«أسواق قطر الشعبية.. تجد فيها الرخيص والجيد»
بدأ مؤشر نشاط الجسد في النزول، وتمرد على العمل الروتيني الذي ظل يزاوله منذ تسعة أشهر أو أكثر، معلنا حاجته لنشاط جديد ومختلف، ويكاد يهتف أنه بحاجة للإجازة الصيفية، خصوصا أن حر قطر أصبح لا يطاق.
وأصبح من الواجب عند الكثير من أهل قطر ربط الإجازة بالسفر، لكن هناك من يفضل البقاء في قطر، وهذه بعض الأسباب التي ذكروها لي:
“أجد في قطر كثيرا من الأنشطة التي أستطيع أن أمارسها خلال الصيف”، و”تكاليف السفر كثيرة من الصعب تحملها”، و”الدوحة تخلو في الصيف فتصبح الحركة أفضل”، لكن أغرب تعليق سمعته وأنا أبحث عن أسباب بقاء البعض في قطر أثناء الإجازة الصيفية هو: “الإجازة عندي أن أبقى في البيت لأمارس طقوسي الصيفية”.. توقفت عند صاحبة هذا التعليق، وتساءلت: ما هي هذه الطقوس يا سيدتي؟!
مجلات الأزياء
تعودت شراء واقتناء كثير من مجلات الأزياء، خاصة تلك التي تحمل تصاميم جاهزة “باترون”، وبين أكوام المجلات أبدأ سياحة صيفية ممتعة مع قصة البلوزة الخضراء والتنورة الكحلية، وكيف تنساب بأنوثة على العارضة، والفستان الشيفون الأحمر جميل لحفلة العشاء، وقصة السفاري الرياضية تصلح لقماش الكتان البني، وقصة الفستان البرتقالي مناسبة لشهر رمضان، تستغرق هذه الرحلة ساعات من النهار أقلب خلالها المجلات، وأتخيل تفاصيل الأزياء ومدى مناسبتها سواء للعمل، أو للزيارات والمناسبات، والقماش المناسب والكمية المناسبة لكل فستان، وبعد تحديد الأزياء التي تصلح للتنفيذ، أصنف المجلات وأفرزها حسب أولويات القص؛ حيث أقدم الموديلات الخاصة بالعمل أولا ثم موديلات المناسبات.
لا يمكن أن أتحدث عن أولويات القص، ولا أذكر الموديلات التي تخصص لشهر رمضان، فعادة أنفذ لهذا الشهر الكريم عشرة موديلات من الفساتين المريحة التي ألبسها للصلاة في المسجد، ثم أستخدمها بعد ذلك لمدة سنة كاملة، وعادة تكون أقمشة هذه الموديلات هدايا تجلب من مكة المكرمة التي تشتهر بأقطانها المعروفة عند أهل الخليج.
سوق الأقمشة علاقة حب
تشتهر قطر بكثير من أسواق الأقمشة، وحسب موقع السوق يمكنك تحديد أسعارها، لذا أفضل أسواق القماش التي تكون في قلب العاصمة، وأشهر مراكزها هي “سوق الديرة” و”العسيري” و”حرير بومباي”، وطبعا الأسعار في هذه المحال أرخص بكثير من المراكز الكبيرة.
عند دخول المحال التجارية أبدأ في تقليب الأقمشة وأحرص كثيرا على ملامستها والإحساس بها، ليس فقط ألوانها ورسومها ما يجذبني إليها، بل أمررها بين أصابعي بلطف، وأشعر بها من أعماقي حتى وكأنها تحدثني وأحدثها.
فقبل أيام لفتت نظري قطعة من قماش “الفوال” وما أن لمستها حتى سمعت الرد بأنها مناسبة للقميص الأخضر في العدد “10” موديل رقم “103”، وفي محل آخر لفت نظري قماش معروض باللون الأحمر والأبيض، طلبت من البائع أن ألمسه، فقال: هذا القماش صناعي “بوليستر”، فنفرت منه دون تردد، فأنا أعتبره قماشا ميتا.. الأنسجة الطبيعية مثل “القطن والحرير والجوت والكتان..” هي أنسجة حية أشعر بنبض الحياة في كل خلية من خلاياها، لكن الصناعي مع أن البعض يعتبره عمليا إلا أني أرفضه، فبمجرد ما تلامسه أناملي يقشعر من جموده بدني.. فالود بيننا مفقود.
رحلة المقص
لو دخلت غرفتي فسوف تجد على يمينك ركنا مخصصا لأقمشتي ومجلاتي وأدوات عملي المفضلة من مقص ومسطرة، وحينما أبدأ رحلة رسم الموديلات أفرد القماش على طاولة العمل، ويستغرق توزيع الباترون وقتا كافيا؛ لأنني أتأنى في تحديد أوفر وأفضل طريقة لقص القماش حتى لا يهدر القماش، لا تنسي أن علاقة حب تجمعني بالقماش، ثم أنتقل بين زوايا الطاولة، وأوزع القطع بسلاسة وتوافق وتوفير، وبسم الله أبدأ القص.
وبعدما أنتهي من عمليات القص أبدأ في رحلة الخياطة، في السابق كنت أقوم بالقص والتفصيل، وكانت تأخذ وقتا طويلا، لهذا أصبحت أعتمد كثيرا هذه الأيام على “أكرم الباكستاني” صاحب محل للخياطة أتعامل معه من زمن ويعرفني، خاصة أن كثيرًا من الخياطين يرفضون خياطة القطع المفصلة مسبقا، ويعتبرونها تضييعا لوقتهم، ويفضلون تفصيل وقص القماش بأيديهم.. يبدو أنهم كذلك يعانون من حب القماش.
خزانة سعيدة
ولا شك أنني أقوم بفعالية صيفية أخرى كذلك، وهي ترتيب خزانة ملابسي، فأقوم بترتيب أزيائي الجديدة والتخلص من كل ما هو قديم، أقوم بفرز وجرد الخزانة من الملابس القديمة وأوزعها على من قد يحتاجها، ثم تتجمل خزانتي بقطع الملابس الجديدة التي سعدت بشراء أقمشتها وتحديد موديلاتها وقصها.
ومع انتهاء فترة الإجازة يصدر الجسد إشارات إيجابية تفيد أنه ارتاح بهذه الطقوس الصيفية، وأنه مستعد للعودة إلى العمل، ولا شك أن السعادة تغمر القلب النابض في الجسد المختفي وراء هذه الأزياء الجميلة مع كل ابتسامة رضا وإعجاب من زميلات العمل.
بقلم: مريم آل ثاني
⇐ طالع أيضًا هذه المقالات يا رفيق الدَّرب: