«طارق» يسأل: أنا طالب في كلية الهندسة نشأت في أسرة طيبة، والحمد لله، وعرفت الالتزام منذ صغري، وإن كان عندي من المعاصي ما لا يحصيه إلا الله ﷻ، وأدعو الله أن يغفر لنا جميعا.
أنا الآن في السنة الثالثة، وأهلي يعيشون في بلد آخر، أي أنني مغترب للدراسة، التحقت معنا فتاة في الدفعة لا أدري إن كنت أحبها أو كان ذلك إعجابا، ولكني عندما أراها يحمر وجهي -ربما لجمالها- وأحس بأني أميل إليها من داخلي، وأتمنى أن تكون لي زوجة صالحة، ولقد أثر هذا الموضوع على دراستي، حيث إنني أكثر من التفكير فيها، والمشكلة أن هذه الفتاة غير محجبة -متبرجة- تبرج الجاهلية الأولى، أي أنها تظهر شعرها وجزءا من الرقبة، وإن كانت تستر بقية جسدها, لقد دعوت لها بالهداية، ولي أمل كبير -بل أنا واثق- أن الله سيستجيب دعائي، ولا أخفيكم أني أشعر أحيانا أنها تحبني، ولكن ما الفائدة؟ فهي لا تزال غير محجبة، وإنما يشجعني على الاستمرار في الدعاء لها أن عندها من بوادر الخير ما يبشر بالهداية وما ذلك على الله ببعيد، والتوبة ليست حكرا على أحد..
لقد فكرت كثيرا في أن أكلمها وأنصحها من باب حب الهداية لها ثم حبي لها ونيتي في الزواج منها، وأستغل فرصة إن كانت هي أيضا تحبني فلربما أطاعتني وفازت بتوبة، وربما بزوج صالح، ولا أزكي نفسي على الله، والحمد لله أني حسن الخلق وذلك الفضل من الله ﷻ.
ولكن هناك نقطة أخرى، وهي أني لا أرضى لأحد أن يكلم أخواتي من الغرباء، فالشرف موجود والحمد لله، فكيف أرضى لنفسي أن أكلم فتاة لا تحل لي؟ هذا ما يجعلني أتراجع، وأقوم بتأخير الكلام كل مرة.
ثم هل أستطيع فعل ذلك أمام والدها مثلا؟ فإن كان والدها غير موجود فالله ﷻ موجود.
ثم إني سمعت آية شجعتني على الكلام معها -حسب فهمي للآية- وهي: “وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلا مَّعْرُوفًا” فهل هذه الآية تنطبق عليّ؟ وما هو الحل؟ على كلٍّ.. إن كنتم تؤيدونني في أن أكلمها فأرجو أن تخبروني؛ ولا أخفيكم أني قد اشتريت شريطا عن الحجاب لأحد الدعاة ونويت أن أعطيها إياه، وهو شريط مؤثر..
ولقد سألت أختي في ذلك الموضوع وهي متزوجة وتسكن بجواري فقالت لي: “وما ذنب الفتيات المحجبات؟ وهل أغرتك هذه بشعرها وبما تضعه على وجهها؟” فأخواتي جميعا محجبات والحمد لله – ولكنها في مرات أخرى تقول لي: “ما رأيك أن أذهب إلى أهلها وأتعرف عليها وأكلم أمها في حجاب ابنتها وفي الخطبة؟” وربما تكون هذه الفكرة هي الأفضل.
ولكن لا أخفي عليكم أن الوضع المادي لا يسمح بالزواج الآن ولا حتى الوضع الدراسي.. هذا مع العلم بأن الوالدة وأخواتي الأخريات على اطلاع بهذا الموضوع، وإني كلما سافرت إلى الوالدة أخبرتها وأخواتي بالجديد في هذا الموضوع الهام.
على كل لنفترض أنها تحجبت و… و… و… فهل أنتم ممن يؤيدون الزواج بفتاة حديثة التوبة مع أن “العرق دساس”.. أي هل لماضيها دخل في مستقبلها إن تابت وأنابت إلى الله؟ لا أدري ما رأيكم ؟.. أرجو أن تفيدوني .
الإجابـة
أخي الفاضل “طالب الجامعة” سلام الله عليك..
يعجبني أن أجد شاباً يتحدث بنَفَس إيماني حينما يتحدث عن حالة حب تحدث له، ويحرص على عدم المساس بحدود الله تعالى. ولكن لا بد يا أخي العزيز من مناقشة كل ما أوردته من أفكار في استشارتك.
فأولاً: أنت شاب طبيعي في ميولك، وما تشعر به ليس شيئاً معيباً ولا متصادماً مع الدين، فالله تعالى قد وضع فينا الميل نحو الجنس الآخر ما دمنا أسوياء ولا نملك دائماً رد هذا الميل، ولكن يمكننا السيطرة عليه إذا حاول الإفلات من عقاله؛ لأن هناك ظروفاً يجب أن نعمل لها حساباً.
