ا هي آلية عمل الذاكرة؟ ومن أين يأتي النسيان المتكرر؟
قال “د. عواد الذايدي” استشاري طب الأسرة والمجتمع. آلية عمل الذاكرة البشرية ترتكز على المدخلات والمخرجات، المدخلات هي المعلومات التي نقوم بتخزينها، والمخرجات هي استرجاع ما تم حفظه عند اللزوم، والنسيان ينشأ من مشكلتين اثنين، الأولى تتعلق بالحفظ أي أن المعلومات لم تُحفظ أصلاً بالذاكرة، والثانية تتعلق بعدم القدرة على الإسترجاع أي أن المعلومة حُفظت فعلاً ولكن لا يمكن إستعادتها، وأقرب وأوضح الأمثلة على ذلك هو مذاكرة الطالب، فإما أنه يواجه صعوبة في الحفظ، وإما أنه حفظ المنهج تماماً ولكن عند استدعاء المحفوظات أثناء الإمتحان فشل في ذلك.
هذا المثال يأخذنا إلى الحديث عن درجات الذاكرة البشرية، حيث أنها تتعدد إلى مستويات هي:
• الذاكرة الفورية.
• الذاكرة قصيرة المدى.
• الذاكرة بعيدة المدى.
وبعض العلماء يُضيفون مستوى آخر وهو الذاكرة الحركية، والتي تتمثل في تعلم القيادة مثلاً فهذه المهارة الحركية لا يمكن نسيانها إلا إذا مرضت الذاكرة بألزهايمر مثلاً.
وأضاف “د. الذايدي” قائلاً: بهذا التفصيل نجد أن النسيان المؤقت الغير مَرضي يحدث عند إنتقال المعلومة من المستوى الأدنى للذاكرة إلى المستوى الأعلى وهو الذاكرة بعيدة المدى، أي أن الطالب حفظ المعلومات ولكن في ذاكرته القصيرة، لذلك تلاشت عند الإمتحان.
لذا فإن النسيان المتكرر للمهام والأشياء البسيطة المستخدمة يومياً هو أقرب لتشتت التركيز منه إلى ضعف الذاكرة، لأن مع مثل هذا النوع من النسيان فور أن يذكرك أحد بالأمر تتذكر سريعاً، وهو ما يختلف عن وضعية ضعف الذاكرة.
ما هي أسباب النسيان؟
أشار “د. عواد” إلى أنه من خلال التمعن في أسباب النسيان نجد أنها تنقسم إلى:
أسباب غير مرضية: وهي المتمثلة في:
• ضغوطات الحياة.
• كثرة الإنشغال، فكلما زادت مسئوليات الفرد كلما تعرض لنسيان الأشياء البسيطة.
النسيان الغير مرضي قد ينتج عن التقادم، أي أن الفرد بعد عام من تخرجه يتذكر يوم وتاريخ وحفل تخرجه من الجامعة، ولكن بعد عدة أعوام يتذكر فقط الشهر والسنة، وهكذا إلى أن يصل به الحال إلى نسيان كل ما يتعلق بذلك، وقِس على ذلك تاريخ الزواج والإلتحاق بالعمل…. إلخ.
تعمد تناسي المعلومات المخزنة في الذاكرة البعيدة لأي سبب من الأسباب كأن تكون مؤلمة أو لا نرغبها يؤدي إلى النسيان الفعلي لها.
امتلاء الذاكرة البشرية بالأحداث والمعلومات يجعلها تلقائياً تتخلص من بعض المعلومات والبيانات، لذلك مرضى ألزهايمر الفعليين يتذكرون الأحداث والشخصيات البعيدة زمنياً في حين أنهم ينسون واقعهم ومحيطهم، ويرجع ذلك إلى أن الذاكرة قد حذفت الروابط بين القديم والحديث من تلقاء نفسهم، فالقديم بإعتبار أنه راسخ منذ الطفولة والشباب استمر، لكن الحديث الذي جاء بعد المرض يطير سريعاً ولا يُخزن.
أما الأسباب المرضية فتلك معروفة للجميع، مثل ألزهايمر والخرف وفقدان الذاكرة، وهنا النسيان يكون دائم وشامل لكل تفاصيل الحياة وليس فقط الأشياء البسيطة أو الأحداث العارضة، وعلى اعتبار أنه مرض لذلك هو بحاجة إلى التدخل الطبي، وقد يفلح العلاج وقد لا، تبعاً لطبيعة المرض وتأثيره المباشر على ميكانيكية عمل الخلايا الدماغية.
هل توجد مؤشرات قبلية دالة على الإصابة بألزهايمر مستقبلاً؟
أكد “د. عواد” على أنه من المعروف طبياً أن مرض ألزهايمر يبدأ ضعيفاً ثم تشتد أعراضه تدريجياً، وقال نفر من العلماء أن أعراض الإصابة به تبدأ في الظهور بتسعة أو سبعة سنوات قبل سيطرة المرض على الإنسان، وفي المرحلة المبكرة من ألزهايمر يبدأ الإنسان في نسيان أمور حياتية يصعب على أي أحد تخيل نسيانها، كمن يذهب إلى العمل يوم الإجازة الأسبوعية، فهذا استيقظ من نومه وتناول إفطاره ونزل إلى الشارع وذهب إلى العمل ليكتشف أنه عطلة رسمية، فهذا نذير خطر، حيث أن ذلك سيتطور مستقبلاً لنسيان الزوجة والأهل والأولاد، لكن من يقع في هذا المأذق ثم يتذكر بعدها بدقائق معدودة قبل أن يمر بكل تلك المراحل فهذا من باب ضعف التركيز.
ومن هنا يتضح لنا وجود مؤشرات قبلية ولكنها شديدة ولا تقل خطورة، كما يتضح لنا أنها تختلف جذرياً مع النسيان المؤقت الدارج.
هل النساء أقوى ذاكرةً من الرجال أم العكس؟
الدراسات البحثية المعتبرة أثبتت أن النساء أقوى ذاكرةً مقارنة بالرجال، وأثبتت أن الأنثى لديها القدرة على تذكر التفاصيل الدقيقة جداً لكل موقف وحدث، أما الرجال فيتذكرون الخطوط العريضة والمباحث العامة، ويرجع ذلك إلى طبيعة وفطرة الأنثى والتي تختلف كلياً عن الرجل.
هل الأجهزة الذكية أثرت في قدراتنا التذكرية بالسلب؟
لا يمكن حمل الأمر على هذا المحمل السئ، فاستعمالنا للأجهزة الذكية يتزامن معه أوامر ضمنية للذاكرة بعدم حفظ المعلومة لأنه قد تم حفظها على الجهاز، كأرقام الهواتف مثلاً نحن لا نحفظها في ذاكرتنا الآن ولا نأمر الذاكرة بحفظها لأننا ببساطة حفظناها في الهاتف وعند حاجتنا إليها نرجع لها.
واختتم “د. عواد” قائلاً: لكن القول بأنها أثرت سلباً يلزمه أولاً إصدار الأوامر للدماغ بحفظ المعلومات، مع اتباع طرق الحفظ التقليدية كالكتابة والترديد… إلخ، فإذا ما فشلنا، وقتها نقول أنها أثرت سلباً، لكن الحاصل فعلياً الآن أننا لا نستخدم ذاكرتنا الطبيعية لأننا نعتمد على ذاكرة الأجهزة الذكية.