لماذا نسمع صوت صفير عندما يكون المكان هادئًا؟

لماذا نسمع صوت صفير عندما يكون المكان هادئًا؟

كثيرًا ما نلاحظ ظاهرة غريبة تحدث عند دخولنا إلى مكان شديد الهدوء، خاصة في أوقات الليل، وهي سماع صوت صفير أو طنين في الأذن. المفارقة أن هذا يحدث في اللحظة التي يُفترض فيها أن يسود الصمت التام، مما يدفعنا للتساؤل: لماذا نسمع هذا الصوت رغم غياب أي مصدر ضوضاء خارجي؟

في هذا السياق، يقول الكاتب الياباني الشهير هاروكي موراكامي: “اكتشفت أن الصمت هو شيء يمكننا فعليًا سماعه”، وعلى الرغم من أن هذه العبارة تحمل طابعًا أدبيًا وتشير غالبًا إلى الشعور بالوحدة، إلا أنها تحمل في طياتها حقيقة علمية مثيرة. فنحن بالفعل يمكن أن “نسمع” الصمت، أو بالأصح نسمع صوتًا يُشبه الصفير يدل على الصمت.

ما سبب هذا الصوت؟

الحقيقة أن سماع هذا الطنين أو الصفير يعود لعدة أسباب، أولها وأكثرها شيوعًا هو أنه مجرد بقايا لضوضاء الماضي. فعلى سبيل المثال، إذا حضرت حفلة صاخبة أو مؤتمرًا تملأه مكبرات الصوت، ثم عدت إلى منزلك وجلست في غرفة هادئة، ستلاحظ غالبًا صوت صفير مزعج في أذنيك. وفي بعض الأحيان، لا تحتاج حتى إلى الرجوع للمنزل، فبمجرد أن تبتعد قليلًا عن مصدر الصوت العالي، يبدأ الطنين بالظهور.

هذا يحدث لأن التعرض للأصوات العالية لفترة طويلة يؤثر سلبًا على الخلايا الحساسة للصوت في الأذن الداخلية، وتحديدًا في القوقعة، وهي جزء من الأذن الداخلية يشبه شكل الحلزون. القوقعة تحتوي على ما يُعرف بـ “عضو كورتي”، وهو مجموعة من الخلايا الحسية الدقيقة (تُسمى الخلايا المشعرة)، ويتراوح عددها ما بين 16,000 إلى 200,000 شعيرة. هذه الخلايا هي التي تلتقط الاهتزازات الصوتية وتحوّلها إلى إشارات عصبية تُرسل إلى الدماغ.

المشكلة تكمن في أن هذه الخلايا معتادة على مستوى معيّن من الترددات، لذا فإن تعرّضها لأصوات مرتفعة وغير مألوفة يجعلها تهتز بعنف، مما يؤدي إلى نتيجتين محتملتين: إما سماع صوت صفير أو طنين، وهو أمر مؤقت، أو – في الحالات الأكثر خطورة – تلف عدد كبير من هذه الخلايا، وهو أمر دائم لأنها خلايا غير قابلة للتجدد، مما يؤدي إلى ضعف في السمع أو فقدانه كليًا.

هل الضوضاء الخارجية هي السبب الوحيد؟

في الواقع، الإجابة هي لا. طنين الأذن قد ينتج أيضًا من داخل الجسم نفسه. على سبيل المثال، يمكن أن يكون الصوت ناتجًا عن تدفق الدم في الشرايين والأوردة المجاورة للأذن، أو نتيجة لحركة عضلة القلب، أو حتى بسبب خلل في عظام الأذن الوسطى. كما قد تتسبب تشنجات عضلية، خاصة في العضلات الموجودة بسقف الحلق، في فتح القناة السمعية وإغلاقها بشكل متكرر، مما يُترجم أيضًا إلى صوت صفير أو طنين، بل وأحيانًا إلى صوت نقرات.

هل تعلَم أيضًا ⇐ لماذا نبكي عند تقطيع البصل؟

أسباب أخرى لا تقل أهمية

من المثير للاهتمام أن نعرف أن تراكم شمع الأذن هو أيضًا أحد الأسباب المحتملة لسماع الصفير. فشمع الأذن، على الرغم من فائدته الكبيرة في حماية الأذن من الأتربة والملوثات والعدوى، إلا أن تراكمه بكميات كبيرة قد يؤدي إلى انسداد الأذن، مما يسبب ضغطًا على طبلة الأذن ويؤدي إلى تهيّجها، وهو ما يترجم في النهاية إلى صوت طنين.

ورغم ذلك، لا يعني هذا أننا يجب أن نزيل الشمع باستمرار، بل على العكس، ينصح الأطباء بعدم استخدام أعواد القطن أو غيرها لإزالة الشمع، لأن أغلب الناس بدلاً من تنظيف الأذن يقومون بدفع الشمع نحو الداخل، ما يزيد الأمر سوءًا.

هل هناك أسباب مرضية؟

نعم، هناك بعض الحالات الطبية التي قد تكون وراء الطنين، مثل وجود ورم حميد في العصب السمعي، أو تصلب في عظام الأذن الوسطى. كما أن بعض الأدوية مثل الأسبرين، وبعض أنواع المضادات الحيوية، ومضادات الالتهاب، والمهدئات، وحتى أدوية الملاريا قد تتسبب في ظهور هذا الطنين كأثر جانبي. ولا يجب أن نغفل أيضًا عن حالات مثل إصابات الرأس أو الرقبة، متلازمة المفصل الصدغي الفكي، ارتفاع ضغط الدم، مشاكل الدورة الدموية، الحساسية، قصور الغدة الدرقية، وأمراض المناعة الذاتية.

بل إن بعض العادات اليومية مثل التدخين، شرب الكحول، أو الإفراط في تناول المنبهات تساهم في تفاقم الطنين بشكل ملحوظ.

وهنا تعرِف ⇐ لماذا تلمع عيون القطط في الليل؟

كيف نحمي أنفسنا من طنين الأذن؟

رغم أن الطنين يختفي تلقائيًا لدى كثير من الأشخاص، إلا أن اتباع بعض الإرشادات الوقائية يمكن أن يساعد في تجنب حدوثه أو على الأقل تقليل حِدّته.

أولًا، يجب تجنّب الضوضاء الصاخبة بقدر الإمكان، لا سيما أنها تتلف الأعصاب السمعية. أما بالنسبة للأشخاص الذين يعملون في بيئات تحتوي على أصوات عالية، فعليهم استخدام سماعات الأذن الواقية أو خوذ الحماية الصوتية. كما يُنصح بعدم رفع صوت السماعات عند استخدامها لفترات طويلة، لأن الاستماع المستمر إلى الأصوات العالية يؤدي مع الوقت إلى فقدان السمع.

من جهة أخرى، فإن الحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية أمر في غاية الأهمية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال ممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتناول طعام صحي ومتوازن، مما يساعد على تحسين تدفق الدم وتقليل احتمالية الإصابة بالطنين.

خلاصة القول

طنين الأذن ليس دائمًا عرضًا بسيطًا، بل قد يكون مؤشرًا لمشكلة صحية كامنة أو نتيجة عادات يومية خاطئة. لذلك، فإن التعامل معه بوعي واتخاذ الخطوات الوقائية المناسبة هو السبيل الأفضل للحفاظ على صحة السمع والتمتع بالهدوء الحقيقي عندما نبحث عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top