من سلامة العقيدة وتمامها أن يرسخ في أذهانا ويستقر في قلوبنا نحن المسلمون يقين لا يشوبه الشك ولا يتطرق إليه الريبة ولا التساؤل بأن الله عز وجل ما افترض علينا فرضًا إلا لكونه ينطوي على فوائد عظيمة وأثارٍ طيبةٍ على جوانب حياتنا المختلفة في الدنيا والآخرة، وأن الالتزام بما فرض علينا هو فرض نقبله ونخضع له امتثالًا لأوامر الله حتى إن قصرت أذهاننا عن فهم الغايات وإدراك المقاصد، حتى وأن مضت أعمارنا دون أن يفتح علينا بفهم علل الأحكام الشرعية ونبل الأوامر الربانية فإن ثقتنا بأنها جميعًا تصب في صالحنا أمر لا يقبل الجدل، يضاف إلى هذا اليقين يقين بأن الله عز وجل ما أمرنا بأمر ولا نهانا عن أمر لأنه بحاجة إلى طاعتنا ولا لأنه متضرر –حاشاه عز وجل – من معصيتنا، بل لأنه يريد بنا اليسر ويريد لنا النجاة في الدنيا والآخرة.
وهنا سنتحدث عن بعض فوائد الصيام التي تكشفت لنا تباعًا من أبحاث الباحثين وجهود العلماء والمستكشفين، لتطمئن بذلك كل القلوب القلقة ولتوصد كل أبواب الشك والريبة في أوجه المشككين والقادحين في شريعتنا الغراء.
الصيام يعالج من المعضلات الصحية ما عجز عن علاجه العقاقير الطبية والعمليات الجراحية
سوف نذكر هنا حالة من أخطر الحالات المرضية التي تتأثر تأثرًا كبيرًا وإيجابيًا بالصوم، وهي مشكلة ارتفاع ضغط الدم وتوابعها المخيفة من ارتفاع احتمالات الإصابة بالجلطات الدموية أو السكتات الدماغية وغيرها، وسوف نعرف كيف يمكن أن يمثل الصيام لأصحاب هذه الحالات طوق نجاة وأمل في الشفاء.
أولًا: ما يحدث لمريض الضغط المرتفع ويجعله عرضة لتكون الجلطات هو زيادة لزوجة الدم نتيجة لنقص الماء ومن ثم يزيد ضغط الدم وتصبح حركته في الشرايين والأوردة بطيئة وقد تزيد اللزوجة إلى درجة معينة فيحدث تجلط للدم في منطقة ما من الشرايين ومن ثم لا يصل إلى القلب ويتكون ما يعرف بالجلطة.
وفي دراسات مستفيضة وتجارب علمية لمعرفة العلاقة بين الصيام وبين احتمالات تكون الجلطات اكتشف الباحثون عدة نتائج من أهمها ما يلي:
هناك أربعة عشر عاملًا مسئولون عن عدم تكون الجلطات، والتي لا يمكن أبدًا السيطرة عليهم جميعًا أو تحقيق التوازن المطلوب لعدم تكون الجلطات، فجميع جهود العلاجات التي تمنع تكون الجلطات تتعامل فقط مع العاملين الأخيرين، بينما يقوم الصيام علي الطريقة الإسلامية بضبط الأربعة عشر عامل جميعا بآلية مدهشة وبالتالي منع تكون الجلطات، وقد أجريت تجربة على عدد من المرضى تم تقسيمهم إلى فريقين فريق تم تجويعهم بطريقة الصيام الإسلامي، والفريق الأخر استمرو في نظامهم العادي في تناول الوجبات الثلاث يوميًا، وكانت النتيجة أنه لم يحدث ولا لفرد واحد من أفراد الفريق الأول تكون للجلطات، في حين تعرض جميع أفراد الفريق الثاني لتكون الجلطات.
يعتقد البعض خطأ أن الصيام يسبب فقد الماء وبالتالي نقص السوائل في الدم وزيادة اللزوجة الأمر المساعد على تكون الجلطات، ولكن أثبت الواقع العلمي من خلال إجراء التجارب أن هذا الكلام غير صحيح، وتفسير ذلك يرجع إلى أمرين، أولهما: أن هناك نوعين من السوائل في الجسم وهما السوائل الحرة، والسوائل المرتبطة والتي تشمل هيموجلوبين الدم والسوائل الموجودة في المفاصل والسوائل بين الأنسجة، والجدير بالذكر أن السوائل التي يتم فقدها هي من السوائل الحرة وهي لا علاقة لها بسوائل الدم ومن ثم لا ينتج عن نقصها لزوجة الدم ولا تجلطه، وثانيهما: أنه اكتشف أنه في حالة بذل جهد زائد والتعرض للتعرق وفقد السائل الحرة، ثم الدخول على مرحلة فقد السوائل المرتبطة فإن الجسم ينشط آليًا عن طريق بعض الدورات الكيمائية لتعويض نفسه بالقدر اللازم من السوائل المرتبطة بنفس الآلية التي يتميز بها جسم الجمل المعروف بقدرته على تخزين المياه وتحويل بعض الدهون إلى ماء في حالة نفاذ هذا المخزون.
ومن هنا اكتشف العلماء أهمية الصيام في علاج بعض أمراض القلب مثل ارتفاع ضغط الدم، وارتجاع الصمامات وتصلب الشرايين وغيره، ومن ثم جاء إذعانهم وتقديرهم لتلك الإعجازات المذهلة في الصوم في صورة رد فعل عملي وعلمي قوي جدًا، وهو تأسيس بعض المراكز العلاجية التي تعمل على العلاج عن طريق الصيام الإسلامي وأطلقوا عليها اسم “مراكز العلاج بالتجويع الإسلامي”.
وختامًا: فهذا غيض من فيض في فضل وفوائد الصيام وتأثيراته الإيجابية على الصحة عموما وعلى بعض المخاطر والمعضلات التي أعيت الباحثين والأطباء خصوصًا، ليعلم الناس في بقاع الأرض أن الله ما افترض علينا شيئًا إلا لصالحنا، سواءً علمنا ذلك أم لم نعلم.