قُبيل الحديث حول صلاة الاستخارة وفضائلها؛ أود القول أننا ما دمنا نحيا في هذه الحياة فنحن نتقلب بين أحوالها المختلفة، ونعيش تفاصيلها العجيبة، تتقاذفنا أمواج القدر، وتسلمنا الأيام من حال إلى حال، ولا نملك لأنفسنا من أمر أنفسنا شيئا، نمضي في طريق لا نعلم ملامحه ولا نعرف ما ينتظرنا في آخره.
مُعضلة القرارات
نضطر إلى اتخاذ قرارات معينة، في مشوار حياتنا، وبعضها هام لدرجة أنه يغير خارطة الحياة، ويغير مصائرنا، ومهما توفر لنا من معلومات أو بيانات تتعلق بتلك الأمور، ومهما كانت حساباتنا دقيقة، فنحن بالنهاية بشر، نظرنا قاصر وعلمنا محدود ولا نجزم بعاقبة الأمور أبدا، فكم من أمر مضينا فيه نحسبه خيرا لنا وتثبت الأيام خلاف ذلك، وكم من أمر أحجمنا عنه وتبين لنا بعد حين أننا كنا مخطئين، وكم مرة بدا لنا أننا ضيعنا فرصا لا تعوض، أو استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وكل ذلك مرجعه إلى بشريتنا ونظرتنا المحدودة وعلمنا المرهون باللحظة التي نحياها، وجهلنا المطلق بأي أمر قادم، فمهما تمكنا من أدوات العلم والتكنولوجيا والمعرفة يظل توقعنا للمستقبل دربا من التكهن والتخمين، فثانية واحدة قد تتغير فيها مصائر وتتبدل فيها أقدار.
ومن ثم فإننا في حاجة إلى رأي خبير، ومشورة عالم يحيط بظواهر الأمور وبواطنها، ويعلم عواقبها، ومنقلبها، يعلم علم اليقين ما فيه الخير لنا وما يخفي لنا بين طياته من الشر، بل نحن في حاجة إلى من تتعدى صلاحياته العلم إلى التدخل واللطف والتدبير وتصريف المقادير.
نحن في حاجة دائمة إلى من يوجهنا إلى ما فيه الخير لنا، يصرفنا عن كل ما فيه الشر، سواء في أمور دنيانا أو ديننا، ومن له أن يفعل ذلك؟ من يقيل عثراتنا؟ ومن يحدو بنا عن السقوط ويهدي خطواتنا؟ إنه الله عز وجل العليم الخبير الحكيم القادر المقتدر القدير على كل شيء علام الغيوب، من بيده ملكوت السماوات والأرض والخلق.
لأجل ذلك أهدانا الله بهدية لم تهدى لامة من قبل المسلمين، وشرع لنا صلاة خاصة نطرق من خلالها باب الله ونبثه شكوانا، ونطلعه على حيرتنا وترددنا، ونقر بين يديه بضعفنا وعجزنا، ونطرح قضيتنا ونستعين به ليهدينا، ويصرف عنا مالا طاقة لنا به، ونسلم بين يديه بالرضا التام عن حكمه وقسمه لنا، ونسأله مزيدا من الرضى، وأن لا يجعل قلوبنا معلقة بما فيه شر لنا، أو ظامئة لما ليس لها، في صلاة تعرف بصلاة الاستخارة.
مشروعية صلاة الاستخارة وكيفيتها
شرع الله صلاة الاستخارة للمسلمين، والاستخارة معناها الاستعانة بالله ليختار لنا ما فيه الخير وحسن العاقبة، وقد حث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلمها لأصحابه، فكان أحدهم يستخير الله في كل أمر ينوي الأقدام عليه، حتى صغائر الأمور.
ودليل مشروعيتها ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله -صلى الله عليه سلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، فيقول -صلى الله عليه سلم: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي، ويسره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وأجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به» قال: ويسمي حاجته، رواه البخاري.
وفي هذا الحديث دليل مشروعية صلاة الاستخارة وبيان كيفيتها، ونص الدعاء الذي يقال فيها.
أُوصيكم أيضًا هنا بقراءة معلومات عن صلاة الاستخارة وكيفيتها
فضل صلاة الاستخارة
صلاة الاستخارة لها فضل عظيم، وأثر طيب على حياة من يؤمن بها ويتعهدها ويداوم عليها في حياتها، ويلجأ إليها في حيرته أو عند الإقدام على أي أمر من أمور حياته، ومن فضلها ما يلي:
- الاستخارة ودعائها فيهما معنى الاستسلام التام لله والرضا بحكمه واختياره لنا، وفيها معنى اليقين من العبد بأن الخيرة فيا اختاره الله، ومن ثم يتولد معها شعور الرضا والسلام النفسي والسكينة.
- صلاة الاستخارة تنطوي على معنى التوكل على الله وحسن الظن به.
- الاستخارة تعفى الإنسان من الشعور بالندم وويلاته، وتقيه من وجع الحسرات التي تنتاب القلوب عند فوات الفرص أو تغير الأحوال، وكما قال القائل : (لا خاب من استشار، ولا ندم من استخار).
- وأخيرا فإن الاستخارة من السلوكيات الإيمانية الراقية، والتي تمنح صاحبها سعادة لا تضاهي فتعلموها وعلموها أولادكم.