ومما يعزز ظهور هذا الميل وجودنا في أجواء مختلطة وفتيات متبرجات، ونحن يجب أن ننظر للأمر بمنتهى التفهم والواقعية المبنيين على شرع الله تعالى.
لفت نظري أنك لم تذكر تأكيدا واحدا على أن هذه الفتاة لديها أية مشاعر تجاهك، ومجرد إحساسك لا يكفي، فقد تكون هي تفكر بغيرك، وما تعاملها معك بلطف إلا مجرد “إيتيكيت” وكونك زميلاً لها لا غير.. فلم تقل إنه صدر منها ما يدل على حقيقة مشاعرها ولا ميولها، ولا تعرف أنت عنها ولا عن حياتها ولا تفكيرها واستعداداتها شيئاً لتذكر منه أنه جذبك إليها سوى شكلها الجذاب جدًّا؟ وعليك أن تجيب على سؤال أمام نفسك: هل ما تشعر به هو حب فعلاً أم مجرد إعجاب بجمالها وجاذبيتها؟!
أنت ذكرت أيضاً أن الأمر بدأ يؤثر على دراستك، وأنت تعرف جيداً أن دراستك هي رأس مالك لتبدأ حياة مهنية حقيقية تساعدك على تحقيق حلمك الجميل.. ومع العلم فالفتيات -لا يُعجبن- بمن “يرسب” في امتحانه لأجلهن، بل يلفت نظرهن الشاب الأكثر نجاحاً ومثابرة وجدية، وتختلف بالطبع حسابات الفتيات من واحدة لأخرى تبعاً لعوامل كثيرة.
فعليك بداية ألا تسمح لمشاعرك أو ميولك أن تقتحم عليك نجاحك وتهز مستقبلك واستعدادك الأكاديمي لمستقبل مهني ناجح.
وعليك أيضاً أن تكبر على أحلامك قليلاً لتحقق ما هو أكبر منه، فأنت شاب ذكي، ويمكنك تدريب نفسك على الأوليات.
أما إن كان والدك مقتدراً ويمكنه تزويجك الآن فسيكون شيئاً جيداً، فلا تتردد، ولكنك ذكرت أن وضعك المادي لا يحتمل ذلك.
أما ما ذكرته بأنك تخاف من الفتاة التي تتحجب متأخرة أن تنقلب وتعود إلى السفور، فهذا لا ينطبق على كل الفتيات، وأعارضك في استخدام الحديث النبوي الشريف “… العرق دساس” فهو لا ينطبق على حالة كهذه لا علاقة لها بالموروث الصحي والثقافي، فالفتاة مسلمة أولاً وأخيراً، ومسألة الحجاب مسألة هداية ومعرفة لا غير، وإن حسُن التزامها وإيمانها فلن تتراجع، خاصة إن كان لديها زوج مؤمن وقوي الشخصية وبينهما تفاهم وحب ومشاركة، ولا آخذ بكلام بعض الناس “لماذا لا تتزوج من المحجبة أصلاً فهي أحق؟” هذه مغالطة، وليست كل محجبة مناسبة، ولا يوجد معيار ثابت لهذا الأمر، فقد تكون غير محجبة، ولكن أخلاقها عالية واستعدادها الإيماني أفضل، وقد يكون العكس.. وإن كان وجود الحجاب يُعتبر قرينة أو مؤشرا للالتزام، ولكنه ليس المؤشر الوحيد.
المهم الآن الخطوة العملية فإن كنت قادراً على خطبتها فلا تتأخر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: “فاظفر بذات الدين تربت يداك” فأنت في المحصلة لن تتزوجها الآن، فقد علمتها الدين وهديتها إلى الحجاب ولا أرى بأساً من زيارة أهلك إلى بيت الفتاة -إذا نويت الخطبة- لعلهم يرون جانباً من حياتها لا تراه أنت يكون جانباً مضيئاً يفتح لك باب هدايتها، وربما تجد جانباً معتماً -لا سمح الله- يصرفك عنها…
وقد تجد ترحيباً من أهلها بأن تخطبها الآن وتتزوجها عند عملك بعد التخرج فيكون لديك الفرصة بإنشاء علاقة علنية شرعية معها فتتعرف عليها وتهديها إلى الإيمان على ألا يؤثر ذلك أكثر على دراستك ودراستها.
لا تستعجل يا أخي الكريم.. وادرس أمورك على مَهَل.. فبناء الأسرة يجب أن يحسب جيداً من كافة النواحي وبمنتهى العقلانية والواقعية.
أتمنى لك كل التوفيق والسعادة والنجاح في دنياك وآخرتك.
⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:
- ↵ هل أتزوج غير المحجبة؟ صراع بين الواجب والحب
- ↵ شاب محبط من خطيبته: هل أفسخ الخطوبة أم أُقنع نفسي بها؟
- ↵ زواج فتاة من رجل متزوج: صراع بين العائلة والشرع والحب
أجابتها: أ. أسماء أبو سيف