«محمد» يسأل: أعلم أن المشكلة فيّ أنا.. ولكني متحير، قلق، خائف من الله ومن نفسي ومن الغد.. وسوف أدخل في الموضوع مباشرة.
أنا شاب أبلغ من العمر 25 سنة سبق أن أحببت فتاة وأسأت الاختيار فأسرعت بالابتعاد عنها وسط ذهول الجميع دون إبداء أسباب؛ لأنها كانت تتعلق بأخلاق الفتاة وسلوكها غير السوي، فلم أرد أن أفضحها ولكني تحملت كل الانتقادات من أهلها وأهلي؛ لأني كنت قد تقدمت لها فعلا، ثم تركتها بعد طلباتها التي لا تنبغي إلا بين الأزواج هداها الله.
بعدها التقيت بفتاة وكانت زميلة لأختي في الجامعة وهي من أسرة محافظة جدا، فكان كل كلامي معها بحدود وبالقدر الكافي لبقاء التواصل بيننا والمحافظة على الحب، ولكن هذا الحب كان من جانبها، أما أنا فكان اقتناع وثقة تامة بها ولم يصل للحب، بمعني أني أريدها؛ لأنها مناسبة ومن الصعب أن أجد مثلها في هذا الزمن.
ووعدتها بأن أتقدم لخطبتها ولكن عندما أنهي تجهيز نفسي فقالت إنها ستنتظرني وفي تلك الفترة كان الاتصال بيننا قليل في شكل مكالمات هاتفية مرة أو اثنتين أسبوعيا، وبعلم أهلها وأهلي بما بيننا كان الترحيب من الجانبين..
وفي تلك الفترة قابلت زميلة لي في العمل وتعلقت بها وتعلقت هي بي وكثرت بيننا الخروجات واللقاءات بحكم ما هو ممكن من التأخر في العمل وأن نضطر لتناول الغداء معا (أقصد كل الزملاء) سواء في العمل أو خارجه.. وأحبتني هي أيضا فالاثنتان يحباني وقد قلت لزميلتي التي في العمل إني سأخطب زميلة أختي، وبعد أن فكرت بالموضوع كان ردها أنها لن تتزوج أحدا غيري ولن ترتبط بأحد وطلبت مني أن أتزوجها بعد زواجي بزميلة أختي وأنها سترضى أن تكون الزوجة الثانية بل من الممكن أن تعيش معها في بيت واحد دون مشاكل بشرط أن تظل بقربي حتى لو لوقت قليل.
لقد كنت صريحا معها، ولكنني لم أصارح زميلة أختي بموضوع زميلتي في العمل لأنها تحبني كثيرا وأنا قلق من وقع المفاجأة عليها.
لقد وصل بي الحال لدرجة أنني أتمنى أن تبتعد أو تتخلى إحداهما عني أو ترفض إحداهما الاستمرار، وذلك حتى لا أكون السبب في جرح أي منهما فأنا متعلق بكلتيهما ولا أستطيع الاختيار ولا أعرف كيف أقرر فكلتاهما مناسبة ومع الأسف أنا لا فرق عندي إن ضاعت إحداهما أو ذهبتا هما الاثنتان؛ لأن ما يعلقني بهما هو الاقتناع وليس الحب وأنا أؤمن أن الحب لا تكتمل كل جوانبه إلا بالزواج أما ما قبله فهو تدقيق وحسن اختيار.
ومن ناحية أهلي فإنهم لا يعترضون على أي قرار أتخذه لثقتهم فيّ؛ ولأنهم يعلمون أنها حياتي وليس لأحد أن يقرر إلا أنا، وهم عليهم المشاركة والمباركة، ولقد قمت بصلاة الاستخارة كثيرا وبعدها أترك الأمر والاختيار لله ثم أعود ثانية لحيرتي.
أنا لا أريد أن أتهم نفسي، ولكن أريد منكم تفسيرا لما أنا فيه..
جزاكم الله خيرا.. وأعتذر عن النقص الكبير في التفاصيل حيث إنها تحتاج للكثير والكثير من الكتابات ولا أريد أن أطيل عليكم.. جزاكم الله خيرا.
الإجابـة
ولدي العزيز.. هناك مثل مصري يقول: “من كثرت عرسانها بارت”.. وطبعا “الفقي لما يسعد تجيله عروستين في ليلة واحدة”..
لا تتوقع مني أن أرشدك إلى قرار، ولكني سأناقش معك حالتك وكأني أمك.. فأنت في سن أبنائي.
بداية ننسى فتاتك الأولى فقد أحسنت التصرف في الوقت المناسب وتحملت النقد والاتهامات بشهامة الشاب المسلم الكريم ولم تجرحها أو تفضحها فبارك الله فيك ولك وبك يا ولدي.
