في «٢٣ سبتمبر» المقبل تمر ذكرى يوم عزيز علينا، اليوم الوطني السعودي. وفي هذا اليوم العزيز نسترجع تاريخ بلادنا الغالية، ونستعرض إنجازات أبطالها العظماء، ومن المفترض أن تكبر همتنا في رفع اسم مملكتنا عاليا، لكن ما يخدش قيمة هذا اليوم العظيم هو ما نشهده في الشوارع من فوضى يتعمدها بعض الشباب بتجوالهم الهيستيري الصاخب في الطرقات الرئيسية وإغلاقهم لها، وكذلك ما يحصل في بعض الأسواق من ازدحام غير مبرر، ومشكلات ومشاجرات في الأماكن العامة.
أما في المدارس فإن الأنشطة التي تقام في هذه المناسبة روتينية جدا، لا تهم الطلبة والطالبات بشيء، مثل المسابقات المملة في الجو الحار، والكلام المكرر كل سنة الذي يقلل من قيمة المناسبة، فإذا كانت هذه الطريقة الوحيدة للتعبير عن حب الوطن والاعتزاز به، فإني أعتقد أن مملكتنا الغالية لا تحتاج إلى مثل هذه الاحتفالات الباردة.
وفي ظني أن احتفالات اليوم الوطني السعودي تحتاج إلى مزيد من التنظيم، وأقترح تخصيص ساحات كبيرة لاحتفالات الشباب واستعراضاتهم بحيث لا يحتاجون إلى غلق الشوارع وازدحام الطرق، وجعل الاحتفالات والمسابقات في أماكن متفرقة من المدينة وليس في مكان واحد، وتخصيص مواقع للشباب والعائلات، ووضع مواعيد الاحتفالات والأنشطة على مواقع شبكة الإنترنت.
أما المدارس فلا بد أن تصمم برامج رحلات للميادين التاريخية في البلاد والمتاحف وقصر الحكم، وتشجع الطلاب على الكتابة عما رأوه في بلادهم من إنجازات تاريخية بحيث تترسخ المعلومات في أذهانهم عمليا، وغيرها من الأفكار التي تحد من فوضى اليوم الوطني وتجعله يوما سعيدا وذكرى مميزة لكل الفئات الكبار والأطفال والشباب والفتيات.
وهذا ليس صعبا، فلدينا تجربة ثرية وناجحة قامت بها أمانة مدينة الرياض في احتفالات عيد الفطر المبارك من الألعاب النارية والمسرحيات والأنشطة الاحتفالية التي تمت في جو جميل تكسوه البهجة والسرور يجعلنا نستفيد من هذه التجربة لتعميمها على مناطق المملكة في مناسبات أخرى.
صور اليوم الوطني 92
علاقة الملك عبدالعزيز بالشباب
بمناسبة حلول ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية بالحساب الهجري، يحلو للمرء أن يفكر في ذكرى توحيد المملكة العربية السعودية تحت قيادة الملك عبدالعزيز «رحمه الله» وتنهال الذكريات والرؤى والأفكار، وتتشعب مسارب الفكر. وتتعدد وتتنوع أوعية المعرفة والثقافة المتعلقة بتاريخ الوحدة السعودية المجيدة، وهذا يجعل المرء أمام صعوبة الإلمام بكل هذا في مقال واحد أو مئات المقالات. لذا سأختار اليوم فكرة واحدة تتعلق بعلاقة الملك عبدالعزيز بالشباب، وبدور الشباب أو من كان في سن الحداثة عندما شرع الملك عبدالعزيز في برنامجه الطموح نحو بناء وحدة سياسية كبيرة تضم معظم أراضي الجزيرة العربية. ونبدأ بسؤالين أساسيين وهما: ما علاقة الملك عبدالعزيز بالشباب؟ وهل استعان الملك عبدالعزيز بالشباب في برنامجه السياسي الطموح؟ وهل كان لهم دور تحدث عنه المؤرخون؟
انفتاح شعبي
وللإجابة عن هذين السؤالين نقول: إن الملك عبدالعزيز كان منفتحا على كل فئات الشعب. وكان رحمه الله يولي فئة الشباب وما دونهم في السن عناية ورعاية خاصتين. فهو أعلن أهمية التعليم لمستقبلهم، وهو قال إن الاستثمار الحقيقي هو فئة الشباب. لهذا كله فقد فتح المدارس والمعاهد واستقدم المعلمين، وزاد بأن ابتعث عددا من الشباب إلى بلاد الشام ومصر للدراسة في الجامعات، ونشر وشجع وطبع عددا من الكتب. ثم زاد أخرى بأن وظف الشباب الذين تخرجوا في المدارس الثانوية أو المعاهد حال تخرجهم. ووزعهم على إدارات الدولة المختلفة، واستقطب النجباء منهم في ديوانه. واستعان بالمتميزين في الأعمال ذات الصفة الدولية كالبعثات الدبلوماسية وغيرها.
