إن صلة الرحم من الأخلاقيات التي يربينا عليها الإسلام في حياتنا؛ فصلة الرحم تحمل بين طياتها المودة والحب بين الإنسان وأقاربه، ومن يعنون إليه. غير أن ضمائرنا يجب أن تحمل مسئولية السؤال عن أقاربنا، حتى تصل الود ولا ينقطع على مر الزمن، وما أحوج الإنسان أن يرى في مواقف حياته المختلفة، من يساندونه، ويندفعون لأجله، حبًا فيه وليس لمصلحة يرجونها منه، يكونون في ظهره في الشدة والمرض والفرح والترح. إن الأقارب نعمة من الله “سبحانه وتعالى” لذا يجب أن نشكر الله عليها، بوصل رحمهم، والبر بهم، وعدم الانقطاع عنهم.
وفي هذا المقال أعرض معنى صلة الرحم، وصوره في الحياة، وفضائل صلة الرحم التي تعود على الإنسان الملتزم بها، وأحاول أن أضع نقاطًا تنبه الإنسان إلى كيفية وصل رحمه، والتوفيق بين مشاغل الحياة ووصل الرحم، وفي النهاية أعرض رأي الإسلام في قضية صلة الرحم.
معنى صلة الرحم وصورها
إن مفهوم صلة الرحم ينطوي على رقعة واسعة من الإحسان إلى الأقارب، وإذا أردنا أن نعطي مفهومًا لصلة الرحم، فإني أقول: صلة الرحم هي خلق كريم حث عليه الإسلام والرسول “صلى الله عليه وسلم” يقتضي أن يحسن الإنسان إلى أقاربه بأي طريقة كانت.
فالإنسان حين يولد يكون فرع صغير، أو ورقة في شجرة كبيرة من العائلة، له من الأقارب الكثيرين، الذين إذا اتصل بهم، وائتلف معهم، أصبحوا له قوة وعون.
وإن صلة الأرحام لها صور واسعة لا يمكن حصرها، وخاصةً في الزمن الحالي الذي أصبحت فيه طرق التواصل متساهلة ومتقاربة؛ فالإنسان الذي يتحجج بكثرة انشغالاته، وقلة الوقت المتاح لينظر إلى أخبار الأقرباء فيه، لم يعد لديه حجة بعد اليوم، فرسالة قصيرة واحدة في بضع ثواني، أو مكالمة لا تتعدى الدقائق المعدودة، كفيلة أن تصل الرحم بين الأقارب، وتُشعر الإنسان أنه فرع أصيل في جذر الشجرة العريقة.
وما عرضته الآن، أسهل صورة من صور صلة الرحم، فكما قلت صلة الرحم تشتمل على رقعة واسعة من الإحسان إلى الأقارب؛ فمن صور صلة الرحم، أو الإحسان إلى الأقارب، أن يتابع الإنسان احتياجات الضعيف منهم ويعاونه فيها، ويسأل عنه، على الأقل يُشعره باهتمامه به واحتوائه إياه، أو أن يتابع أخبار الأقوياء منهم، ويصبح ذائبًا فيهم لا يكف عن وصالهم، فيكونون له عونًا، لذلك فإن الصورة الثانية من صور صلة الرحم هي كثرة السؤال عن الأقارب.
ومن صور صلة الرحم أيضًا، أن يخصص الإنسان يومًا يزور فيها أقاربه، ويقضي معهم وقتًا يسيرًا أو كبيرًا، يشعرهم بوجوده، ويحسن إليهم، ويكون لهم عونًا في أمور حياتهم، ويكونون له عونًا في أمور حياته.
إن صور صلة الرحم لا يمكن إحصائها، فطرق الإحسان واسعة، قد يبتدع فيها الإنسان، ويصل فيها إلى مرتبة عالية؛ فصلة الرحم، كما قلت: قد تستغرق بضع دقائق، إلى الزيارة الكاملة في يوم خاص للأقارب.
وصلة الرحم لها فضائل كثيرة، إذا اتصف بها الإنسان، وتحمل مسئوليتها، وتحلى بخلقها، أصبح في مكانة ومنزلة عالية بين الناس، وعند الله “سبحانه وتعالى”، وهو ما يجب أن نلقي عليه الضوء في الأسطر القليلة الآتية، حتى يتسنى للإنسان رؤية الصورة واضحة جلية لما يمكن أن تغيره صلة الرحم في حياته.
