«أمجد» يسأل: لديّ طفل ذكر عمره عام واحد، مشكلته أنه لغاية الآن لم يتقبل الطعام العادي، حيث إنه حتى الآن لا يتقبل سوى الحليب الصناعي ووجبات السيريلاك فقط لا غير، حيث رضع رضاعة طبيعية من أمه في الأسابيع الثلاثة الأولى، لكن يبدو أن حليب أمه لم يكن كافيًا فأوصى الطبيب بإعطائه حليبًا صناعيًّا مساعدًا، ومن يومها وهو لا يتقبل سوى الحليب الصناعي فقط، طبعًا هذا بالإضافة إلى السيريلاك.
وهو يرفض أي طعام آخر كالأرز المطبوخ، ويرفض البيض المسلوق، وجميع أصناف الطعام الأخرى باستثناء الفواكه المهروسة نوعًا ما، وإذا أجبرناه على هذه الأطعمة فإنه سرعان ما يستفرغ جميع ما أكله، مع العلم أنه يرفض هذه الأطعمة سلفًا حتى قبل أن يتذوقها، وهو أيضًا ليس كالأطفال الآخرين، حيث إنه لا يضع أي شيء في فمه، فأنا أعرف أن الأطفال في هذه السن يضعون أي شيء تقع عليه أيديهم في أفواههم إلا ابني!!
قبل فترة طلب الطبيب عمل فحص CBC دم، ووجدنا أن كل شيء طبيعي باستثناء هيموجلوبين الدم، حيث كان مقداره 8 فقط، وقام الطبيب بكتابة فاتح شهية أظن أن اسمه فركسلين أو شيء من هذا القبيل.
وبحسب الطبيب فإن هذا الدواء سيعمل على رفع الحديد، وهذا بدوره سيعمل على فتح شهيته للطعام، وحتى الآن فإن الطفل ما زال على عادته فلا يتقبل إلا الحليب والسيريلاك، وللعلم فقد مضى 12 يومًا على إعطائه فاتح الشهية.
أخيرًا.. أرجوكم أخبروني هل تشخيص الطبيب صحيح أم لا؟ وما عليّ فعله لحل هذه المشكلة؟ شاكرًا لكم مساعدتكم.
ملاحظة: وزن الطفل جيد وهو حوالي 11 كجم ونصفًا.
د. نبيل حنفي زقدان «أخصائي طب الأطفال» أجاب السائل؛ فقال: الأخ العزيز.. لقد ضربت رسالتك وترًا حساسًا ولمست سلكًا شائكًا في طب الأطفال، وبالرغم من أن المشكلة التي تتحدث عنها تبدو لكثير من الناس غير ذات بال، ولكنها في واقع الأمر من أصعب المشاكل التي تواجه أطباء الأطفال وأسر الأطفال، وكم تمنى طبيب الأطفال أن يعالج مرضًا عضالاً ولا يعالج حالة “رفض الطعام”، ذاك أن كثيرًا من الأمراض العضال لها سبب واضح وصريح، ونحن دائمًا نقول إنه إذا “عُرف السبب سهل العلاج”.
أما رفض الطعام فهو غالبًا لا يكون له سبب واضح، خاصة في سنوات العمر الأولى، وقد تتداخل فيه عوامل صحية ونفسية وتربوية وأسرية وشخصية شتى.
وفي غياب سبب طبي واضح وصريح.. يتدخل أدعياء الطب لتفسير الحالات واقتراح الحلول المناسبة، وكثيرًا ما جاءتني أمهات يطلبن توسيع “حلقوم” الطفل؛ لأن عدم أكله يرجع إلى ضيق في الحلقوم!! وآخرون يطلبون رفع سقف الحلق الساقط، وهناك الطفل ذو “المصران الملوي” والطفل ذو “المعدة المقلوبة”، وهناك مجموعة أخرى تعزي رفض الطعام إلى “العين والحسد”، وهكذا ومع غياب موقف طبي واضح وصريح تكثر الأقاويل وتتناثر الإشاعات.
