الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله على يدييه الغمة وتركنا على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ثم أما بعد:
فإن المسلم على المسلم كله حرام، دمه وماله وعرضه، وإن نبينا قد حذر من أكل أموال الناس بدون وجه حق، وأوصى بتقوى الله في معاملاتنا المالية، في يوم حرام وفي شهر حرام وفي بلد حرام، في خطبة الوداع ليكون الحديث عن حرمة الأموال من خواتيم خطب النبي –صل الله عليه وسلم- ومن آخر وصاياه لأمته، لتظل شاهدا على دستور الإسلام وحفظه للأموال والأعراض ويخلدها التاريخ.
ولأن بعض العامة أو غير الملمين بأحكام الشريعة قد يتصور أن أكل أموال الناس بالباطل صوره قاصرة على السرقة أو الغصب أو النهب أو الربا، فقد أردنا أن نخصص هذا الموضوع لصور من أكل أموال الناس بالباطل، قد يغفل عنها البعض ولا يعلم مدى حرمتها، مذكرين بها من يوفق إلى قراءة هذه السطور محتسبين الأجر عند الله، والله الموفق والمستعان.
من صور أكل أموال الناس بالباطل
السرقة والغصب والاختلاس كلها صور من أكل أموال الناس بالباطل، وجميعها محرمة جملة وتفصيلا، وبعضها يستوجب إقامة الحد كالسرقة مثلا، وجميعها تستوجب المؤاخذة من الله والعقاب وتحمل فاعلها دينا يظل في عنقه إلى يوم القيامة، ويقضى هذا الدين من حسناته فإن لم يكن لديه حسنات، فيطرح عليه من سيئات كل إنسان ظلمه بأكل ماله.
ومما يدل على حرمة السرقة وما يشبهها قله عز وجل: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم-: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) رواه البخاري ومسلم.
فالسرقة ظلم وإفساد في الأرض، وإيقاع أذى عظيم بمن سرق، وكل هذا محرم قطعاً.
وكما أن السرقة حرام فإن كل ألوان الخداع والغش والتدليس وغيرها من صورأكل مال الناس بالباطل حرام، ومن تلك الطرق ما يلي:
- أخذ المال بسيف الحياء: وهذه صورة يغفل عنها الكثير، فقد يلح إنسان على آخر ليأخذ منه شيء بسيف الحياء وهو يعلم، فهذا حرام بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- :(لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب من نفس)، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم -:( ما أخذ بسيف الحياء فهو باطل).
- أكل أجور العاملين وتأخيرها: من الصور التي يقع فيها الكثير من الناس أنه حين يستأجر شخصاً لعمل ما، يستوفي منه العمل ويماطله في الأجر أو ينقص منه أو يأكله كله، وهذا من أشد الأمور كراهة وأكثرها ظلمًا فقد أوصى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بإعطاء العامل أو الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.
- من أكل الأموال بالباطل إهدار المال العام في غير ما خصص له، وتضييع وقته أو استغلاله بما لا يدخل في العمل أو يتعلق به، وصور أهدار المال العام كثيرة، وعلى المسلم أن يتحرى الحلال في كل ما يتصل بمصدر رزقه ورزق أبنائه، فإنهم قد يصبرون على الجوع ولكن لا يصبرون على غضب الله ولا يطيقون عذابه.
- كل مال تحصل عليه الإنسان بكذب، أو غش أو تدليس في تجارة أو غيرها، كمن يبيع سلعة بحلفه وكذبه فيقنع بها من يأخذا ولا يبين عيوبها، فهذا المال حرام.
- أكل أموال اليتامى بدون وجه حق من أعظم المحرمات والتي نهى الله عنها وحذر منها.
- الربا: باب من أبواب أكل مال الناس بدون حق، فالمرابي يستغل ؛احتياج الإنسان ويستبيح ماله باسم المساعدة، وهذا من الظلم.
- الغش في الكيل والميزان من أكل الأموال بالباطل.
- الرشوة: وهي على رأس الصور التي حرمها الله والتي تجسد معنى أكل مال الناس بالباطل، حيث يدفع الإنسان مالا لصاحب منصب أو سلطة لينال به ما ليس له فيه حق، ويكفي في تحريمها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول :(لعن الله الراشي والمرتشي)، واللعن هو الطرد من رجمة الله.