وكأن العالم اتفق فيما بينه وبين أنحائه، أن بداية عام جديد هي حدث استثنائي رغم تكراره كل اثنتي عشر شهرا، فآثروا أن لا يتركوه يمر دون أن يبدعوا في استقباله، ويبتكرون وسائل التعبير عن كل المشاعر التي تضج بها القلوب والعقول إزاء هذا الحدث.
فمزيج من الندم والحنين والخوف والترقب والأمل، يحتل القلوب ويفرض نفسه على مسرح الساعات الفاصلة بين رحيل عام وميلاد آخر، وقد قادني الفضول إلى البحث والقراءة في طرق احتفال الناس في شتى بقاع الأرض بقدوم العام الجديد، ومما أثار دهشتي أن وجدت طرقا غريبة ووسائل عجيبة، أقل ما توصف به أنها طرائف أو لطائف في استقبال العام الجديد.
وعلى الرغم من كون تلك الطقوس بعيدة عن المنطق والعقلانية، وعارية تماما عن مفاهيم الأمل والرجاء وغيرها إلا أنها في النهاية تعكس ذلك الضجيج الرهيب الذي تمتلئ به القلوب من المشاعر المتضاربة في انتظار إقبال السنة الجديدة، فهذه المشاعر لا تخلو من حزن خفي على مرور عام واقتراب النهاية، والحزن وبعض العتب على ما منيت به القلوب من أوجاع فيه، ولا تخل من الخوف من مفاجئات العام الجديد ذلك الخوف الممزوج بقليل من الأمل، والترقب الذي تعلوه الإثارة كما لو أن العالم يشاهد فيلما سينمائياً مثيرا جدا، وقد وصل إلى ذروة الأحداث.
وهنا سوف نذكر بعض تلك الطرائف من باب المتعة والإثارة والمقارنة بين الرؤى المختلفة لنفس الحدث.
تركيا يشغلها الدقيق
من الطقوس المثيرة في احتفال تركيا بالعام الجديد هو وضع بعض الدقيق على أبواب المنازل قبل أول يوم في السنة الجديدة بحوالي أربعة او خمسة أيام، معتقدين أن تلك الطريقة وسيلة لجلب الرزق الذي يتمثل في الدقيق.
ومن الطرائف المثيرة كذلك ذلك الاعتقاد الاسطوري بأن أول شخص يقوم بجلب الماء في باكورة أول يوم في السنة الجديدة سيحظى بالثراء والوفرة، ويتمتع بسعة الرزق في هذا العام، كما يقومون بإلقاء حبات الرمان من الشرفات والنوافذ، بعد انتصاف ليلة رأس السنة كنوع من الاستقبال الحافل للسنة الجديدة.
الدنمارك، حين يرتبط الحظ بالتكسير
تتفرد الدنمارك في استقبال العام الجديد بطريقة غريبة، تستجلب بها الحظ السعيد مع ميلاد السنة الجديدة وتتخلص بها من النحس، فهم يقومون بتوفير وادخار الأواني التي لا يستعملونها، -وربما يجلبونها خصيصا لهذا الغرض- وأول ما يقومون به في ليلة رأس السنة أن يجتمع الأهل والأصحاب والمعارف ويتشاركون طقس تكسير الأواني على الأبواب، معتقدين أن هذا الأمر يجذب الحظ ويطرد النحس، وبغض النظر عن أن هذا الطقس مكلفا إلى حد ما، فهناك سؤال غريب يقفز للزهن وهو كيف يتخلصون من مخلفات الأطباق والأواني المكسرة التي تملأ شوارع الدنمارك، مع بداية كل عام؟.
البرازيل تركز على جلب الحظ
يبدو أن البرازيليين يركزن على جلب الحظ الجيد ويعتقدون أن الحظ هو عامل السعادة الأهم في الحياة، وهذا ينعكس على طريقتهم في استقبال السنة الجديدة، حيث أن من ضمن أهم لطقوس المرتبطة بهذا الحدث أنهم يقومون بالقفز على سبع موجات لجلب الحظ السعيد، ويعززون ذلك الأمر بارتداء ملابس بيضاء ناصعة متصورين أن هذا الطقس يخوف الأرواح الشريرة ويطردها، ومن ثم يمكنهم أن ينعموا بسنة جديدة مليئة بالحظ الحسن وخالية من النحس والأرواح.
استقبال الأرجنتين للسنة الجديدة، أمر مختلف
أما طريقة الناس في الأرجنتين لاستقبال السنة الجديدة فهي طريفة ومتميزة جدا، فالجميع يحرص على استقبال الساعات الأولى من رأس السنة بملابس داخلية وردية اللون، ولا أدري في الحقيقة هل حسن الحظ والتفاؤل هنا مرهون بالملابس الداخلية أم باللون الوردي؟. فضلا عن ذلك الطقس فهم يحرصون على طقس أخر أوضح قليلا في دلالته على التفاؤل والتطلع إلى الغد بأمل، فهم يقومون بتقديم الرجل اليمنى خطوة للأمام، استبشارا بعام جديد، وبأنه سيشهد تقدما نحو الأفضل.
وأخيرًا.. فإن هناك الكثير والكثير من الغرائب فيما يتعلق باستقبال الناس للعام الجديد، تختلف في تفاصيلها ولكنها تتفق في غاياتها، فالكل يبحث عن الحظ والسعادة ولكن بطريقته.
بعيدا عن تكثير الأواني أو رش الدقيق على الأبواب أو ارتداء ملابس بلون معين، اجلبوا لأنفسكم الحظ والسعادة بالتفاؤل وحسن الظن بالله وحسن التوكل عليه، وإفراغ طاقاتكم السلبية أولا بأول.