ونجد في المصادر التاريخية أسماء كثيرة من شباب المملكة وبعضهم في سن يافعة قد انخرط في أعمال إدارية وفنية وعسكرية وخدمية في مختلف أعمال الحكومة. وهذا الصنيع يحسب للملك عبدالعزيز. وكمؤرخ يراقب مسيرة التوحيد أصف حكومة المملكة في ذلك الوقت بحكومة الشباب، وذلك لكثرة الشباب الذين دفعهم الملك عبدالعزيز إلى الانخراط في عملية البناء والتشييد لدولة فتية جديدة. وهو لم يكتف بشباب العاصمة، بل فتح الباب أمام كل متعلم من أنحاء المملكة المترامية الأطراف، لهذا نجد شبابا قدموا إلى الرياض للعمل في دواوين الدولة من مختلف المناطق.
الشباب المتفوق
وكان يهتم برياضة الشباب، بل ويشجعهم عليها، لأنه يعرف بالتجربة أن الجسم السليم القوي عنوان الصحة والحيوية. ومما ذكره المؤرخون أنه يحرص على تعليم أبنائه رياضة ركوب الخيل وسباقها، والسباحة، وبعض ألعاب الرياضة ككرة القدم. وكان يشجع أبناء العاملين في ديوانه على تعليم أبنائهم الرياضة. وفي زيارته المعتادة للأحساء في أشهر الصيف، كان يصطحب معه بعض أنجاله، وهناك يكلف من يعلمهم في السباحة في عيون الأحساء. وسمعت من يروي قصة مفادها أن الملك شهد مسابقة في السباحة بين أنجاله وبين فريق من أبناء العاملين في الأحساء، وكان يشجعهم بالجوائز.
وكان الملك يرسل مندوبين إلى المدن في نجد وغيرها ليبحثوا عن الشباب المتفوق أو الذي يرغب في مواصلة دراسته، ولتقديم العون المادي وتسجيلهم في مدرسة دار التوحيد في الطائف. وكان يحث أمراء وقضاة البلدان لحث أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بالمدارس، والذي لا تتوفر في بلده مدرسة كان الملك يتكفل بنقله لأقرب مدرسة من بلده. وكان يطلب من الدعاة وأئمة المساجد نشر الوعي العلمي وحث الناس على تعليم أبنائهم، بل كان يؤنب من يتعمد حرمان أولاده من التعليم.
وخلاصة القول إن الملك عبدالعزيز انحاز لفئة الشباب، ويعتبرهم الفئة المناسبة للبناء، وذلك بسبب نشاطهم وحماسهم وما توفر لهم من علم ومعرفة وتخصص. وقد جعل الملك عبدالعزيز من أبنائه الشباب قدوة لشباب المملكة. فدفعهم في سن مبكرة إلى العمل في كل المجالات الحيوية أثناء بناء الدولة. رحم الله الملك عبدالعزيز فقد اهتم بفئة الشباب، واحتضنهم وهيأ لهم السبل والمعرفة والعلم ووظفهم في ميادين كثيرة، وجعلهم شركاء أساسيين في برنامجه السياسي الكبير .