمته 5 آلاف جنيه ولكني عانيت الأمرين بسبب طول الاجراءات والطوابير التي لا تنقطع فكل يوم آتي من المحافظة لكي أحصل على ختم موظف أو دمغة أو تقرير وكلها اجراءات معقدة وفي احدي المرات وأنا واقف في الطابور خرجت عن شعوري بسبب تعنت الموظفة المختصة وقمت بخنقها من رقبتها وأمسكت بملابسها فتجمع الأمن والناس وسلكوها من بين يدي بصعوبة وبعد هذا الموقف قررت أن أعتمد على واسطة وبالفعل من اتصال واحد بأحد أعضاء مجلس الشعب تم انهاء كل أوراقي في ساعة واحدة!
تحقيق: محمد شعبان
وهذه أيضًا تقارير قد تود الاطلاع قرائتها: