التنمر من المشاكل الشائعة والخطيرة في أيامنا هذه، فهي ظاهرة نعاني منها في بيوتنا ومدارسنا وملاعبنا وفي كل مكان بكل أشكالها النفسية والجسدية، وكثيراً ما نستخف بكمية الآثار السلبية التي تبقى في ذاكرة الطفل وتؤثر على صحته النفسية على المدى البعيد نتيجة تعرضه للتنمر.
ما هو التنمر؟ وإلى أي مدى يعتبر ظاهرة سلبية؟
قالت الاستشارية المشاركة في الطب النفسي للأطفال والمراهقين بمؤسسة حمد الطبية الدكتورة “منال عثمان”. التنمر هو أي سلوك عدواني أو سلوك غير مرغوب فيه ينشأ من شخص تجاه شخص آخر بغرض الإيذاء، وغالباً ما يكون التنمر سلوك متكرر، وغالباً أيضاً ما ينطوي على مفهوم اختلال القوى بين طرفيه المُتَنَمِر والمُتَنَمَر عليه.
وأضافت “د. منال” قائلة: ويمثل التنمر ظاهرة سلوكية سلبية جداً وخطيرة، ويعزز من تأثيره السلبي على المجتمعات مدى اتساع انتشاره، حيث أنه لم يصبح مقتصراً على المدارس وحسب، بل تعدَّها إلى النوادي والملاعب والشوارع، كما أن تأثيراته السلبية لا تقتصر على الطفل وفقط، بل تتمدد إلى المجتمع بشكل عام، تبعاً لواقع تلك التأثيرات على العملية التعليمية بشكل عام.
ما حجم ظاهرة التنمر حول العالم؟ وعلى من تقع مسئوليتها؟
أكدت “د. منال” على أن إحصائيات منظمة الصحة العالمية للعام 2017م أشارت إلى أن العالم يمتلك مليار طالب في أعمار التحصيل الدراسي المختلفة، وأكدت الإحصائية على أن ربع هذا العدد (أي ربع مليار طالب) يتعرضون للبلطجة والعنف والتنمر من أقرانهم.
أما مسئولية وجود وانتشار الظاهرة إلى هذه الحدود المخيفة يقع على عاتق الجميع، حيث إن الحد من هذه الظاهرة يلزمه التوعية الكبيرة والشاملة لكل عناصر العملية التعليمية بما فيها المُتَنَمِر وذويه والمُتَنَمَر عليه وذويه، ويدخل في هذا الجانب ضرورة توعية القائمين على المدرسة تعليمياً وإدارياً أيضاً.
ما أبرز أنواع التنمر؟ وهل تتساوى كلها في مخاطرها أم تتفاوت؟
تتعدد أنواع التنمر، فمنها التنمر المباشر المتمثل في الإيذاء اللفظي أو الجسدي، ويدخل في هذا الإطار العديد من الممارسات مثل الضرب أو الركل أو الشتم أو إطلاق النعوتات والأسماء الساخرة على الطفل الضعيف، وكذلك يوجد التنمر الغير مباشر وأبرز ممارساته العزل الإجتماعي والإقصاء عن المجموعة وتعمد الإستهزاء والمكايدة في الطفل الضعيف من على بُعد وليس مباشرة، ويُضاف إلى ذلك ما زاد واتسع في الآونة الأخيرة وهو التنمر الإلكتروني من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، حيث بدأ الأطفال والشباب في الإستهزاء من بعضهم من خلال إرسال الصور والألفاظ والتهديدات الغير محببة.
أما من حيث الآثار والمخاطر فإن لكل نوع من أنواع التنمر آثاره ومخاطره الخاصة، لذلك ليست كل الأنواع مشتركة في نوع وشدة الأثر الناجم عنها، حيث إن وقع الأثر السلبي جراء التنمر تحكمه الكثير من العوامل والتي أبرزها:
• طبيعة شخصية الطفل.
• مدى وجود أو عدم وجود شخص مساعد للطفل المُتَنَمَر عليه لتفادي الآثار.
• عدد مرات تكرار التنمر على الطفل.