والآن وبعد هذه المقدمة الطويلة العريضة.. دعني أناقش حالة ابنك بصفة خاصة فأقول: إن الطعام ليس هدفًا في حد ذاته، ولكنه وسيلة لتحقيق النمو والتطور العضوي والوظيفي للكائن الحي، ومن الأدبيات القديمة “أن الإنسان يأكل ليعيش.. والحيوان يعيش ليأكل”، فإذا كان الطفل يحقق معدلات النمو والتطور المطلوبة بأنواع معينة من الطعام وبكميات محددة من هذا الطعام.. فما المشكلة إذن؟! وهذا هو واقع الحال في طفلنا العزيز الذي يبلغ من العمر ربيعًا واحدًا فقط لا غير ويقدر وزنه -اللهم لا حسد- بأحد عشر كيلو ونصفًا.
وهذا الوزن يزيد على متوسط وزن الأطفال في السنة الأولى، ويقترب من متوسط وزن الأطفال في نهاية السنة الثانية من العمر، فلم القلق إذن؟
إن القلق الحقيقي على هذا الطفل هو من الأنيميا الملحوظة وغير المبررة، حيث إن “السيريلاك” وحليب الأطفال مهما كان نوعها كلها تحتوي على كميات كافية من الحديد؛ لذا فإني أرجو منك أن تولي موضوع الأنيميا جلّ اهتمامك.. وحسنًا فعل الطبيب المعالج عندما أعطى الطفل دواء به حديد، كما أني أضم صوتي إلى صوت الطبيب الذي قال إن هذا الدواء قد يساعد على فتح الشهية، فقد لوحظ لدينا ولدى الآخرين أن مركبات الفيتامين والمعادن قد تساهم نسبيًّا في فتح شهية الأطفال للطعام عند استعمالها لفترات طويلة نسبيًّا.
لذلك لا مانع من استخدمها لهذا الغرض، خاصة في ظلّ غياب دواء محدد يمكن استخدامه كفاتح للشهية في هذا العمر، بالإضافة -وكما أسلفنا في استشارات سابقة- إلى أن ما يسمّى بفواتح الشهية هي أدوية محدودة الفائدة إن لم تكن معدومة الفائدة في كل الأعمار.
بقي أن أقول: إنه بالرغم من كل الشرح السابق فلن يهدأ بالك حتى يأكل ابنك الخبز، والجبن، والحلاوة، واللحوم، والأسماك، والدجاج، إلى أن يصل إلى محطة الفول والفلافل والبصارة… إلخ… إلخ!! وهذا حق طبيعي لك وللابن العزيز، وإليك الآتي لعلّ وعسى: عليك أن تتحلى بالصبر، وسعة الصدر، والنفس الطويل، وأن تجعل الطفل يحس بالجوع قبل أن تقدم له الطعام، وأن تقدم له كميات قليلة من الطعام على أن تزاد تدريجيًّا، وحبذا لو استعنت بأحد إخوته الكبار -وإن كان لدي شبه يقين أن هذا هو طفلك الأول- وعلى ذلك يمكنك أن تستعين بأحد أبناء الجيران، وتقدم له الطعام أمام ابنك؛ لأن الطفل يحب أن يقلد أقرانه، ويشعر بالغيرة نحوهم، وطبعًا هذا حل مكلف ماديًّا، ولكن حلال على ابن الجيران!!
وأخيرًا.. بقي أن أقول لك وللجميع: إن الطفل كائن حي له مزاجه الشخصي، وله أن يقبل بعض الأطعمة، ويرفض بعضها الآخر، وليس شرطًا أن كل الأطفال يأكلون نفس الطعام، وكثير من الأمهات أعيتهم الحيل حتى تتقبل أطفالهم “السيريلاك” الذي يقبل عليه طفلك.
وهناك قاعدة شهيرة في كرة القدم تقول: اللي تغلب به.. العب به. هذه القاعدة صحيحة أيضا في علم التغذية فأعطى طفلك ما يتقبله من طعام بدون إجبار بشرط أن نصل في النهاية إلى طعام متوازن يفي بالغرض ويحقق المطلوب وفى النهاية لعل هذه الرسالة المطولة تكون عوضا لك لقاء صبرك علينا.
⇐ ويمكنك هنا قراءة:
مع التمنيات الطيبة لك ولابننا العزيز بالصحة والسعادة.