أعلم أننا شعب ساذج، لكن لم أكن أدرك بلوغنا هذه الدرجة، وأننا مساكين لكن ليس – أيضا – إلى هذه الدرجة، وأنه من الممكن اللعب علينا لكن ليس بالاستخفاف إلى هذه الدرجة!
بعد كل يوم يمر أدرك أننا نحاول ألا نسقط من أعلى قمة في الهرم، والذي ليس موجودا حقيقة، لكننا نعتقد بوجوده، لأننا نظن بأنفسنا ما ليس موجودا أصلا، ومع كل رمضان أدرك أن الوضع متأزم جدا، وأن الحال ستبقى «من جرف لدحديرة» إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
قبل يوم أمس وصل لأمي اتصال، حدثتنا أنه قال لها إننا ربحنا مبلغ 200 ألف ريال، أقصد هي ربحت، لكن أمي هي أمنا أي نحن، ولأننا من هواة ملء الكوبونات وعدم الفوز دائما، ولأننا في وقت سابق ملأنا كوبونات لدى «الرياض جاليري» و«رمال سنتر».
حينما أبلغتنا أنها لم تفهم الحاصل، قلنا لها والفرح يتطاير من أعيننا أنه قد يكون ظهر اسمها ورقمها في أحد الكوبونات التي جميعها لم تكن إلا سحبا على سيارات، لكن ابن آدم طماع، أيضا قلنا في أنفسنا إنه لا يمنع أن تتحول السيارة إلى مبلغ نقدي.
فرحتنا تلك كانت بمثابة التعلق بالقشة التي تقول لنا: إنه سيكون لنا حظ ونصيب من المسابقات إياها، أيضا لأجيب عن أسئلة نفسي التي من عينة:
من الذي يفوز دائما بالسيارة؟ وهل فعلا هناك فائز حقيقي في مثل تلك المسابقات؟ ولماذا نشترك دائما ولا نحظى بالفوز؟
المهم رجعنا إلى الرقم الذي اتصل بها، وعاودنا الاتصال به وقد بنينا صروحا من الأحلام بأن الجائزة ستكون على أقل تقدير 100 ألف، وسنشتري بيتا كما تقترح أختي، وأنا وقتها لم أكن أفكر إلا بطريقة استلامها.. لكن، لم يكن هناك مجيب، انتظرنا أن يتصل فلم يحدث من طرفه شيء.. ولأن «صاحب الحاجة ملحاح» كما يقول المثل النجدي الشهير، قررنا معاودة الاتصال، فالـ 200 أو الـ 100 ألف تحتاج إلى تضحية، فرد الأخ الكريم، وكان «كومارا» أو محمد كما كنت أحدثه، فقلت له: أ…. قال: نعم، أنا من شركة اتصال لقد ربحتم جائزة، هل من الممكن أن تعطيني رقم حساب بنكي لكم؟!
لم أصدق خبرا وأعطيته رقم الحساب.
قال: ممكن رقم الهوية؟
علامة تعجب سقطت على رأسي، قلت: كيف؟!
خلال هذا كله كنت أفكر: أنى لإحدى شركات الاتصال أن تتبرع بـ 100 أو 200 ألف لمواطن مطحون وإن كان المبلغ لا يعني لها شيئا وتعجز عن تخفيض أسعار المكالمات، أو حتى رسوم الفواتير، وهل من المعقول أن تجعل شخصا غير عربي بلكنته العربية المكسرة – حد الانفقاع – يتصل من رقم موبايل ليزف هذه البشرى لأحد المشتركين؟!
لكن يقول المثل أيضا: الحق الكذاب لحد الباب.
وتنبهت إلى مسيو كومار «محمد» وهو يطلب مني أن يراجع معي رقم الحساب البنكي، وراجعناه معا.. وعاد وقال: سجلي رقم الجائزة ورقم الشيك.
وأنا أكتب ما يملي علي بكل انشكاح، لكني كنت أقول في نفسي إنه للمرة الأولى في حياتي أعرف رقم شيك بهذا الطول، لكن رجعت لنفسي وقلت: يا بنت كل شيء جائز في هذه الحياة.
وواصلت: محمد أروح فرع الشركة؟
– لا ، يلزمك دفع رسوم 500 ريال ليصل المبلغ إلى حسابك.
– لكن موبايلي فاتورة وليس شحن.
– نعم، تأتين بـ بطاقات شحن 50 أو 100 ما مجموعها 500 ريال وتعطيني أرقام الشحن أدخلها في جهاز الكمبيوتر وسيصل المبلغ إياه لرصيدك فورا.
– أها حسنا سأرى..
– متى ستأتين ببطاقات شحن سوا؟ بعد خمس دقائق؟!
– لا أعلم ربما غدا.
– لا، الأمر عاجل، ولكي يصلك المبلغ فورا وإلا قد يذهب لمشترك آخر.
– هل من الممكن أن يذهب لمشترك آخر؟
– نعم إن لم تسارعي بشراء بطاقات الشحن والاتصال بي.
بلكنة ساخرة:
– أها، إذا شكرا يا محمد فلست بحاجة إلى المبلغ المذكور.
– لم؟ إذا كنت لست بحاجة إليه لم تأخذين رقم الجائزة ورقم الشيك؟
– كنت أعتقد أنني المعنية بذلك وحدي، لكن إن كان الأمر كما تقول فشكرا ودعها تذهب لغيري.
وأقفلت خط الهاتف، وأنا أقول في نفسي: «لو فيه 500 ما كلمتك أصلا» إضافة إلى حسرتي على ضياع المبلغ، وأن الأمر لم يكن إلا خدعة من شخص يستغل «دباشة» البشر، وحاجتهم.
عزيزي الشرق آسيوي الذي كان على الطرف الآخر من الهاتف المحمول، أعتذر منك لأني خيبت آمالك، ولم أفرحك بما أردت، بل سرقت فرحة كنت تنتظرها كما سرقت أحلامنا بكذبتك.
عزيزي الشرق آسيوي تشرفت بسماع صوتك، تماما كما تشرفت بإعطاء رقمك لشركة الاتصالات عساها تصنع معروفا وتكف شرك عن العالمين، وهذا قد يكون أبسط شيء أقدمه للمواطنين الذين كنت ستهوي بأحلامهم.
عزيزي الشرق آسيوي إذا أردت أن تلعب لعبة كهذه مرة أخرى فاختر مبلغا أقل لأن حيلة الـ 500 لا تنطلي على الجميع .
بقلم: صبا نجد