ما هو العلاج المناسب للمُتَنَمِر؟
أشارت “د. منال” إلى أنه في العادة تتجه العائلات والمجتمعات إلى إلقاء اللوم على المُتَنَمِر ووصفه بالشرير الذي خالف قوانين المدرسة والسلوك والتعامل مع الآخرين، في حين أنه قد يكون شخص أو طفل صاحب هاجس نفسي يحتاج إلى مساعدة، ولن يؤتي أي علاج للمُتَنَمِر ثماره دون فهم الأسباب التي دفعته إلى ذلك السلوك، وفي العادة تنحصر تلك الأسباب وتتمحور حول ما يلي:
• الطبيعة السيكولوجية، والتي أبرزها الاستعداد النفسي للسلوك السلبي، وهو ما يُعرف في علم النفس باضطراب السلوك عند الأطفال، وعليه من الوارد أن يكون المُتَنَمِر مُصاب بإضطراب سلوكي يظهر في صورة عنف وعدوانية تجاه الآخرين.
• تعرض المُتَنَمِر إلى التنمر سابقاً، وهو ما جعله يتعلم أن التنمر أسلوب حياة لابد وأن يمارسه على الآخرين للدفاع عن نفسه وحفظ كرامته.
• عيش المُتَنَمِر في جو أُسري يشهد الكثير من العنف والإيذاء البدني واللفظي والنفسي، وهو ما يجعله يكتسب تلك العادة كنوع طبيعي للتواصل والدفاع عن النفس.
• كثرة استعمال المُتَنَمِر للألعاب الإلكترونية العنيفة مع تجاهل وتهاون كثير من الأهل، حيث إن تلك الألعاب تعزز ثقافة أن الغلبة يحققها الأعنف والأشد إيذاءً.
والخلاصة أن المتنمر لابد وأن تتواجد عنده الأسباب التي تحتاج إلى تدخل علاجي من المختصين لمساعدته في التخلص من سلوك التنمر الذي يمارسه على الآخرين، أي يمكن اعتباره ضحية مثله كمثل المُتَنَمَر عليه تماماً.
هل يستمر التنمر مع فاعله مدى الحياة؟
لابد وأن يُعالج التنمر بكل آثاره ونتائجه في الصغر، لأنه – على الطرفين – قد يتحول إلى سلوك ومنهج حياتي، فمع المُتَنَمِر قد يجعله شخصية سيكوباتية عدوانية، ومع المُتَنَمَر عليه قد يُكسبه اضطرابات نفسية كالقلق والإكتئاب عند الكبر، وأقلها عدم القدرة على مواجهة أعباء الحياة وضغوطاتها، وهو ما يتبعه إمكانية الإصابة بالأمراض النفسية الأخطر حتى الإنتحار.
ما هي الأخطاء التي يمارسها الأهل فتُشكل شخصية المُتَنَمِر أو المُتَنَمَر عليه؟
بحسب منحى أخطاء الأهل السلوكية والتربوية والأُسرية تتواجد لدينا شخصية واحدة من طرفي التنمر، فالعنف الأسري يعزز التنمر عند الطفل، وكذلك بناء شخصيته القوية دون ضوابط، أي أن بعض الأهالي يعتبر أن البذاءه والتناطح نوع من أنواع الشخصية القوية للطفل، في حين أنها تخلق منه شخص لا يحترم اختلاف الآخرين عنه ومن ثَم يبدأ في التنمر عليهم.
وعلى الجانب الآخر قد تتسبب القيود العنيفة في تربية الطفل إلى تشكيل شخصية ضعيفة ومهتزة ومهترأة تميل إلى الإنعزال وعدم المواجهة وتسمح بقبول التنمر عليها من الآخرين، ويظهر ذلك في الحالات العديدة التي يتكتم فيها المُتَنَمَر عليهم عما حدث معهم عن أهلهم، لكن الأولى في التربية هو إتاحة مساحة الحوار للطفل للتعبير عما بداخله وعما يحدث معه.
واختتمت “د. منال” حديثها بالتشديد على أنه ينبغي على الأهل فور شكوى طفلهم من ممارسة التنمر عليه في المدرسة أن يتعاملوا مع الشكوى بجدية تامة من خلال التواصل الفوري مع المدرسة وإدارتها لبيان ما حدث وإصلاح الأمور، وهذا يفيد أيضاً في تنبيه أهل المُتَنَمِر وعلاجه من هذا السلوك، فإن ذلك مما يدعم طرفي التنمر سلوكياً ونفسياً لأنه يعزز ثقة الأطفال في أنفسهم مع احترام الاختلاف في الآخرين.