إن الإنسان حين يولد على الأرض، يعاني من ضغوط الحياة دومًا، تلك الضغوط تشكل تحديًا يجب أن يخوض الإنسان غمارها حتى تزداد خبرته، ويزداد ساعده قوة، وأقصد بساعده: قوة تحمله على مصائب الحياة، وتربية نفسه على الصبر على الشدائد، واللجوء إلى الله دائمًا بالدعاء والتقرب، حتى لا تنال الضغوط منه، وتدخله في غياهب الظلمات والخسران.
والإنسان على مراحل عمره كلها لا تخلو حياته من الضغوطات، ولا معنى ذلك أن حياته كلها مشقة وتعب، بل إن الإنسان على ضغوطاته التي يعاني منها وتعرقل مسيرته، له لحظات من الفرج تعادل، في بهجتها أيام الشقاء كلها التي عانى منها؛ فالله يجازي الإنسان بقدر صبره فرحًا وسرورًا وفرجًا.
ورغم أننا نشعر أن الحياة ليست في صفنا دائمًا، تجعلنا نعاني، كأنها مصرة على محاربتنا بكل قواها، إلا أن الله دائمًا يعدنا النصر والقوة والفوز، إذا اتبعنا طريق الهداية الذي نتعلمه من الله ورسوله “صلى الله عليه وسلم”؛ فالإنسان الذي يأتنس بكتاب الله، ويتقرب إلى الله بالعبادة الدائمة، والذي يتحلى بالصبر، لا يمكن أن تصيب نفسه فتورًا من الحياة ومشاقها، ولا يمكن أن تهبط عزيمته، أو يقل طموحه، بل يظل في تحدٍ مستمر مع الحياة حتى ينال مراده بأي طريقة، مستعينًا بالله في المقام الأول، واثقًا فيه تمام الثقة، حسن الظن به إلى أبعد حد، والله وعد ألا يخيب ظن عبد فيه.
كما أشرت أن الإنسان على مراحل عمره كلها، لا تخلو حياته من الضغوط، فالطالب يعاني ضغوطًا في الحياة تؤثر على نفسيته، والشاب يعاني ضغوطًا في الحياة تجعله يائسًا، والرجل الكبير، كالآباء، يعانون ضغوطًا في الحياة تهبط من عزيمتهم، وتثقل كاهلهم.
ضغوط الحياة التي يعانيها الطلاب
إن طلبة العلم الصغار منهم والكبار يعانون من ضغوط تمثل عائقًا في حياتهم، وقلقًا كبيرًا ينغص عليهم الحياة في بعض الأحيان؛ فطالب العلم يكون محاطًا من كل جانب من اهله، ومدرسيه، والمنهج الدراسي الكبير الذي يستذكره، كلٌّ يطلب منه طلبًا لا يخلو من القلق، والتعنيف في بعض الأحيان، أن يحرز الدرجات العالية في الامتحان النهائي، فيشعر الطالب كأن حياته انحصرت من كل النواحي بهذه المناهج التعليمية، وبتعنيف الآباء وقلقهم المتزايد، فلا يشعرون بمتع العيش، ولا يهنأون في نومهم، ولا يكون لأي شيء في حياتهم طعمٌ، وكم سمعنا عن حالات الانتحار، وحالات الاكتئاب التي تؤدي أيضًا إلى الانتحار أحيانًا للطلاب، إنها ظاهرة بدأت تتزايد في الوقت الحاضر.
والحل للخروج من هذه الضغوط سالمين بأقل الخسائر الممكنة، لنفسية الطلاب ومستواهم المعيشي والتعليمي، أن يحرص الآباء على دعم أبنائهم معنويًا وماديًا كبديل للتعنيف الذي لا يثمر شيئًا، أن يشعروا أبنائهم أنهم فخورين بهم مهما كان نتيجة الاختبار النهائي، فيتدافع الطلاب إلى التعلم حبًا في التعليم، ليس خوفًا من إحباط الآباء.
والمدرسة أيضًا لها دور، إلى جانب المؤسسات المعنية بالطالب، أن تدعم الطالب، وتسلط الضوء على الأمور التي يحب أن يؤديها، ليس الذي يفرضوه عليه أن يؤديه؛ فالطالب إذا شرع يفعل ما يحبه، ويدرس ما يجد نفسه فيه، ويرى أن نبوغه سيكون فيه، فإنه سيعود بالنفع على نفسه، وعلى الدولة.
باختصار: إذا أردت أن تمحي الضغوطات التي يعاني الطلاب منها، فخاطب عقله، ولا تقبضه بالتعنيف والتقريظ والإحباط.