الثانية: زميلة أختك عروس منطقية كما يظهر من كلامك “من الصعب أن أجد عروسة مثلها”.. وواضح أنه هناك مباركة من أهلك وأهلها لهذا الارتباط علاوة على أنها تحبك وهذه صفة جميلة جدا.. فستفعل المستحيل لإرضائك يا ولدي ولكن في الوقت المناسب.. وكانت هي وأهلها من العقل والحكمة بمكان أن قبلوا أن تطول فترة تعارفكما الأولى إلى أن تنتهي من تجهيز نفسك، ولم يشترطوا شرطا ولا غيره.. وهذا تصرف يحسب لأخلاقهم ولطباعهم الكريمة.. وكل هذه نقاط في صالح ارتباطك بزميلة أختك.. فأنت في النهاية ستصاهر أسرة بكاملها وستتعامل معهم سائر حياتك وسيكونون جدودا وأعماما وأخوالا لأبنائك.
الثالثة: زميلتك في العمل التي جمع بينكما المكان وأحبتك وتعلقت بك.. ذكرت أنك تعلقت بها بحكم القرب وكثرة الاحتكاك.. ثم عدت فأنكرت أنك تحبها بكل وضوح وصراحة.. فأنت لا تحب هذه ولا تلك ولكن الاثنتين متعلقتان بك بشدة.. وهي مستعدة من شدة حبها وتعلقها بك أن تكون الزوجة الثانية بل تعيش بقربك ولو أيام قليلة..
أرى ذلك كثيرا جدا.. فما الذي يدفع فتاة شابة في أوائل العشرين أن تبيع نفسها بكل هذا البخس؟ الإجابة المتوقعة من الجميع هي: أنها تحب.. فأطرح سؤالا آخر: وماذا لو انتهى الحب وانطفأت جذوته؟
إنها تتصرف بشكل غير منطقي تبعا لأهوائها ورغباتها ودعنا نضع بعض الفرضيات..
إذا افترضنا جدلا مثلا أنك قبلت طلبها وقبلته خطيبتك وأهلك وأهل خطيبتك وأهلها –أرأيت كم جهة تحتاج إلى تدخلها في الأمر- وتراضى الجميع على الوضع.. فكيف ستتصرف إذا شعرت بالغيرة تدب في قلبها –وهذا شعور طبيعي جدا– حين تراك تدخل غرفة الأخرى وتغلق الباب وهي تعلم تماما ماذا يحدث؟ إلى أي مدى من الجنون ممكن أن يصل انفعالها وتصرفاتها غير المحسوبة واستعدادها غير المحدود لعمل أي شيء للحصول على ما تريد؟
أو إذا انتهى حبك الشديد من قلبها ووجدت أنها ربع زوجة وتعيش في الظل.. هل ستطلب الطلاق؟ هل ستطالبك بتطليق الأخرى؟ هل ستحيل حياتك إلى جحيم؟
نقطة أخرى:
كيف “تعزم” عليك بنفسها بلا حقوق كزوجة ثانية في ظل زوجة أخرى وفي بيتها لتحظى بسويعات بقربك دون موافقة أهلها؟ أم أنه لا أهل لديها؟ أم أنهم لا يهتمون بما تفعله؟ أم أنهم مستعدون لقبول هذا الوضع الشاذ لابنتهم الشابة؟ ولحظتها اسمح لي أن أسألك لماذا؟ لماذا يقبل أب طبيعي أن تبدأ ابنته -وهي في أول العشرين- حياتها بهذه الصورة؟ لست واسع الثراء بدليل أنك تحتاج وقتا لإعداد نفسك.. هل هم من مستوى دوني جدا، وأي زيجة تعتبر إنقاذا بالنسبة إليهم؟
نقطة أخيرة:
كيف تتصور أن خطيبتك قد تقبل وضعا كهذا؟ وإن قبلته هي فهل سيقبله أهلها المحترمون المحافظون؟
هل تريد زميلتك أن تدفعك لتخبر خطيبتك؛ لأنها متأكدة أنها هي من سيرحل ويترك لها المكان.. فتظهر الأولى بمظهر الأناني الذي لا يقبل أن يشارك حبيبه مع أحد وتظهر هي بمظهر المحبة المخلصة المستعدة لتلقي الفتات من الحبيب؟
هناك تصرفات كثيرة بلا معنى ولا طعم ولا رائحة.. بالعكس وتنم عن جرأة شديدة.. من فتاة تعرض نفسها على رجل.. مهما رأت منه حسن خلق والتزاما.. فهو في النهاية رجل.. وحتى النبي الكريم ابن الكريم ابن الأكرمين تمنى من الله أن يسجن، ولا يظل عرضة لفتنة النساء.
أنت صاحب القرار.. أنا فتحت لك “شبابيك” من الأسئلة والتساؤلات حاول أن تغلقها أو تثبتها..
طبعا تساؤلاتي كلها انصبت على زميلتك؛ لأنك لم تذكر لخطيبتك عيبا أو ضعفا.. مجرد فتاة طيبة مهذبة ملتزمة تحبك وتنتظرك وتحلم بك زوجًا ورجلاً وهذا حقها الحلال المحض.. لأنك ببساطة طلبت زواجها من أهلها.. وأصبحت محرمة ولو مؤقتا على أي خاطب آخر..
وكما قلت فالقرار في النهاية لك وحدك.
⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:
- ↵ أحب حبيبي وأتطلع لغيره!
- ↵ شاب خطب بنت خالته ورفض أهله زواجهما: صراع بين الحب والواقع
- ↵ أنا وخطيبتي وأهلي.. معارك بلا حدود
⇐ أجابتها: د. نعمت عوض الله