فضائل صلة الرحم
إن صلة الرحم تعود فضائلها على الإنسان في الدنيا والآخرة، والآخرة دائمًا خير وأبقى. أما في الدنيا، فالإنسان يحظى بمكانة كبيرة بين أقرباؤه؛ إذ يحبونه، ويودونه، ولا ينسونه أبدًا، فيشتد ساعده في بمعونتهم، ويكون عونًا لهم، وتترابط أواصر الأسر، والعائلات، وتعم الرحمة والود فيما بينهم، ويصير الإنسان محبوبًا مرغوبًا، لا ينفر منه أحد من أقربائه، أو يبتعدون عنه.
أما على الصعيد الديني، والإيماني، والخلقي؛ الذين يدفعون المرء إلى أن يكون له أسمى مكانة عند الله في الآخرة، فصلة الرحم لها الكثير من الفوائد والفضائل التي تدفع المرء لأن يحظى بهذه المكانة يوم القيامة “إن شاء الله”
أولها: أنها سبب دخول المرء الجنة، فعن أبي أيوب الأنصاري، أن رجلًا سأل رسول الله “صلى الله عليه وسلم” عن عمل يدخله الجنة ويباعده من النار، فقال “صلى الله عليه وسلم”: (تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم).
فالفضل العظيم الذي يحظى به المرء في الآخرة، أنه سبيل لدخول الجنة “إن شاء الله”
وثاني الفضائل التي تعود على المرء من صلة الرحم: أن من يؤديها فإنه يمتثل لأمر الله “سبحانه وتعالى” ويطيعه، ويعبده، فيستحق رضا الله “سبحانه وتعالى” ومغفرته في الدنيا والآخرة.
وثالث الفضائل التي تنطوي عليها صلة الرحم، أن من يصل رحمه، فكأنما يعطي الدليل على إيمانه بالله “سبحانه وتعالى” واليوم الآخر؛ فقد قال “صلى الله عليه وسلم”: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه).
غير أن صلة الرحم تشهد لواصلها يوم القيامة “إن شاء الله” بالوصل، وهي رابع الفضائل التي تقدمها صلة الرحم للمرء.
وأخيرًا، فإن صلة الرحم سببًا في زيادة البركة، والرزق في المال والولد والصحة والعافية؛ فمن يوصل رحمه يهبه الله في الدنيا الرزق الواسع، والبركة في العمر، بالصحة والعافية، وهي خير مرتبة يحظى بها الإنسان في الدنيا والآخرة “إن شاء الله”
خطوات لوصل الرحم
وبعد أن تبينا الفضائل التي ينطوي عليها خلق (صلة الرحم) نضع أمام القارئ بضع خطوات تجعله يغالب نفسه، ويزحزح القليل من وقته مخصصًا إياه لصلة الرحم، ولا ينقطع عنها أبدًا.
أولها: يجب على المرء أن يتذكر الثواب العظيم، والبركات الجمة، والمكانة العالية التي وعده الله بها إذا وصل رحمه ، ولم ينقطع عن أهله: من أول والديه، إلى آخر أقربائه المقربين.
ثانيها: إذا استطاع المرء أن يتغافل عن الإساءة التي قد تبدر منهم بقصد أو بغير قصد، فإنه بذلك يستطيع أن يغالب نفسه، ويدفعها لزيارة أقاربه الذين قطع ودهم.
ثالثها: على المرء أن يتحلى بالتواضع ولين الجانب، حتى لا ينظر إلى أقربائه نظرة تعالي تدفعه أن يقطع عنهم الوصل، ويكف عن زيارتهم أو مكالمتهم.
رابعها: يجب أن يضع المرء في نفسه هدفًا جليلًا: أن ينوي لأولاده زيارة هؤلاء الأقارب، حتى يتعرفوا عليهم، ويندمجوا معهم، ولا يصيروا منبوذين لا يعرفهم أحد عندما يكبروا، وإذا انتوى المرء هذه النية، كانت له الدافع لعدم قطع الوصل، بل يزيد في صلة الرحم أكثر وأكثر.
الكتاب والسنة يحثان على صلة الرحم
إن صلة الرحم من الأخلاق القويمة التي حث عليها الله “سبحانه وتعالى” ورسوله “صلى الله عليه وسلم”، لذا يجب أن يتحلى بها كل مسلم مؤمن بالله والرسول “صلى الله عليه وسلم” وألا ينقطع عنها، لأجل إحراز الود من الناس، والثواب العظيم من الله “سبحانه وتعالى”
قال “تعالى”: (يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
قال “صلى الله عليه وسلم”: (عن أنس”رضي الله عنه” قال: قال رسول الله :إن الرحم شُجْنةُ متمِسكة بالعرش تكلم بلسان ذُلَق ، اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ، فيقول ـ تبارك وتعالى ـ : أنا الرحمن الرحيم ، و إني شققت للرحم من اسمي ، فمن وصلها وصلته،ومن نكثها نكثه).