ضغوط الحياة التي يعانيها الشباب
إن الشاب حين يشتد عوده، ويصبح واعيًا بقدر ما، وله حرية الاختيار والتصرف في الحياة، يصبح في أخطر مرحلة من حياته، المرحلة التي يختار فيها بعقله وإرادته الصحيح من الخطأ، لذا فأول ضغط يواجه الشاب في الحياة: هو مواجهته للشهوات التي تبدو مزينة سهلة، لا تخلو من المتعة التي يبغيها الشاب في بداية حياته، والشاب إذا انساب معها، وجرى مع تيارها، أصبحت عائقًا لذاته، فلا يشعر بالاحترام لذاته، ويشعر بقلة التقدير لها، مما يدفعه إلى الفشل الدائم لإحساسه أنه أقل تقدير في نظر نفسه وفي نظر الناس، وذلك عائق كبير إذا وقع على عاتق الشاب، أصبحت حياته على الهاوية، إن لم ينقذ نفسه بنفسه، أو يجد من يأخذ بيده.
ومن الضغوط التي يعاني منها الشباب: الدوامة الكبيرة التي يدور فيها الشاب ولا يجد منها خلاصًا، فمعظم الشباب ينحصر طموحهم على العمل، من أجل الزواج والإنجاب، ويتضاعف قلقهم حول رزقهم في الحياة، مما يدفعهم أن يدفنوا حياتهم، وعقلهم طلبًا لهذا الرزق، رغم أنه قد يأتي من سبيل أكبر، لكن التعجل هو ما دفعهم إلى هذه الهاوية.
إن مشاكل الشباب والضغوطات التي يعانوها، يكون حلها باحتواء الآباء لهم، أن يصادقوهم، ويعطونهم النصيحة الجيدة، لا يعنفوهم أو يشعرونهم بعدم الأمان من جانبهم، ويتركون لهم حرية الاختيار، مع الحرص على النصح بالحسنى، حتى لا يشعر الشاب أنه مقيد بآراء آبائه، فيسلك طريقًا غير صحيح.
ضغوط الحياة التي يعانيها الآباء
والآباء، رغم استقرار حياتهم، من الناحية العملية والأسرية، فإنهم يعانون ضغوطًا تشكل عائقًا أمام صفو تفكيرهم؛ إذ يحملون على كاهلهم المسئولية كاملة، نحو الأبناء والزوجة، وكيفية تأمين المستقبل لهما، وجعل حياتهم أكثر راحة ورخاء، كل ذلك يفكر فيه الأب، وتشكل هذه الأمور قلقًا كبيرًا له، وقد يدفعه هذا القلق إلى الأمراض المزمنة، والمشاكل التي لا تنتهي.
غير أن الآباء يعانون قلقًا كبيرًا تجاه أبنائهم، يخافون عليهم أن يسلكوا طرقًا غير الطرق الصحيحة، وأن ينجرفوا مع تيار الشهوات، وذلك الضغط يشكل عائقًا كبيرًا في حياتهم، وقد يضعف العلاقة بين الآباء والأبناء، وليس العكس.
وحل هذه المشكلات والضغوطات التي يعاني منها الآباء، أن على الأب أن يوازن بين حياته الاجتماعية والعملية، أن يخصص وقتًا لأسرته وأبنائه، يستمع لهم، ويشبعهم من حنانه واحتوائه، ويستمتع بوجودهم، فالحياة ليست كلها كفاح، بل الأولى أن يختص الإنسان وقتًا ينعم فيه بثمرة كفاحه، والزوجة والأبناء هم ثمرة هذا الكفاح، لذا يجب ان ينعم الأب بهم.
حاولت في هذا المقال أن أوجز أهم الضغوطات التي يعاني منها فئات معينة من الناس، وأن أسلط الضوء على أهمها، لكني لا أزعم أن هذه الضغوطات هي التي يعاني منها كل الناس، فلكل فرد في الحياة قصة تشكل عائقًا له في حياته، أو ضغطًا لا يعرف كيف يتخلص منه.
لكن دائمًا هناك حل يشكل حلًا لكل الضغوطات التي قد يواجهها الإنسان: أن يصبر ويتقرب إلى الله بالعبادة والطاعة، يدعوه دائمًا، ويحمده في السراء والضراء، وأن ينعم بهدوء القلب، وخلو البال من القلق، لأنه متيقن أن الله سيدبرها ويحل مشاكله بطرق لا تخطر له على بال.
إن ضغوطات الحياة تحدٍ لنا، يجب أن نخوضها، وأن ننجح فيها، ونمر بها بسلام، أو على الأقل، نمر بأقل الخسائر التي قد تحدث نتيجة هذه الضغوطات.
وفي النهاية أقول: أن الأسرة تتكون من الطالب، الشاب، والآباء: لذا يجب أن تتضافر هذه الأسرة كلها، ويتعاونوا ويكونون سببًا لإزالة الضغوطات التي تثقل كاهل الآخر، فيعم الود بينهم، وتصبح الحياة سهلة وبسيطة، لا ينشغلوا فيها إلا بما يجعلهم سعداء.